الوجود الكوردي في مدينة دير الزور الكوردية الكوردستانية
نبذة مختصرة عن الوجود الكوردي في مدينة دير الزور الكوردية الكوردستانية
جاء في كتاب الجغرافيا العسكري العثماني للضابط العثماني والمؤرخ احمد جمال التالي
(سنجق الزور الكوردستاني المستقل وهي في داخل كوردستان وعلى حوض الفرات من شمالها ولاية ديار بكر وشرقا الموصل وجنوبا بلاد العرب وسوريا وغربا ولاية حلب) انتهى الأقتباس.
اسم دير الزور هو في الواقع امتزاج اسم منطقتين، واحدة مدنية والثانية عسكرية. المنطقة العسكرية هي معسكر أو قاعدة الزور العسكرية، وكانت إلى الجنوب من مدينة دير الزور الحالية. كانت قرية كوردية اسمها درزور (درزورِ) من الپهلوية يعني مكان القوة او القاسي وذلك لما عرفى بها قبائلها الكوردية واختارها الجيش العثماني سنة 1517 لتكون مقرّ إدارة لواء الزور، تابعاً لولاية بغداد ووقعت على عاتق هذا المعسكر إدارة أغلب الحروب العثمانية-الصفوية على العراق.
المنطقة المدنية هي قرية دير النصارى الأرمن، وهو اسم منحه العثمانيين للبلدة لكثرة النصارى فيها خلال فترة تبعية سنجق الزور لولاية كوردستان، وقبل ولاية كوردستان تبع السنجق ولاية حلب ومن ثم ولاية الشام وكان اسم البلدة آنذاك دير الرحبة، وهو الاسم العثماني للقرية ونالته نسبة لقلعة الرحبة جنوب الميادين، والسبب ببساطة أنّ إدارة قرية الدير كانت تتبع قلعة الرحبة، وكتبها العثمانيّون آنذاك ”دير الرهبه“ وهي ليست قرية دير الرهبة في مدينة آمد الكوردستانية. أمّا اسم البلدة على لسان أهلها فكان دير الرمّان، وهو الاسم الذي ذكرها فيه ياقوت الحموي سنة 1228، واستمرّ إلى أن تغيّر في العهد العثماني.
اقتباس من كتاب معجم البلدان للحموي عن دَيْرُ الرُّمَّان:
(مدينة كبيرة ذات أسواق للبادية بين الرّقّة والخابور تنزلها القوافل القاصدة من العراق إلى الشام) انتهى
كان قد شاع اسم الدير بدير الرمّان بسبب شهرة رمّان الدير ونوعيّته الممتازة. وتذكر حكاية هذا الرمّان أنّ تيمور لنگ أباد الدير وأحرق أشجارها مطلع القرن 15 فانقطع الرمّان الديري عن الأسواق التي اعتادت استيراده. وعلى الأغلب أنّ تلك الحرب كانت في طريق تيمور إلى القوقاز سنة 1400 أو في طريقه من دمشق إلى بغداد سنة 1405 وكانت الدير آنذاك تحت حكم الجلائريّين المغول من بغداد.
قبل الإسلام كانت كنيسة الدير معبدا للديانة المجوسية وكان اسم المعبد (أزدره، أزده) والمعنى طريق الأله وكان معبد للديانة الزردشتية اليزدانية ومن ثم اصبحت كنيسة وتبعت كنائس الدير لكنيسة قِرقِسين ܩܪܩܣܝܢ السريانية التي صارت في العربية قرقيسيا، حَسَبَ ياقوت الحموي. وهي اليوم بلدة البصيرة عند مصبّ الخابور في الفرات. واسم قرقسين عن اسمها الإغريقي السلوقي قِرقوس κίρκος بمعنى الاستاد الرياضي او الباحة.
وسكّان قرقيسيا ومنطقة الفرات عموماً بأغلبهم من بقايا الحوريين والميتانيين ومن أشهر مدنها مدينة تاباكان الأثرية وهي مدينة خورية ﺗﻘﻊ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻀﻔﺔ ﺍﻟﻴﻤﻨﻰ ﻟﻨﻬﺮ ﺍﻟﺨﺎﺑﻮﺭ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺘﻘﺎﺋﻪ ﺑﻨﻬﺮ ﺍﻟﻔﺮﺍﺕ، وهي قديمة جدآ وعبارة عن تلة أثرية، وترتفع عن محيطها وﻋﻦ ﺍﻟﺴﻬﻞ ﺍﻟﻔﻴﻀﻲ ﺍﻟﻤﺠﺎﻭﺭ بحوالي (12) متر، ﻭﺗﺒﻌﺪ نحو (40) ﻛﻢ إلى الجنوب الشرقي من ﻣﺪﻳﻨﺔ “ﺩزورﺮ”. ﻭﻗﺪ ﻫﺪﻡ القسم الأﻛﺒﺮ ﻣﻦ هذه المدينة ﺍﻷﺛﺮية ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻘﻮﻡ ﻓﻮق التلة. والمدينة الحديثة للأسف بنيت على أنقاض المدينة الخورية التاريخية، وبذلك ضاعت الكثير من أثارها ومعها تاريخها.
ومن ثم تم أسكان قبائل الديلم الكوردية في العهد الساساني وكانت الدير آنذاك تبعا للأنبار وهي مستودع السلاح، لذا بقيت اللّغة الپهلوية هي لغة المنطقة منذ ما قبل تأسيس الأمبراطورية الرومانية الأولى وحتى التحوّل إلى العربية في العهد الإسلامي، تحت الحكم الكوردي البويهي والأيوبي والصفوي. والحوريين والميتانيين هم من أصول الكورد، فلم يجد الناس حرجاً من التحوّل من الحورية إلى الكوردية إلى لمّا رأوه تحوّلاً بين لهجات وفي الواقع تسمع النغم الكوردي والمفردات الكوردية واضحاً في لهجة دير الزور الدارجة إلى اليوم.
بعد هزيمة محمّد علي (حاكم مصر) في اليونان طالب السلطنة العثمانية بولاية ثانية كتعويض عن خسارته ولاية الموره، واختار ولاية شام. وافق السلطان العثماني وانتشر جيش محمّد علي في ولاية الشام سنة 1831، ثمّ طمع وغزا ولايتي حلب وبغداد. وكان القسم الذي غزاه من ولاية بغداد هو سنجق الزور، وبرّر إبراهيم باشا غزو الزور على أنّه إدارياً من ولاية الشام وليس من ولاية بغداد، بينما رفض الباب العالي تبرير إبراهيم باشا وأصرّ على تبعية سنجق الزور لولاية بغداد وليس الشام، لمنعه عن إبراهيم باشا في تلك الأثناء كانت بلدة دير الرمّان قد صارت مركزاً تجارياً بريطانياً ينمو ويربط ما بين ميناء البصرة ومدينة دمشق، وكلتاهم مراكز للتجارة البريطانية في الشرق الأوسط على خطّ ينتهي في ميناء صيدا. وأطلق الإنگليز على المدينة الجديدة اسم دير العصافير، وهو ذات الاسم الذي تذكرها به المراجع النمساوية. وكانت بريطانيا قد فكّرت فعلاً بجعل دير العصافير عاصمة لتجارتها الهندية في الشرق الأوسط، وهو المشروع الذي تحوّل إلى البصرة بعد الحرب العالمية الأولى ثمّ إلى دبي بعد الحرب العالمية الثانية.
لذا ونتيجة لمخاوف بريطانيا من تكرار أحداث حرب 1839، وغيرة من تأسيس الفرنسيّين لمتصرفية جبل لبنان سنة 1861، طلبت بريطانيا من العثمانية تأسيس متصرّفية جديدة في سنجق الزور، وتحقّق ذلك سنة 1864. وكان سنجق الزور قد تأسّس سنة 1857 على إثر تنامي النشاط الاقتصادي البريطاني في المنطقة، أي قبل تأسيس مدينة دير الزور (دير العصافير).
فصارت المتصرّفية تتبع إسمياً إلى والي بغداد، ولها متصرّف تعيّنه بريطانيا. وانتقلت بالتالي إدارة السنجق من قاعدة الزور العسكرية (زورِ) إلى دير العصافير (الدير). فصارت ترد في السجلّات البريطانية باسم دير-زور بوضع اسمي الدير والزور متجاورين. وتضمّنت إدارة السنجق على أربع أقضية (كازات) هي: الدير، ورأس العين، والعَشَارَة، والبُوكَمَال.
وكانت حدود متصرّفية الزور كالتالي:
* من الغرب ولاية حلب وولاية سوريِه (شام).
* من الشمال ولاية ديار بكر.
* من الشرق ولاية الموصل.
* من الجنوب الشرقي ولاية بغداد.
* من الجنوب إمارة جبل شمّر (آل رشيد).
ومن المهمّ أن نذكر هنا أنّ بلدة دير الرمّان (الدير) دُمّرت بالكامل سنة 1807 وتخرّبت مزارعها وتمّ تهجير الكثير من أهلها الكورد على يد البدو من جيش إمارة الدرعية؛ وهي التي تُعرف باسم الدولة السعودية الأولى. ثمّ عادت البلدة وانتعشت تحت اسم دير العصافير بسبب الاهتمام العثماني-البريطاني، ثمّ ارتفع عدد سكّانها بشكل ملحوظ وصارت مدينة واسعة على إثر نزوح عدد كبير من الشمامرة إليها.
في الفترة ما بين 1836 و1921 وطوال 85 سنة، عاشت في قلب شبه الجزيرة العربية إمارة آل رشيد، التي تعرفها أغلب المصادر باسم إمارة جبل شمّر. وتأسّست هذه الإمارة بدعم من السلطنة العثمانية لمواجهة الوهّابيّين ومنع سيطرتهم على المنطقة. ثمّ وعقب الحرب العالمية الأولى نالت سلطنة نجد دعماً أميركياً للقضاء على إمارة آل رشيد… هذه الحرب أدّت لتهجير أغلب سكّان الإمارة نحو الشمال، حيث استقرّوا يشتغلون بالزراعة على طول نهري الفرات والعاصي وفي جبل سمعان وأُطلق عليهم اسم الشمامرة نسبة إلى اسم الإمارة البائدة وهؤلاء يشكّلون اليوم أغلب سكّان قرى مناطق الجزيرة والفرات وحلب وحماة من العرب.
كانت مدينة (( دير الرحبة )) دير الزور سابقاً تتبع للواء الخابور من ولاية كوردستان مع مدن الرحبة و رأس العين وحوض الخابور ، وعاصمة اللواء مدينة نصيبين ، الذي كان بدوره يتبع إلى ولاية آمد الكوردستانية، وذكر خليل ساحل أوغلي في كتابه تاريخ الأقطار في العهد العثماني أن حاكم سنجق دير والرحبة هو الأمير علي بك عام ١٥٢٩ م ، ثم الأمير أحمد بك بن فائق بك عام ١٥٣٠ م ، الأمير عز الدين شير الكوردي 1554 ثم صارت مدينة دير الرحبة مركز لواء مستقل سُمي على اسمها (( لواء دير الرحبة )) ، ما بين عامي ١٨٥٥ إلى ١٨٥٦ م..
تاريخيا كان الكورد موجودين في الدير والرحبة في الفترة الزنكية والايوبية وهذا ماذكره الأمام الذهبي "ووهب نور الدين الرحبة على الفرات وحمص على العاصي لأسد الدين شيركوه بن شادي الدويني الكوردي عام 559هـ - 1164 م. وقد عهد صلاح الدين بحكم الرحبة إلى قائد يدعى يوسف بن الملاح الكوردي وابتنى شيركوه الرحبة الجديدة على بعد ثلاثة أميال من رحبة طوق بن مالك وقد ظلت الرحبة الجديدة في حكم أسرة شيركوه قرنا من الزمان، وغدت في عهد هذه الأسرة محطة هامة للقوافل بين الشام والعراق ونصب بييبرس واليا على الرحبة عام 663هـ - 1264 م. انتهى الأقتباس اذا ان الوجود الكوردي في الدير كان ايضا زمن الايوبيين وحتى ان الرحبة الجديدة عي من بناء الكورد الأيوبيين كما قرائنا أنفا.
في كتاب جفرافيا مارك سايكس المنشور سنة 1970، يذكر مؤلّفاه اقتباساً ان سنجق الدير عدد سكانه ٢٥ الف نسمة واغلب اهلها من الكورد للحقبة العثمانية يصف بلدة الدير، وكما ذكر الرحالة الهولندي ليونهارت راوولوف قبل 500 عام مدينة الزور ووصفها بانها مدينة كبيرة ذات اسوار كبيرة بيوتها متلاصقة فوق تل اصطناعي، وسكّانها أقوياء البنيّة معروفين بالفروسية، وأخلاقهم مهذّبة تستأنس بالغريب، وكانت محصولاتهم من القمح والشعير والقطن والذرة، إلى جانب بساتين حافلة بأنواع الفاكهة. وفيها شجر النخيل واللّيمون والبرتقال، وللعبة الشطرنج انتشار شائع بين شيوخها، وهي محاطة بسور، وتصل إليها ترعة من الجهة الجنوبيّة تنقل لها مياه نهر الفرات}.
ونلاحظ لم يتم ذكر القبائل العربية في المدينة
نهاية سنة 1921 تحرّكت القوّات الملية الكوردية باجتياح كامل للقطاع منطلقة من الرقّة ومدعومة من القوّات الشيخانية الكوردية ايضا، ونجحت بتحرير تدمر ودير الزور وتدمير (قواعد العقيدات) وطردت قوّاتهم إلى شرق الفرات.
المصادر :
كتاب جغرافيا عسكري عثماني لجمال احمد
خريطة مارك سياكس عن تواجد العشائر الكوردية في الرقة والدير وهي قبيلة الملية والشيخان
وثائق عثماني عن الامير عز الدين شير الكوردي امير سنجق الدير
وثيقة عثمانية من الارمن لتغير اسم المدينة من الزور الى دير الزور بعد اضافة كلمة دير