خطبة بعنوان فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا خطبة مكتوبة عن لا سيما عند الشدائد والكربات،
خطبة جمعة بعنوان
فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا
الخطبة الاولى
الحمد لله الذي استخلص الحمد لنفسه ، واستوجبه على جميع خلقه ،
الذي ناصية كل شيء بيديه ،
ومصير كل شيء إليه ،
القوي في سلطانه ، اللطيف في جبروته ،
لا مانع لما أعطى ، ولا معطي لما منع ،
أحمده وأشكره على ما أنعم به مما لا يحصيه غيره ..
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،
إلها واحدا صمدا ، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ،
ولم يكن له شريك في الملك ،
ولم يكن له ولي من الذل ،
وأشهد أن محمداً صفوته من خلقه ،
وأمينه على وحيه ،
أرسله بالمعروف آمرا ، وعن المنكر ناهيا ، وإلى الحق داعيا ،
على حين فترة من الرسل ، وضلالة من الناس ،
واختلاف من الأمور ، وتنازع من الألسن ،
حتى أكمل به الدين ، وتمم به النعمة ..
اللهمّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين ...
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تََسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1] ؛
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:70-71]،...
أما بعد :
عــــــباد الله : -
إن الإنسان في هذه الحياة إذا أصابته نائبة من نوائب الدهر أو مشكلة أو مصيبة ؛ أول ما يفكر بمن يتصل ؛ ومع من يتواصل ليقف بجانبه ويعينه في محنته ويخفف عليه آثارها ...
والمسلم الحق يدرك أن له رباً عظيماً وحكيماً وقادراً لا يلجأ إلا إليه ، ولا يتواصل إلا معه ولا يرجو إلا إياه وقد أمر سبحانه بدعائه، والتضرع إليه،
لا سيما عند الشدائد والكربات،
وأخبر سبحانه أنه لا يجيب المضطر، ولا يكشف الضر إلا هو،
فقال:( أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوء ) (النمل: 62)..
وذم الذين يعرضون عن دعائه عند نزول المصائب، وحدوث البأساء والضراء،
فقال:( وَمَا أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍ مّن نَّبِىٍّ إِلا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِٱلْبَأْسَاء وَٱلضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ)(الأعراف:94).
وهذا من رحمته وكرمه سبحانه، فهو مع غناه عن خلقه، يأمرهم بدعائه ،لأنهم هم المحتاجون إليه،
قال تعالى:( يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلْفُقَرَاء إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلْغَنِىُّ ٱلْحَمِيد) ( فاطر :15).
وقال تعالى : ( وَٱللَّهُ ٱلْغَنِىُّ وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَاء ) (محمد: 38).
وفي الحديث القدسي:(يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم،
يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم،
يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاتسغفروني أغفر لكم) (رواه مسلم)..
ها هو نبي الله نوح - عليه السلام - لما اشتدت عليه الكربة، وزادت عليه الغربة، رفع يديه إلى ربه (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ) (القمر/10)
فجاء الفرج من الله سبحانه وتفاعل الكون لأجل هذا الدعاء وكتب الله لنوح عليه السلام ومن آمن معه وأهلك الله الظالمين قال تعالى :
(فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ * وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ) (القمر11-17)
عبــــــاد اللـه : -
كم نحن بحاجة إلى اللجوء إلى الله والتضرع بين يديه ، وطلب المدد منه سبحانه في كل حين ، وفي هذا الوقت الذي تمر فيه بلادنا بمنعطف خطير ومرحلة صعبة ،
والتي ينبغي لجميع أبناء الوطن أن يكونوا أكثر استيعابنا ولخطورتها على الوضع الإجتماعي والسياسي والإقتصادي والأمني،
فقضية الوطن يجب أن تستحوذ على اهتمام الجميع ، حتى وإن كانت هناك خلافات ومشاكل وصراعات بين أبنائه والتي يجب أن تتوقف وتنتهي،
فالوطن يتعرض إلى هدم داخلي من أبنائه وخلافاتهم ، وهدم خارجي من الدول الإقليمية والدول الغربية ، وأصبح الوطن ميدان لحرب وصراع وتصفية حسابات بينها ،
وأصبحنا جميعاً حطب لهذه الحرب ووقود لها ،
وإن حل مشاكلنا وأزمتنا التي نعيشها اليوم يبدأ عندما يفهم كل شخص أنه ليس أهم أو أفهم أو أكثر ثقافة من غيره ...
وعندما يستوعب الجميع أن التعايش سمة حضارية للشعوب الراقية ... وعندما يفهم الجميع أن الاختلاف في الرأي لا يعني الكراهية والحقد ، ولا يستوجب القتل ولا الاعتقال ولاالإقصاء.. وعندما نكون جميعاً خداما و عملاء فقط للوطن ..
وعندما نستوعب أن الوطن يتسع للجميع ..
وعندما ندرك أن الحروب بالوكالة لا يجني مآسيها غيرنا ،
فالخارج مهما كان لا يبحث إلا عن مصالحة فقط ..
فحافظوا على مصالحكم أنتم ولا تركنوا على غيركم ..
ويبدأ حل الأزمة عندما نحتكم للشرع والقانون والمؤسسات لا للعنف والقوة ..
وعندما نعلم أن التاريخ سيلعن كل متآمر وكل خائن ..
وعندما نتنازل عن حظوظ أنفسنا وأحزابنا وجماعاتنا لأجل الوطن ..
وعندما نتكاتف ونتآخى ونتعاون من أجل إزدهار وتطوير هذا الوطن والدفاع عنه ضد أي مخرب أو معتدي ..
وعندما نستشعر مسئوليتنا أمام الله والأجيال القادمة ...
لذا فنحن محتاجون إلى عون الله ورعايته وحفظه لهذا البلاد الطيبة ويجب أن نستمطر رحماته سبحانه بالعمل الصالح والدعاء والتضرع بين يديه ،
قال تعالى (فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام/43) ..
أيها المؤمنون / عبــــــاد اللـه :
لما نزل قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ] (المائدة: 54)..
قال عياض الأشعري رضي الله عنه : أومأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي موسى الأشعري بشيء كان معه، فقال: هم قوم هذا» (صححه الألباني في الصحيحة/ 3368).
أي منزلة هذه وأي تشريف هذا ؟!
لقد أحب الله أهل اليمن لأنهم حملوا دينه وجاهدوا مع رسوله صلى الله عليه وسلم وتواضعوا للمؤمنين ، وقالوا كلمة الحق لم يخافوا لومة لائم أمراً بمعروف ونهياً عن منكر ..
فهم لا يجاملون ولا يداهنون ، لأنه عندما تبدأ قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالإنحسار والضعف فأبشر بفساد المجتمع وانحلال أخلاقه ..
ولما نزل قوله تعالى (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا )(النَّصر1-2).
قال عليه الصلاة والسلام : أتاكم أهل اليمن هم أرق قلوباً، الإيمان يمان، والفقه يمان، والحكمة يمانية ) (صححه الألباني في الصحيحة (3369)
يا لها من قلوب قوىٌ إيمانها رحيمة ولينة صفاتها حكيمة في تصرفاتها ..!
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا إن الإيمان يمان، والحكمة يمانية، وأجد نفس ربكم من قبل اليمن» صحيح: أخرجه الإمام أحمد (2/541) (10978) ..
ففي هذا الحديث شرف عظيم لأهل اليمن، فهم من هبوا من البراري والقفار والجبال، وركبوا المهالك والأخطار، وأنزلوا بأسهم بالكفار، وفتحوا الأمصار، فبهم نفس الله عن المؤمنين الكربات ..
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وهؤلاء هم الذين قاتلوا أهل الردة، وفتحوا الأمصار، فبهم نفس الرحمن عن المؤمنين الكربات". الفتاوى لابن تيمية (6/398)..
فأين نحن اليوم من هذه الصفات والمآثر العظيمة وغيرها الكثير؟!
ومن ينفس كرباتنا ونحن سببها بتقصيرنا وتفريطنا بحق الله سبحانه وتعالى وبحق بعضنا البعض من الأخوة والتعاون والتراحم وسلامة الصدر ، إلى جانب ضعف الإيمان وغياب الحكمة التي تميزنا بها ، وإتباع الكثير لأهوائهم ،
فسلكوا سبلاً مهلكة وطرقاً معوجة واتجاهات خاطئة تجاه بعضهم بعضاً وتجاه الوطن.
وقد آن الأوان أن نعود إلى الله ونتوب إليه توبة نصوح ، وأن نرد لهذا الوطن بعض الجميل الذي منحنا إياه طوال حياتنا بالمحافظة عليه والعمل على استقراره وبناء مؤسساته ونبذ العنف والتطرف والإرهاب والقتل وسفك الدماء ..
ألا يكفي الضحايا والدماء التي تسقط في المواجهات في المحافظات ..!!
ألا يكفى القتلى والضحايا من النساء والأطفال والرجال الذي يسقطون بضرب الطائرات ..!!
ألا يكفي الرعب والخوف الذي يعيشه الناس من الإنفجارات إلى جانب الحالة الإقتصادية الخانقة في كل البيوت ..!!
يكفي ذلك ..
وعلينا جميعاً أن نساهم في الحل وأن نصلح فساد ذات بيننا ،
فقد حذر عليه الصلاة والسلام من ذلك فقال (فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدِّينَ)[غاية المرام للألباني (414).]...
اللهم ارحم ضعفنا وألف بين قلوبنا وخذ بنواصينا إلى كل خير ...
قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
يتبع في الأسفل تابع قراءة