* مخطط مقال العدالة حول أسبقية الحق على الواجب أم الواجب على الحق
* أسئلة المقال :
- هل تتأسس العدالة على أسبقية الحق على الواجب أم الواجب على الحق ؟
- هل تجسيد العدالة مبني على تقديم الحق على الواجب أم على تقديم الواجب على الحق ؟
* من إعدادي: الأستاذ أنور سبحي
_____________________________
✓ أسبقية الحق عن الواجب :
* أهم الفلاسفة : " سقراط ، فلاسفة القانون الطبيعي ( وولف ) ، وفلاسفة العقد الإجتماعي ( جون لوك ، جون جاك روسو ) "
* الرأي العام : إن العدالة تستلزم في كينونتها ووجودها أسبقية الحق على الواجب
1/ سقراط : حيث أن العدالة حسبه لا تتأسس من الناحية الأنطولوجية إلا بالاعتراف الضروري بكل حقوق الذات الإنسانية ، حيث يعرف لنا العدالة بأنها : { إعطاء لكل ذي حق حقه }
2/ فلاسفة القانون الطبيعي :
بينما ذهب فلاسفة القانون الطبيعي وعلى رأسهم " وولف " أن الحقوق الطييعية يمثل مجموعة الحقوق الملازمة للإنسان ، فهي تتعلق به بمجرد ولادته وقذفه إلى العالم ووجوده في الحياة كالحق في الحياة والحق في المعتقد وحرية التفكير ، فهي مرتبطة بالإنسان في مجتمعه الطبيعي ، بينما القوانين الوضعية هي التي تفرض على الفرد واجبات متعلقة بنشأة الدولة والمجتمع المدني ، فالفرد إذن بهذا بالمعنى سابق لوجود الدولة
- بالتالي فالحقوق الطبيعية أسبق من القوانين الوضعية المقررة للواجب ، ومن هنا لزم أن يكون الحق أسبق من الواجب ، وهو ما يعني أن الإنسان يكتسب أولا حقوقه كمعطيات طبيعية وكرأسمال أولي ثم يلتزم بعدها بأداء واجباته .
وفي هذا الصدد يقول " وولف " : { كلما تكلمنا عن القانون الطبيعي لا يعني مطلقا قانونا طبيعيا بل بالأحرى الحق الذي يتمتع به الإنسان بفضل ذلك القانون }
2/ فلاسفة العقد الإجتماعي :
بينما ذهب فلاسفة العقد الإجتماعي وعلى رأسهم " جون لوك وجون جاك روسو " إلى إعتبار أن العدالة تتأسس من خلال أسبقية الحق على الواجب
- جون لوك :
حيث أعطى لنا " جون لوك " حجة تاريخية أنطولوجية قوامها أنه لما كانت الحقوق الطبيعية ترتبط إرتباطاً وثيقا بالقوانين الطبيعية ، ولما كانت الواجبات ملازمة للقوانين الوضعية ، هنا أمكننا القول أن الحق سابق للواجب من الناحية الأنطولوجية ، وذلك من منطلق أن القوانين الطبيعية سابقة عن القوانين الوضعية ، وهذا لكون المجتمع الطبيعي سابق عن المجتمع السياسي و المدني .
- فالحقوق الطبيعية بمثابة حاجيات بيولوجية يتوقف عليها الوجود الإنساني كالحق في الحرية والحياة والملكية ، ذلك أن جميع الواجبات ستسقط إذا ضاع حق الفرد في الحياة .
- يقول " جون لوك " : { لما كانت الحقوق الطبيعية حقوقا ملازمة للكينونة الإنسانية ، فهي بحكم طبيعتها هذه سابقة لكل واجب } .
- فإنضمام الفرد للجماعة حسب لوك وإنشاء العقد الإجتماعي لم يكون إلا لضمان الحقوق ، فالحق الطبيعي ليس له حدود سوى حدود ذلك الشخص الذي يمارس ذلك الحق
- جون جاك روسو :
أما الفيلسوف " جون جاك روسو " إعتبر أن حالة التمدن تجعل الإنسان يضمن ما هو أعظم وهي الحرية الأخلاقية وأعراف الجماعة ، وبالتالي يكون الإنتقال من حالة المجتمع الطبيعي إلى المجتمع المدني هو إنتقال من حق القوة إلى قوة الحق ، أي من الإحتكام إلى القوة الطبيعية الفيزيائية إلى القوة القانونية التشريعية والأخلاقية ، والقوة المشروعة في نظر روسو هي قوة الحق ، لأن حالة التمدن التي يتحدث عنها هي التي تضمن للإنسان كل حقوقه فيتم إقرار العدالة عن طريق عقد القوانين والإتفاقيات ، وبالتالي فالعدالة عند روسو تقتضي تقديم الحق الطبيعي على الواجب المدني ، لأن الحقوق ملازمة للطبيعة الإنسانية لا الطبيعة المدنية .
* أمثلة واقعية :
- ما يؤكد ذلك الثورات العربية الحالية والحراك الشعبي الجزائري الذي قام على المطالبة بالحقوق الطبيعية وأهمها الحق في الحرية والحياة .
- كما نجد المنظمات الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يعتبر الحق قضية مقدسة ورمز القداسة لايجب المساس به ، ويظهر ذلك في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 18 : { لكل شخص الحق في حرية التفكير والدين ... يولد الناس أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضا بروح الإخاء بدون أي تمييز }
نقد وتقييم :
صحيح من الناحية المنطقية أنه لابد للفرد من التمتع بحقوقه الضرورية حتى يستطيع أداء واجباته :
- لكن أنصار هذا الإتجاه بالغوا في تقديس الحقوق وأهملوا الواجبات ، لأن هذا يؤدي إلى الإخلال بتوازن الحياة الإجتماعية وبالتالي غياب العدالة .
- طغيان الحقوق على الواجبات في مجتمع ما يؤدي إلى إحتدام الصراع وتضارب المصالح فينعكس ذلك سلبا على وظائف الدولة السياسية والإقتصادية ، فأهواء الناس وميولاتهم المتناقضة والمتضاربة من شأنها أن تؤدي بالمجتمع الإنساني إلى العودة لحالة الفوضى التي كانت سائدة في حالة الطبيعة .
- كما أن إقرار هؤلاء بحقوق مقدسة للفرد يجعلهم يدافعون بقصد أو غير قصد عن حقوق الأقوياء بدل حقوق الضعفاء .
✓ أسبقية الواجب عن الحق :
* أهم الفلاسفة " أفلاطون ، إيمانويل كانط ، أوغيست كونت " .
* الرأي العام : أن العدالة تتأسس من الناحية الأنطولوجية على فكرة الواجب .
* أفلاطون :
حيث ذهب الفيلسوف اليوناني " أفلاطون " إلى إعتبار أن العدالة تتحقق إنطلاقا من أداء الذات لواجبها ، فالواجب حسبه معطى عقلي وضرورة واقعية تتجاوز منطق الذاتية والمصالح الفردية الضيقة ، فواجب طبقة الحكام ( الفلاسفة ) هو حكم الدولة ، وواجب طبقة الجنود هو حماية الدولة ، أما واجب طبقة العمال أو العبيد هو فقط القيام بخدمة الأرض وكذا الأعمال اليدوية ، ومن هنا يعرف أفلاطون العدالة على أنها : { أداء الفرد لواجبه وإمتلاكه لما يخصه } .
* إيمانويل كانط :
يرى أن العدالة تتأسس إنطلاقا من فكرة الواجب لذاته ، أي الواجب من أجل الواجب ، فالواجب أمر مطلق ومنزه من كل غرض مادي ، بل هو غاية وليس وسيلة لنيل مصلحة ما ، فالواجب يستند على سلطة الضمير وأحكام العقل الثابتة ، وبالتالي تكون العدالة منزهة عن كل غرض ذاتي أو منفعة عملية ، ولهذا فالواجب الكانطي يستمد قيمته من ذاته لا من غيره ، وهذا ما أكده كانط في قوله : { الواجب هو ضرورة القيام بفعل ما إحتراماً للقانون } ، فعندما أساعد ضعيفا أو أعين عاجزا على إجتياز الطريق ، أرى أن ذلك من واجبي لكنني لا أشعر أن ذلك حق له ، كما أنني لا أنتظر مقابلا من هذا العمل ، مما يعني أنه واجب منزه من كل حق ذاتي أو مصلحة شخصية .
* أوغيست كونت :
لو أدى كل فرد واجبه لنال الجميع حقوقهم ، لأن حق الفرد هو نتيجة لواجبات الآخرين نحوه ، فقيام الجميع بواجباتهم يؤدي إلى رضاهم وتلبية حقوقهم ، ولهذا كان من الضروري إستبعاد مصطلح الحق من التشريعات الوضعية ، وفي هذا الصدد يقول : { ينبغي أن نحذف مصطلح الحق من القاموس السياسي ونبقي على الواجب } ، وهذا يعني أن تحديد الواجب سابق عن إقرار الحق ، ومثال ذلك : أداء الأستاذ لواجبه التعليمي والبيداغوجي ، وأداء التلميذ لواجبه الدراسي ، ومن هذه المعادلة تتحقق العدالة التربوية ، إذ ليس للفرد حق بالمعنى الأنطولوجي لأن مجرد مطالبة الفرد بحق حسب " كونت " يعد فكرة منافية للأخلاق ، لأنها تفترض مبدأ الفردية ، يقول " أوغيست كونت " : { إن الوضعية لا تقرّ حقا آخر غير حق القيام بالواجب ولا تقرّ واجبا غير واجبات الكل تجاه الكل ، لأنها تنطلق دائما من وجهة نظر إجتماعية ولا يمكن أن تقبل بمفهوم الحق الفردي ، فكل حق فردي هو عبثي بقدر ما هو لا أخلاقي } .
- يقترن مفهوم الواجب حسب " كونت " بالتضحية والإيثار أي تفضيل الغير على الأنا ، فالواجب يفرضه الضمير وليس المصلحة والحق على عكس ذلك يرتبط بالذاتية والأنانية وحب الذات وتفضيلها على الغير ، فالعدالة ذات طابع موضوعي بعيد عن ميول الأفراد ورغباتهم ، لهذا يعتبر مفهوم الواجب أوسع من مفهوم الحق من الناحية الإيتيقية والأخلاقية ، فالقرض مثلا واجب إنساني وأخلاقي ولكن ليس من حق المفترض إجبار وإلزام المقترض على ذلك .
* نقد وتقييم :
صحيح أن أداء الواجب أمر ضروري للحصول على بعض الحقوق ، لكن الطرح الذي قدمته الفلسفة الكانطية والوضعية يهدم العدالة من أساسها ، كونهم يبترانها من مقوم أساسي تقوم عليه ألا وهو الحق .
- كيف يمكن واقعيا تقبل عدالة تغيب فيها حقوق الناس ؟!
- كما أن تاريخ التشريعات الوضعية التي يدافع عنها أوغيست كونت تبطل ما ذهب إليه ، فلا يوجد قانون وضعي يفرض الواجبات على الأفراد دون أن يقر لهم حقوقا ، وبالتالي تصبح العدالة ناقصة تسيء إلى الحياة الإجتماعية وتخل بتوازنها .
- الواجب قد يصبح ذريعة لتبرير الظلم والإستغلال .
* تركيب :
- إن العدالة الحقيقية لا تبنى على الحقوق لوحدها ولا على أساس الواجبات لوحدها بل إنها تقوم على فكرة التوازن بين الحق والواجب .
- عدم قيام الفرد بواجبه لا يتيح له المطالبة بحقوقه ومنه فلا يسمح لمن لا يؤدي بواجباته أن يحصل على حقوقه ، كما أنه من جهة أخرى لا يمكن مطالبة أي كان بواجباته إذا لم تمنح له حقوقه .
- ومن هنا يبدو الإرتباط والتلازم بين فكرتي الحق والواجب ، فالعبرة ليست بأسبقية أحدهما على الأخر وإنما بإحداث إتزان وتوازن بينهما ، فبقدر ما يقوم الفرد بواجبات بقدر ما ينال حقوقا .
* حل المشكلة :
نخلص في الأخير إلى أن العبرة في العدالة ليست بأسبقية الحق أو العكس وإنما بإحداث نوع من الإتزان المعقول بين ما يقوم به الفرد من واجبات وبين ما يتمتع به من حقوق ، سواء حدد الحق قبل الواجب أم حدد الواجب أولا ثم في مقابله حدد الحق ، فالعبرة في إحداث نوع من المساواة دون تغليب أحدهما على الآخر .