هل أن تطبيق العدالة الحق هي التي تسبق فيها الحقوق على الواجبات ام الواجبات على الحقوق
هل العدالة الحقيقية هي تلك التي تقدم الحق على الواجب؟ أم هي تلك التي يسبق فيها الواجب الحق؟
طرح المشكلة :
اهتم الفلاسفة منذ فجر التاريخ بمشكلة العدالة،حيث كان تطبيقها على أرض الواقع مطلبا أساسيا للفلاسفة و علماء القانون والأخلاق.وإذا اقتضت العدالة جهاز حقوق و واجبات فقد اختلف المفكرون حول أسبقية كل منهما على الأخر. حيث ظهر الى الوجود عناد فكري تمثل في أن طائفة من المفكرين ترى أن الحق أولى من الواجب في حين رأت طائفة أخرى أن الواجب أسبق، و هذا ما طرح مشروعية التساؤل حول تطبيق العدالة بربطها بجهاز الحقوق و الواجبات.فهل يمكن اعتبار العدالة الحقة هي تلك التي يسبق فيها الحق الواجب أم هي تلك التي يتقدم فيها الواجب على الحق؟؟
محاولة حل المشكلة
عرض منطق الأطروحة يرى كثير من الفلاسفة و من بينهم سقراط، جون لوك، وولف أن العدالة الحقيقية هي تلك التي تقتضي تقدم الحق على الواجب.حيث أن سقراط عندما سؤل عن العدالة قال" العدالة هي إعطاء كل ذي حق حقه" و قد فهم من هذا التعريف أن سقراط يربط العدالة بالحقوق دون الحديث عن الواجبات، أما فلاسفة "القانون الطبيعي" فإنهم يعتقدون أن العدالة تقتضي تقدم الحقوق على الواجبات و ذلك أن الحق هو معطى طبيعي (مثل حق الغذاء، التناسل،حق الحرية........) فهي حقوق معطاة بالطبيعة اذ أن كل مولود يتمتع بها بمجرد أن يولد، دون ان يطالب بها.يقول 'وولف' " كلما تكلمنا عن القانون الطبيعي لا نبغي مطلقا قانونا طبيعيا، بل بالأحرى الحقوق التي يتمتع بها بمجرد ان يولد من غير أن يطالب بها " حق الفرد سابق لواجب الدولة و هذا من منطلق أن القانون الطبيعي سابق لنشأة الدولة. العدالة المطلقة تقتضي احترام الطبيعة البشرية في إقرارها بالحقوق الملازمة لكينونتها البشرية التي تضمنها القوانين الطبيعية.كما أن الحقوق الطبيعية ملازمة للوجود الإنساني فهي سابقة لكل واجب لأن الوجود يتوقف عليها (كالحق في الحرية و الملكية و حق محاكمة المعتدي وحق معاقبته.
_ان القوانين الطبيعية تتضمن حقوقا طبيعية بينما الواجبات ميزة القوانين الوضعية.و بما أن القوانين الطبيعية سبقت القوانين الوضعية باعتبار المجتمع الطبيعي يسبق المجتمع السياسي (الدولة) إذا فالحقوق تسبق الواجبات ويقول 'جون لوك' " لما كان الإنسان قد ولد وله الحق الكامل في الحرية و التمتع بجميع حقوق قانون الطبيعة فان له بالطبيعة الحق لا في المحافظة على ما يخصه أي حياته و حريته و ممتلكاته فحسب بل في أن يحاكم الآخرين في خرقهم لهذا القانون".
الحجج و البراهين
_ان حقوق الإنسان أولى في القانون الوضعي، بدليل المنظمات الدولية لحقوق الإنسان التي استمدت فلسفتها القانونية من فلاسفة القانون الطبيعي،إذ أن المادة (3) من إعلان حقوق الإنسان الصادر سنة 1789 تنص على :
_هدف كل جماعة سياسية(دولة) هو المحافظة على حقوق الإنسان الطبيعية و هي الحرية، و الملكية،و الأمن، و مقاومة الاضطهاد,
كما أن أول إعلان أمريكي في الحقوق يؤكد على الحق في الحياة و الحرية و التملك و الأمن وقد ورد هذا في كتاب "ضمانات الحرية في الدستور الأمريكي ".
_جاء في المادة (18) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان : "لكل شخص الحق في حرية التفكير و الدين و الضمير و يشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته وحرية الإعراب عنها بالتعليم و الممارسة و إقامة الشعائر و مراعاتها سواء كان ذلك سرا أو جهرا، منفردا او جماعة."
النقد:ان مجتمع القانون مجتمع كسول، فالحق يجب أن يقابله واجب كما أن الاقرار بحق الملكية هو تكريس لهيمنة الأقوياء على الضعفاء ، وهذا يتنافى مع العدالة. فطغيان الحقوق على الواجبات يؤدي إلى تناقضات و اضطرابات، كما أنه ينهك مقدرات الدولة (الخيرات
عرض نقيض الأطروحة:العدالة الحقيقية هي التي تسبق الواجب على الحق، ونجد هذا مثلا في الفكر الفلسفي اليوناني القديم على يد ' أفلاطون' عندما سؤل عن العدالة فقال: "العدل هو أداء الفرد لواجبه و امتلاكه لما يخصه" و بذلك فهم بأن أفلاطون يربط العدل بتقديم أداء الواجبات على امتلاك الحقوق. وفي الفلسفة الحديثة و خصوصا المثالية نجد 'كانط' خير ممثل لهذا الاتجاه حيث يعتقد أن الأولوية للواجب على حساب الحق، لأن الأخلاق تقوم على فكرة الواجب لذاته.
_الواجب يقتضي القيام بالعمل لذات الواجب و ليس لما يترتب عليه من حقوق.
_الواجب أمر مطلق صوري منزه عن الأغراض و النتائج و المنافع و لذلك فأولوية الواجب تعد مقتضى عقليا .
'أوجست كونت': أولوية الواجب مقتضى وضعي، فالواجب قاعدة تفرضها العاطفة و العقل و بذلك فان فكرة الحق يجب أن تختفي من القاموس السياسي.وان الأخلاق عند علماء الاجتماع ذات طابع اجتماعي فهي نابعة من الواجب كإلزام خارجي 'دوركايم'.المجتمع بعاداته و تقاليده يغرسها في الأفراد و يفرضها عليهم.وان حق الفرد هو نتيجة لواجبات الآخرين.اذن لا معنى للحق في غياب الواجب
الحجة:
الو اجب نتيجة المجتمع والمجتمع سابق للفرد و السابق يحدد اللاحق.
اذا غاب الواجب من العدالة هيمنت الأنانية والاثرة على الغيرية و الايثار و منه الفوضى في المطالب.عند قيام كل الأفراد بواجباتهم تتحقق الحقوق تلقائيا،و تتعدد بتعدد هذه الواجبات.الواجب هو إلزام أخلاقي قبلي لذا كثير من الواجبات الوضعية الاجتماعية كانت امتداد الواجبات الاخلاقية.
مناقشة: لا شك أن فكرة الواجبات تساهم في بناء العدالة،لكن الإفراط فيها قد يكون سببا في التفريط في الحقوق،و استغلال الأفراد فمثلا المستعمر كثيرا ما يهتم بالواجبات على حساب الحق،و هذا حال الانظمة الطوليطارية الشمولية .
التركيب: يتبين لنا بعد مناقشة الرايين ان العدالة الحقة هي تلك التي توازن بين الحق والواجب وفق عمل موضوعي معقول و منطقي حسب الظروف،اي وفق تجسيد المساواة بين الحق والواجب نظريا،و الواقع قد تكون هذه المعادلة نسبية حسب الظرف والحاجة لكل مجتمع،وعليه فكل من الحق والواجب يؤسس الآخر في علاقة متكافئة .
الخاتمة: على التلميذ استنتاج نتيجة منطقية تنسجم مع التحليل.
ملاحظة: يجب تكملة باقي مراحل المقال
هلالعنف مشروع من قبل الدولةوالشعب ام العنف غيرمشروع