بحث حول العقل والنقل بين السلف والخلف
محاضرة بعنوان العقل والنقل بين السلف والخلف
العقل والنقل بين السلف والخلف
عناصر المحاضرة:
• مقدمة
• تحديد ضوابط مصطلح السلف والخلف .
• هل العقل أصل في ثبوت النقل أم العقل أصل في العلم بالنقل؟
• هل العقل مطية للنقل أم أن النقل مطية للعقل؟
• متى يُقدَّم العقل ومتى يُقدَّم النقل؟
• ظهور البدعة سببه حدوث خلل في مسألة تقديم العقل على النقل.
• الأصول الخمسة عند المعتزلة.
• بدع العبادات سبب ظهورها تقديم العقل على النقل في باب الشرائع والأحكام
البحث المطلوب:
أمثلة لبدع الاعتقادات والعبادات .
• مقدمة:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين ، أما بعد:
في محاضرة الليلة بإذن الله تعالى سوف نتحدث عن بعض العناصر المتعلقة بموضوع العلاقة بين العقل والنقل، نحاول أن نستوفي الموضوع من جميع الجوانب ، كنا تحدثنا في المحاضرتين الماضيتين عن :
• المقصود بالعقل والغاية الرئيسية من وجوده.
• حدود المعرفة بالعقل.
• العتبات المطلقة للحواس الخمس.
• مدارك اليقين العقلي.
• المقصود بالنقل.
• العلاقة بين العقل والنقل ، وهل يٌمكن أن يتعارض العقل مع النقل.
وذكرنا عبارة هامة يجب أن تُحفظ وهي:
"العقل الصريح لا يُعارض النقل الصحيح ، بل يشهد له ويؤيده لأن المصدر واحد فالذي خلق العقل هو الذي أرسل إليه النقل ، ومن المحال أن يُرسل إليه ما يُفسده ، وإذا حدث تعارض بين العقل والنقل فذلك لسببين ، لا ثالث لهما ، إما أن النقل لم يثبت وإما أن العقل لم يفهم النقل".
هذه أصولٌ للعقيدة ، فلن تجد إنساناً فطرته سليمة وعقله واضح يختلف معك في هذا ، فالذي صنع العقل هو الله ، والذي أنزل إليه النقل الممثل في الكتاب والسنة كنظام يسير عليه الإنسان فيَسلم في الدنيا والآخرة هو الله ،فمن المحال أن يُرسل إلى صنعته منهجاً يُفسدها ، فالإنسان لا يقبلها على نفسه ، فكيف يقبلها على رب العزة والجلال؟
فأي واحد من المخالفين سيتفق معك على هذا المبدأ ، وسنرتب على ذلك أموراً أخرى .
قضية تقديم العقل على النقل هي التي تُحدد نوعية الناس ، وقد اخترنا أن نبدأ هذه المحاضرات بهذا الموضوع لأن ذلك سيجعلنا على أصولٍ نتفق عليها ، فأي عاقل لن يختلف معنا على هذه الأصول ، فإذا لم يكن الكلام واقعاً على القلب والإنسان يشعر بمنطقيته تجد أن هناك نفوراً وتكثر الأسئلة ، وأما إن كان الكلام واقعاً على القلب تقل الأسئلة وتجد أن ما في صدرك يتفق مع كتاب ربك وترى الأمور في منتهى التوافق ، وهذا ما نريده ، فنحن نريد أن نصل إلى الحق سوياً ولا نريد أن نختلف ، فالله سبحانه وتعالى ابتلانا في هذه الحياة بقضية اتباع الشرائع والأحكام ، وهو سبحانه وتعالى قادرٌ أن يجعل الناس أمةً واحدة (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ . إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) (هود:118-119) ، فالاختلاف سيحدث بالتقدير الكوني، فيُنزل الله منهجاً وشرعاً وهو النقل ، وينظر في ابتلاء العقول ، هل سيتبعون النقل؟ فإن اتبعوا النقل فهؤلاء رحمهم الله تبارك وتعالى (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) ، فهذا هو المنهج ، فهل ستسير خلف عقلك أو تتبع شرع ربك؟ ، فإن اتبعت الشرع فستسلم ، ولكن الله قادر على أن يجعل الناس كلهم أمة واحدة كالملائكة.
• تحديد ضوابط مصطلح السلف والخلف .
1. مصطلح "السلف"
السلف في اللغة معناه: ما مضى.
وأما في الاصطلاح فيُطلق على من توفر فيه أمران:
الأمر الأول: العامل الزمني:
أن يدرك الفترة الزمنية المسماة بعصر خير القرون، والتي قال فيها الرسول : "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" ، يقول راوي الحديث: فلا أدري أذكر بعد "قرني" قرنين أو ثلاثة.
وهذه الفترة الزمنية حددها العلماء بأنها من بعد وفاة النبي إلى سنة 221 هـ ، وهذه السنة كان فيها انتقال المذهب الرسمي للدولة الإسلامية من المذهب السلفي إلى المذهب المعتزلي.
فالعصر الذهبي للسلف الصالح كان بداية من عصر النبوة حتى السنة التي فرض فيها المأمون بن هارون الرشيد بدعة القول بخلق القرآن ، وأصبح المذهب الرسمي للدولة هو مذهب المعتزلة في العقيدة.
الأمر الثاني: العامل المنهجي:
أن يُقدِّم النقل على العقل عند التعارض ، فمن قدَّم النقل على العقل عند التعارض وأدرك عصر خير القرون يقال عنه: من علماء السلف ، فعصر خير القرون هو عصر الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، فلا يُطلق لفظ "سلف" على المعاصرين ، فالمعاصرون لا يُطلق عليهم السلف اصطلاحاً .
وقد قلنا أنه لا تعارض بين العقل الصريح والنقل الصحيح ، ولو حدث تعارض فسببه عدم ثبوت النقل أو عدم فهم العقل للنقل ، فإن لم يفهم أحد النقل وقال: "أنا أقدم كلام الله على كلامي" ، فهذا يقال عنه بأنه على منهج السلف ، أو بأنه خير خلف لخير سلف.
هل كان هناك من يُقدِّم العقل على النقل في عصر خير القرون؟
نعم، وسنعلم قصتهم في المحاضرات القادمة إن شاء الله تعالى.
2. مصطلح الخلف:
الخلف في اللغة معناه: من أعقب السلف في الزمن.
وأما في الاصطلاح فيُطلق على من توفر فيه أمران:
• الأمر الأول: العامل الزمني:
وهو أن يعقب عصر خير القرون، فمن جاء بعد عصر خير القرون فقد تحقق فيه الشرط الأول من مصطلح "الخلف"، ويبدأ من عصر المعتزلة ثم عصر المتكلمين الأشاعرة والماتريدية ويستمر حتى وقتنا هذا.
• الأمر الثاني: العامل المنهجي:
أن يُقدِّم العقل على النقل عند التعارض.
إذاً ، من قدَّم النقل على العقل عند التعارض : سلفي في المنهج.
ومن قدَّم النقل على العقل عند التعارض وأدرك عصر خير القرون : سلفي في الاصطلاح.
فابن تيمية رحمه الله تعالى ليس من السلف اصطلاحاً ، ولكنه على منهج السلف ، فهو خير خلفٍ لخير سلف ، أما علماء السلف فهم الذين كانوا في عصر خير القرون ، فلا يقال عن أحد المعاصرين أنه من علماء السلف ، بل يقال بأنه على منهج السلف على قدر ما فيه من تصديق الخبر وتنفيذ الأمر.
فابن تيمية رحمه الله تعالى من الخلف زمناً، ومن السلف منهجاً، ولكنه ليس من الخلف اصطلاحاً ولا من السلف اصطلاحاً، أما الأئمة أمثال أحمد والشافعي وسفيان، فمن علماء السلف اصطلاحاً.
وقد يوجد من يتحقق فيه العامل الزمني للسلف ، ولا يتحقق فيه العامل المنهجي مثل الجهم بن صفوان ، فقد كان الجهم يُقدِّم العقل على النقل وعاش في عصر خير القرون ، وهو أساس البدعة في أمة محمد.
والشيخ ابن باز رحمه الله تعالى خير خلف لخير سلف ، فقد جاء بعد عصر السلف ، فهو من الخلف زمناً ، ولكنه من السلف منهجاً .
في الحقيقة ، من أجمل الكتب التي قرأتها كتاب "درء تعارض العقل مع النقل" لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، ولما تقرأ في هذا الكتاب تشعر أن الذي كتبه شخص موسوعي، ولذلك تجد أن الكثيرين غير قادرين على استيعاب كلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى بسبب تبحره ، فتجد الشخص لا يفهم كلام شيخ الإسلام فيتهمه اتهامات خطيرة جداً.
أقوال الفلاسفة عن العقل والنقل بين السلف والخلف تابع قراءة في الأسفل