مقالة أسبقية الحق على الواجب استقصاء بالوضع "إن العدالة الحقة تنبني على مبدأ أسبقية الحق على الواجب
مقالة استقصائية
أسبقية الحق على الواجب: شعبة الآداب وفلسفة دافع عن الأطروحة القائلة إن العدالة الحقة تنبني على مبدأ أسبقية الحق على الواجب".
بكالوريا 2022 2023 bac الجزائر
أهلاً بكم طلاب وطالبات الباك 2023 في موقعنا باك نت .baknit.net الموقع التعليمي المتميز والمتفوق بمنهجية موضوع النص الفلسفي الجدلية والمقارنة والاستقصاء بالوضع كما نقدم لكم بقلم أستاذ الفلسفة الاجابة الصحيحة لجميع دروس والمقالات الفلسفية المتوقعة والمقترحة في باك جميع الشعب الفلسفية كما نقدم لكم الأن أعزائي الطلاب والطالبات مقالة مختصرة وهي إجابة السؤال ....دافع عن الأطروحة القائلة إن العدالة الحقة تنبني على مبدأ أسبقية الحق على الواجب".استقصاء بالوضع
وتكون اجابتة الصحية هي التالي
مقالة استقصائية
أسبقية الحق على الواجب
نص السؤال: دافع عن الأطروحة القائلة: "إن العدالة الحقة تنبني على مبدأ أسبقية الحق على الواجب".
طرح المشكلة: إن العدل فضيلة أخلاقية سامية، لذلك نجد البشرية جمعاء تنشد العدالة باعتبارها مطلبا أخلاقيا وإنسانيا، فهي قوام صلاح المجتمع ودافع تمدنه واستمراره، وبها يتحقق التوافق والانسجام بين الأفراد. ولقد اهتم الفلاسفة منذ فجر التاريخ بمشكلة العدالة، حيث كان تطبيقها على أرض الواقع مطلبا أساسيا للفلاسفة وعلماء القانون والأخلاق، وباعتبار أن العدالة تقتضي وجود جهاز حقوق وواجبات فلقد شاعت في الأوساط الفكرية والفلسفية ولدى العامة من الناس أنه لا أحد يأخذ حقا، إلا إذا قام بواجبه، من هنا كان الواجب هو معيار العدالة، وأساس بنائها، فقيام الجميع بواجباتهم يؤدي إلى رضا الجميع، ويحقق حقوقهم، ما يعني أن الواجب يسبق الحق...لكن هناك فكرة أخرى تناقضها يعتقد أصحابها أن تطبيق العدالة وممارستها لا يكون إلا بتقديم الحقوق والمكاسب الأساسية للأفراد على الواجبات. من هنا حق لنا أن نتساءل: كيف يمكننا الدفاع عن هذه الأطروحة القائلة: "إن العدالة الحقة تنبني على مبدأ أسبقية الحق على الواجب"؟ وما هي الأدلة والحجج التي يمكننا بها تبرير مشروعيتها؟ وكيف يمكننا حينها الأخذ برأي مناصريها؟
يتجلى منطق هذه الأطروحة حول الأساس الذي ترتبط به فكرة تجسيد العدالة والمبدأ الذي تقوم عليه، وهو مبدأ الحقوق وأسبقيته على الواجبات، باعتبار أن جوهر العدالة هو أعطاء كل ذي حق حقه.
وتقوم هذه الأطروحة التي يرى أنصارها ومن بينهم الفيلسوف اليوناني سقراط بان الحق أسبق من الواجب، على مجموعة مسلمات أهمها:أن الحق معطى طبيعي أولي ملازم للكينونة الإنسانية ووجودها، كما أن تاريخ الحقوق مرتبط بالقانون الطبيعي السابق عن القوانين المدنية التي تعبر عن الواجبات وإلزاماتها. من هنا كانت الحقوق بحكم طبيعتها سابقة عن الواجبات. ويستند أنصار هذه الأطروحة إلى مجموعة حجج لتبرير مبدأ أسبقية الحقوق على الواجبات في تجسيد العدالة منها:
أن الإنسان يكتسب حقوقه كمعطيات طبيعية وكرأس مال أولي بحكم وجوده في الحياة: كالحق في الحياة، التفكير، الحرية...ثم بعد ذلك يكون الحديث عن الواجبات كالتزامات حياتية يفرضها الوسط الاجتماعي الذي يكون فيه الإنسان. ولقد سئل سقراط يوما عن العدالة فأجاب قائلا: "العدالة هي إعطاء كل ذي حق حقه"، وقد فهم من هذا التعريف أن سقراط يقدم الحق على الواجب وبالتالي يربط العدالة بالحقوق دون الحديث عن الواجبات.
من جهة ثانية يؤكد هؤلاء أن أصل الحقوق الطبيعية، المرتبطة بالوجود الإنساني والملازمة للطبيعة البشرية كحاجات مقررة لا بد منها، فهي بمثابة حاجات بيولوجية يتوقف عليها وجود الإنسان، وهذا يعني أن حقوق الأفراد سابقة عن الواجب ومقدسة سواء واجب الدولة أو الجماعة أو أي مؤسسة أخرى. لأن الحقوق الطبيعية هي مصدر وأصل الحقوق الاجتماعية، ومن هنا اعتبر ليبتز "الحق سلطة أخلاقية"، ويقول وولف: "كلما تكلمنا عن القانون الطبيعي لا يبغي مطلقا قانونا طبيعيا، بل بالأحرى الحق الذي يتمتع به الإنسان بفضل ذلك القانون أي طبيعيا". وكل هذا يؤكد أن تجسيد العدالة وممارستها لا يكون إلا بتقديم الحقوق على الواجبات.
وفي المقابل نجد أن لهذه الأطروحة خصوم يعتقدون أن العدالة الحقة هي التي يسبق الواجب فيها الحق، ونجد هذا مثلا في الفكر اليوناني على لسان أفلاطون الذي حينما سئل عن العدالة أجاب قائلا: "العدل هو أداء الفرد لواجبه وامتلاكه لما يخصه"، فالواجب إذن هو معيار العدالة وأساس تجسيدها لأن الواجب مطلب عقلي وضرورة واقعية تتجاوز منطق الذاتية والمصالح الضيقة للأفراد، ويطلب الالتزام بالقانون، وهذا ما يعبر عن تماسك المجتمعات وتحضرها، فالحقوق تستنزف المجتمعات أما الواجبات فتخدمها، من هنا قال دوركايم: "ليس للفرد حقوق بل عليه واجبات" وقد اقترح زعيم الفلسفة الوضعية أوغيست كونت إمكانية الاستغناء عن فكرة الحقوق لأن قيام الجميع بواجباتهم يؤدي إلى رضا الجميع وتلبية حقوقهم. وعليه كان الواجب أسبق من الحق في التعبير عن حقيقة العدالة. والرأي نفسه تبناه كانط الذي يعتقد أن الأولوية للواجب على حساب الحق لأن الأخلاق تقوم على فكرة الواجب لذاته وليس لما يترتب عنه من حقوق.
غير أن هذا الاتجاه الذي ينظر إلى العدالة على أساس الواجبات وحدها يجعل من العدالة عرجاء، ويسيء إلى الحياة الاجتماعية وإخلال بتوازن الحياة لأنه قد يصير ذريعة لتبرير الظلم والقهر والاستغلال، انطلاقا من فرض الواجبات، كما أن تغييب الحقوق وجعلها تابعة للواجبات هو ظلم وجور لأنه قبل الالتزام بأي بواجب كان للإنسان حقوق يمتلكها بحكم وجوده في الحياة.
ومن جهة ثالثة لا يوجد تاريخيا قانون في الواقع قد قام على أساس الواجبات وحدها، وبالتالي كيف نتصور واقعيا عدالة تغيب فيها حقوق الناس؟
إضافة إلى أن الواجبات هي التزامات اجتماعية أما الحقوق فهي مكاسب فردية مضمونة وعامة، لذلك كان التزام الفرد بواجبه هو مجرد وسيلة لإشباع حقوقه الاجتماعية وتحقيق التكليف الاجتماعي. وعليه يظهر أن الواجب ليس أساس العدالة لأن الأصل فيها هي الحقوق.
إن هذه الانتقادات الموجهة لموقف الخصوم تدفعنا للبحث عن حجج جديدة ندافع بها عن الأطروحة فتجسيد العدالة فعليا لا يكون إلا بالاعتراف بالحقوق وتحقيقها وتقديمها على الواجبات، وعلى هذا الأساس نجد فلاسفة القانون الطبيعي وكذلك المنظمات الدولية لحقوق الإنسان تجعل من الحقوق قضية مقدسة لا يجب المساس بها، بل على الجميع احترامها حتى نحقق إنسانية الإنسان والعدالة. فهي حقوق معطاة بالطبيعة إذ أن كل مولود يتمتع بها بمجرد أن يولد دون أن يطالب بها. وهذا ما أقرته أيضا المنظمات الدولية لحقوق الإنسان التي استمدت فلسفتها القانونية من فلاسفة القانون الطبيعي، ومثال ذلك: المادة الثالثة من إعلان حقوق الإنسان الصادر في 1789 والتي تنص على أن: "هدف كل جماعة سياسية (دولية) هو المحافظة على حقوق الإنسان الطبيعية وهي الحرية، الملكية والأمن ومقاومة الاضطهاد".
كما أن الحق في عرف الفلاسفة هو الأمر الثابت الذي لا يجوز إنكاره، ويعطي لصاحبه حرية التصرف فيه والدفاع عنه، ويمنع الآخرين من المساس به، وهذا ما يعبر عن حقيقة العدالة التي تعطي لكل ذي حق حقه. وهذا ما يتجلى في قول جون لوك: "لما كان الإنسان قد ولد وله الحق الكامل في الحرية والتمتع بجميع حقوق قانون الطبيعة، فإن له بالطبيعة الحق لا في المحافظة على ما يخصه أي حياته وحريته وممتلكاته فحسب بل في أن يحاكم الآخرين في خرقهم لهذا القانون".
ختاما ومما سبق نستنتج أن تجسيد العدالة على أساس أسبقية الحقوق على الواجبات قضية لازمة، تفرضها الحقوق الطبيعية للإنسان وتقتضيها مشروعية العدالة كممارسة، ومنه فالأطروحة القائلة: "إن العدالة الحقة تنبني على مبدأ أسبقية الحق على الواجب" صحيحة وقابلة للدفاع والتبني. وبالتالي يمكننا تبنيها والأخذ برأي مناصريها...