0 تصويتات
في تصنيف مقالات ونصوص فلسفية باك 2024 بواسطة (627ألف نقاط)

مقال جدلي حول عوامل الإدراك (شعبة آداب و فلسفة)

السؤال: هل الإدراك محصلة لنشاط الذهن أم تصور لنظام الأشياء

بكالوريا 2022 2023 bac الجزائر 

أهلاً بكم طلاب وطالبات الباك 2023 في موقعنا باك نت .baknit.net الموقع التعليمي المتميز والمتفوق بمنهجية موضوع النص الفلسفي الجدلية والمقارنة والاستقصاء بالوضع كما نقدم لكم بقلم أستاذ الفلسفة الاجابة الصحيحة لجميع دروس والمقالات الفلسفية المتوقعة والمقترحة في باك جميع الشعب الفلسفية كما نقدم لكم الأن أعزائي الطلاب والطالبات مقالة مختصرة وهي إجابة السؤال .... هل الإدراك محصلة لنشاط الذهن أم تصور لنظام الأشياء

وتكون اجابتة الصحية هي التالي

مقال جدلي حول عوامل الإدراك (شعبة آداب و فلسفة)

السؤال: هل الإدراك محصلة لنشاط الذهن أم تصور لنظام الأشياء؟

هل إدراكنا تابع لموضوعات العالم الخارجي لا غير؟هل تقتصر عملية الإدراك على الموضوع المدرك فقط؟هل تتوقف العملية الإدراكية على إنتظام الأشياء؟

مقدمة: (طرح المشكلة)

يعتبر الإدراك أحدى أهم العمليات النفسية التي يستعين الإنسان بها لمعرفة العالم الخارجي والتكيف معه باعتباره عملية مكملة لدور للإحساس ومتجاوزة له في الوقت نفسه، لما يقوم به من تنظيم لإحساساتنا الواردة من العالم الخارجي وتفسير لها فهو عملية عقلية معقدة تتداخل فيها مختلف القدرات الذهنية للإنسان يعرفه جميل صليبا" الإدراك حصول صورة الشيء في العقل سواء كان ذلك الشيء مجردا أو ماديا ،جزئيا أو كليا ،حاضرا أو غائبا" إلا أن عملية الإدراك تختلف من إنسان لآخر نظرا لوجود جملة من العوامل و الشروط التي تحكمها و هذا ما مثل محور جدال و إختلاف بين الفلاسفة و المفكرين فهناك من رأى أن الإدراك نشاط ذاتي يخضع لعوامل ذاتية متعلقة بالشخص المدرك و هناك من أرجعه إلى عوامل موضوعية متعلقة ببنية الموضوع المدرك

هذا الجدال الواقع بينهم يدفعنا إلى طرح التساؤلات التالية: هل الإدراك محصلة للعوامل الذاتية أم هو مجرد تصور للبنية الخارجية للأشياء؟

أو بصيغة أخرى : هل الإدراك يعود إلى عوامل ذاتية بحتة أم إلى مجمل العوامل الموضوعية؟

العرض:(محاولة حل المشكلة)

عرض منطق الأطروحة: "الإدراك تتحكم فيه عوامل ذاتية"

أن عملية الإدراك تتوقف في مجملها على مجموعة العوامل الذاتية المتعلقة منها بالحالة العقلية والنفسية والجسمية للإنسان كالتخيل، الذكاء،الذاكرة و الإنتباه و غيرها، وهي عوامل يمكن من خلالها تفسير التباين الحاصل على مستوى ادراكات الأشخاص للموقف الواحد و يمثل هذا الموقف كل من "ديكارت، آلان، باركلي" و حججهم في ذلك ما يلي:

ان الادراك عملية عقلية ذاتية لا دخل للموضوع المدرك فيها ، حيث ان ادراك الشيء ذي ابعاد يتم بواسطة احكام عقلية نصدرها عند تفسير المعطيات الحسية ، لذلك فالادراك نشاط عقلي تساهم فيه عوامل ووظائق عقلية عليا من بينها، الخبرة والذاكرة فنحن ندرك الأشياء في ضوء ما خبرنا و ما مر بنا من تجارب و يترتب على ذلك أنه كلما كانت الأشياء التي ندركها في الوقت الراهن تقع في إطار خبرتنا السابقة يسهل علينا إدراكها من تلك التي لم تقع في نطاق خبرتنا السابقة، مثلا عندما ندخل قسما و نرى معادلات في السبورة ندرك أنه درس رياضيات لمعرفتنا السابقة بهذه المادة أما الجاهل بهذه المادة يرى ما نرى لكنه لا يدرك ما ندرك. ويؤكد ذلك ، ما ذهب اليه ( آلان ) في ادراك المكعب ، فنحن عندما نرى الشكل نحكم عليه مباشرة بأنه مكعب ، بالرغم اننا لا نرى الا ثلاثة أوجه وتسعة اضلاع ، في حين ان للمكعب ستة وجوه و اثنى عشرة ضلعا ، لأننا نعلم عن طريق الخبرة السابقة أننا اذا أدرنــا المكعب فسنرى الاوجه والاضلاع التي لا نراه الآن ، ونحكم الآن بوجودها ، لذلك فإدراك المكعب لا يخضع لمعطيات الحواس ، بل لنشاط الذهن واحكامه يقول في هذا "إن الإدراك حكم عقلي" .

ويؤكد ( باركلي ) ، أن الاكمه ( الاعمى ) اذا استعاد بصره بعد عملية جراحية فستبدو له الاشياء لاصقة بعينيه ويخطئ في تقدير المسافات والابعاد ، لأنه ليس لديه فكرة ذهنية او خبرة مسبقة بالمسافات والابعاد .وحالة الاكمه تماثل حالة الصبي في مرحلة اللاتمايز ، فلا يميز بين يديه والعالم الخارجي ، ويمد يديه لتناول الاشياء البعيدة ، لأنه يخطئ – ايضا – في تقدير المسافات لانعدام الخبرة السابقة لديه لذلك يقول " إدراك المسافات حكم يستند إلى التجربة و الخبرة في توجيه الإدراك" ،كما ترتبط عملية الإدراك بالإرادة والتركيز لأن هناك : الكثير من الأمور التي لا تدرك بسهولة ،وتحتاج حينئذ للإرادة ، وتركيز الوعي نحو الموضوع ، من اجل معرفة تفاصيله ، كالطبيب الذي يفحص المريض من اجل تشخيص المرض ،او الميكانيكي الذي يريد معرفة العطب الموجود في السيارة. 

كما أن للشعور والحالة النفسية و ما يرتبط بها من ميول و رغبات و أهواء تأثير على عملية الإدراك و ذلك أن إدراكنا للعالم الخارجي لا يكون ثابتا ، بل متغيرا حسب حالتنا الانفعالية ففي الحزن نرى العالم كئيبا اسودا ، و في الفرح نراه جميلا ملونا ، و في الخوف نراه مرعبا و هكذا..، و أما الأشياء التي لا تثير انفعالاتنا تبقى خارجة عن ساحة الإدراك كما الإنسان يدرك بسهولة الأمور التي تتفق مع ميوله ورغباته وأما الأشياء التي تتعارض مع ميوله فلا يدركها الا بصعوبة او يدركها إدراكا مشوها فرؤية الفنان الى الطبيعة تنصب على الألوان والأضواء ومدى تناسبها ، أما القائد العسكري يراها ان كانت تصلح لإعداد خطة حربية معينة ،و المهندس يراها منطقة ملائمة لبناء سكنات ومرافق رياضية والفلاح بدوره يرى فيها حقول من كل أنواع الخضر والفواكه ،وهكذا يتأثر الإدراك بالميول والاهتمامات الخاصة

و نجد من العوامل الذاتية كذلك عامل العاطفة و يتضح أثرها من خلال أن الشخص الذي نحبه مثلا لا ندرك فيه إلا المحاسن ، أما الشخص الذي نكرهه لا نرى فيه إلا المساوئ ،فنظرة الأم الى ابنها تختلف كل الاختلاف عن نظرة الغير له نظرا لميلها العاطفي نحوه و كذا عامل التوقع: إذ أن الإنسان يدرك الأشياء كما يتوقع أن تكون و الموضوعات التي تخالف توقعه يصعب عليه إدراكها، فقد يحدث مثلا أن نرى إنسانا نعرفه ولكن ندركه بصعوبة لأننا لم نتوقع الإلتقاء به. كما لا يمكن تجاهل عاملي السن المستوى الثقافي و التعليمي حيث نجد أن إدراك الراشد للأشياء يختلف عن إدراك الصبي لها وادراك المتعلم او المثقف يختلف بطبيعة الحال عن ادراك الجاهل .فإدراك شاب مهتم بالسيارات و آخر غير مهتم لسيارة متوقفة أمامهما يختلف فالأول يدرك نوعها و سرعتها وكل تفاصيلها أما الثاني فيدركها كسيارة فقط. كما ان للتعود دورا لا يقل عن دور العوامل السابقة ، فالعربي مثلا في الغالب يدرك الاشياء من اليمين الى اليسار لتعوده على الكتابة بهذا الشكل ولتعوده على البدء دائما من اليمين ، بعكس الاوربي الذي يدرك من اليسار الى اليمين

نقد و مناقشة: صحيح أن للعوامل الذاتية دورا في عملية الإدراك، لكن هذه العوامل وحدها لا تكفي، فالعقل وحده لا يؤدي إلى الإدراك إذا كان الشيء معاقا بعوائق خارجية، كما أن بعض الأشياء يصعب إدراكها رغم توفر كل العوامل الذاتية و ذلك لإحتوائها على صفات وخصائص في بنيتها يجعل من إدراكها أصعب من غيرها، وهذا ما أغفله الذاتيين، ففي بعض الأحيان قد تتوفر هذه الشروط الذاتية ولا يحصل الإدراك أو يكون الإدراك غير واضح نظرا لطبيعة الشيء المدرك وشكله ومدى انتظام عناصره.

عرض نقيض الأطروحة: "الإدراك تتحكم فيه عوامل موضوعية"

إن الإدراك يتوقف على فاعلية الموضوع و بنيته الخارجية فطبيعة الشيء المدرك هي التي تحدد درجة إدراكنا فإدراك الاشياء عملية موضوعية وليس وليد احكام عقلية تصدرها الذات ، فالعالم الخارجي منظم وفق عوامل موضوعية وقوانين معينة هي " قوانين الانتظام " و يمثل هذا الموقف رواد المدرسة الجشطالتية و هم" كوفكا، كوهلر، فيرتهايمر و بول غيوم" و حججهم في ذلك مايلي:

إن الإدراك لا يعود إلى عوامل عقلية ذاتية بقدر ما يعود إلى الشكل الخارجي والبنية بأكملها وانتظام هذه البنية أو تفككها في المجال البصري هو الذي يحدد نوع الإدراك، يقول بول غيوم :" إن الوقائع النفسية صور، أي وحدات عضوية تنفرد وتتحدد في المجال المكاني وألزماني للإدراك أو التصور، وتخضع الصور بالنسبة للإدراك، لمجموعة من العوامل الموضوعية" و يقول فيرتهايمر"إن الحقيقة الرئيسية في المدرك الحسي ليس العناصر و الأجزاء التي يتألف منها الشيء بل شكله و بناؤه العام"

إن الإدراك يخضع لجملة من القوانين التي هي عبارة عن عوامل موضوعية تحكم المجال الإدراكي للإنسان ومن بين أهم هذه العوامل نجد عامل الشكل والأرضية حيث ندرك الأشكال أولا ثم الأرضية بعد ذلك ، لأن الشكل يكون أكثر وضوحا وأسهل للإدراك من الأرضية، فالوردة المرسومة على القماش شكل أوضح . من الأرضية التي هي القماش يقول كوهلر " إن شكل الموضوع و بناؤه العام هو الذي يحدد عملية الإدراك ".

و كذلك قانون الإنتظام حيث أن العناصر الجزئية لما تنتظم تكون صورة كلية فيكون إدراكنا للكل دائما أسبق من الجزء فنحن ندرك صورة الشجرة قبل الأغصان و الأوراق و صورة الوجه قبل العين والأنف و صورة القسم قبل الطاولة ومكان التلميذ كما أن الصور والأشياء البارزة تكون أولى بالإدراك من غيرها فالنجمة الساطعة في السماء ندركها قبل غيرها و هذا ما يعرف بقانون البروز يقول كوفكا " إن عامل الإنتظام والبروز كافي لعملية الإدراك". إضافة إلى قانون التشابه و معناه أن الأشياء المتشابهة في الحجم و الشكل و اللون نميل الى إدراكها كصيغ متميزة عن غيرها ،فالإنسان يدرك أرقام الهاتف بسهولة إذا كانت متشابهة و كذلك فانون التقارب و الذي فحواه أن الأشياء المتقاربة في الزمان أو المكان يسهل علينا إدراكها كصيغة متكاملة، فنحن ندرك كراسي حجرة الجلوس كوحدة متكاملة نتيجة تقاربها. 

كما أن الإنسان في ادراكاته يميل إلى سد الثغرات أو النقائص أو التغاضي عنها، فنحن ندرك الأشياء الناقصة كما لو كانت كاملة، فالدائرة الناقصة في بعض أجزائها ندركها كاملة و هذا ما يعرف بقانون الإنغلاق 

و إضافة إلى قوانين الإنتظام نجد من العوامل الموضوعية كذلك عامل الحركة لأنها تولد الإنتباه .فنحن ندرك الجسم المتحرك قبل الجسم الساكن كأن تتجه أنظارنا نحو الشهاب بدل النجوم الثابتة و كذاعامل البيئة الإجتماعية إذ أن إدراك الإنسان يتشكل حسب المعايير التي حددتها البيئة الاجتماعية التي ينتمي إليها ،فالبدو لا يدركون الأشياء كما يدركها الحضر ،فكل بيئة لها خصائص تنعكس على أذهان أبنائها ،و لهذا كانت التربية التي يتلقاها الفرد من أسرته و مجتمعه عاملا أساسيا في تحديد مجال إدراكه

نقد و مناقشة: رغم ما للعوامل الموضوعية من تأثير في عملية الإدراك إلا أن الالحاح على اهمية العوامل الموضوعية في الادراك واهمال العوامل الذاتية لاسيما دور العقل ليس له ما يبرره ، فهذا الطرح يجعل من الشخص المدرك آلة تصوير او مجرد جهاز استقبال فقط مادامت الموضوعات هي التي تفرض نفسها عليه سواء اراد ذلك او لم يرد ، مما يجعل منه في النهاية مجرد متلقي سلبي منفعل لا فاعل

التركيب:

إن عملية الإدراك تتأثر بعوامل كثيرة منها ما يرتبط بطبيعة الشخص المدرك، ومنها ما يرتبط بطبيعة الشيء المدرك. ولن يتم الإدراك إلا من خلال تحالف الشروط الذاتية مع الشروط الموضوعية وهذا ما ذهبت إليه المدرسة الظواهرية التي ترى أن الإدراك هو عملية متعددة الأبعاد فهو قائم على التفاعل بين الذات و الموضوع فلا ذات ، وهكذا يغدو وعي الإنسان فعلا موجها نحو الخارج، و لا يفهم إلا من خلال موضوعه دون موضوع و لا موضوع دون ذات فكل إدراك هو شعور بموضوع يقول هوسرل "لا شعور إلا بموضوع " ويقول ميرلوبونتي " فكل شعور هو شعور بشيء ما "

خاتمة:(حل المشكلة)

و في الأخير نستنتج ان الادراك من الوظائف الشديدة التعقيد ، وهو عملية تساهم فيها جملة من العوامل بعضها يعود الى نشاط الذات وبعضها الآخر الى بنية الموضوع ، على اعتبار ان هناك تفاعل حيوي بين الذات والموضوع ، فكل ادراك هو ادراك لموضوع ، على ان يكون لهذا الموضوع خصائص تساعد على ادراكه فالادراك لا يعود الى فاعلية الذات فقط او الى بنية الموضوع فحسب ، من حيث انه لا وجود لادراك بدون موضوع ندركه . لذلك يمكننا القول ان الادراك يعود الى تفاعل مزدوج و دائم بين العوامل الذاتية و الموضوعية.

3 إجابة

0 تصويتات
بواسطة (627ألف نقاط)
 
أفضل إجابة
مقالة جدلية هل عوامل الادراك ذاتية ام موضوعية؟

إن الإدراك لا يعود إلى عوامل عقلية ذاتية بقدر ما يعود إلى الشكل الخارجي والبنية بأكملها ، وانتظام هذه البنية أو تفككها في المجال البصري هو الذي يحدد نوع الإدراك ، يقول بول غيوم : " إن الوقائع النفسية صور ، أي وحدات عضوية تنفرد وتتحدد في المجال المكاني وألزماني للإدراك أو التصور ، وتخضع الصور بالنسبة للإدراك لمجموعة

ما هو مفهوم الإدراك؟

الإدراك هو العملية العقلية التي يتم من خلالها تفسير وتأويل المثيرات وصياغتها على نحو يمكن فهمها، ومن ثم الخروج بتصور أو حكم أو قرار. وقد تكون نظرية الجشطلت أكثر النظريات المعرفية اهتماما بموضوع الإدراك، والتي تؤكد أن الأشياء التي نتعامل معها في هذا العالم لا تتواجد بشكل مستقل ومنفصل عن غيرها من الأشياء الأخرى

ما هي عوامل الادراك؟

العوامل المؤثرة في الإدراك

الميول والاتجاهات.

الخبرة السابقه.

حاجات الفرد ورغباته.

الإيحاء.

التوقع.

الحالة الانفعاليه والمزاجيه

عوامل الإدراك الذاتية والموضوعية

عوامل الإدراك الموضوعية

العوامل الذاتية

تعريف الإدراك

العوامل المؤثرة في الإدراك PDF

هل الإدراك ثابت ام متغير
بواسطة (627ألف نقاط)
هل الإدراك يعود للعوامل الذاتية أم العوامل الموضوعية
0 تصويتات
بواسطة (627ألف نقاط)
مقال جدلي حول عوامل الإدراك
0 تصويتات
بواسطة (627ألف نقاط)

مقالة عوامل الإدراك

مقالات حول عوامل الإدراك 

مقالة عوامل الإدراك

نص السؤال : هل الإدراك يعود للعوامل الذاتية أم العوامل الموضوعية 

الانسان كائن عاقل فضولي بوجوده في الحياة يسعي الي إدراك ومعرفة العالم الذي يحول فيه فميزه الله تعالي عن باقي مخلوقاته بميزه العقل وهذا للتدبر في الكون،فمن بين السمات التي توحي بذلك نجد الاحساس والادراك فالاحساس هو عملية فيسيولوجية تختص في استقبال المؤثرات الخارجية ،بينما الادراك هو عملية عقلية معقدة تعمل علي تأويل الاحساسات بصورة معينة ،فتعد مسألة عوامل الادراك من بين اكبر المسائل الفلسفية التي آثارت جدلا بين الفلاسفة .فهناك من يري ان الإدراك يعود للعوامل الذاتية الناتجة عن فعالية العقل والحواس في حين هناك من يري ان الادراك يعود للعوامل الموضوعية الناتجة عن المدرسة الالمانية الجشطالتية .فمن خلال هذا السياق الفلسفي منه نصيغ سؤالنا:

       هل الإدراك يعود للشروط الفردية أو الشروط الاجتماعية ؟ 

الموقف الأول 

      يري أنصار هذا الموقف ان الإدراك هو نتاج العوامل الذاتية التي يتمتع بها الفرد فمن الرواد الذين آكدوا علي هذا الاخير نجد أنصار النظرية العقلية علي رأسهم ديكارت و أنصار النظرية الحسية علي رأسهم جون لوك ، فلديهم عدة حجج وبراهين لبيان ذلك حيث أن الواقع يبين أن الانسان المدرك دائما ما يكون ذكي يتمتع بخيال واسع فإذا أجرينا عملية حسابية بين طالبين فلن نتوصل الي إدراك متساوي بين الطالبين وانما هناك تفاوت في الإدراك وهذا التفاوت راجع الي الذكاء والخيال والرصيد وكذلك الحياة النفسية لهذا نجد ان الإدراك يعود لهذه العوامل الذاتية فالفرد الذي يملك حياة نفسية مستقر خالية من القلق والتوتر والخوف فحتما يكون ادراكه للاشياء دقيق وسريع اما من يعاني من الخوف فادراكه للاشياء يكون شيء وبطيء ايضا ، ،فأنصار النظرية العقلية يؤكدون علي ان الحواس لا تمدنا الا بمعارف أولية فهي بحاجة دائما الي صقل وتجريد،فيأتي العقل ليصحح ذلك ويمنح لنا قضايا صادقة صدقا كليا ،هذا يعني ان الحواس تمنح معرفة مجردة بينما العقل يثير في التحقيق وذلك عن طريق البحث عن ماهية ذلك الشيء فمثلا: كتاب فوق الطاولة لا استطيع ان ادرك بالحواس خبايا و عبارات و معني ذلك الكتاب وانما ادرك موقعه فقط فهنا معرفة اولوية ولكن المعرفة الصادقة والشمولية ندركها باستخدام القدرات العقلية كالتركيز الذكاء ...الخ ،بينما ديكارت تهجم علي انصار النزعة الحسية وإتهمهم بالخداع وهذا من خلال تجربته عندما صعد الي برج عالي لاحظ الناس يحملون مظلات حمراء ولكن في الحقيقة هي عبارة عن قبعات ،ويمكن الاستدلال بدليل آخر مثلا : رؤية الطائرة في السماء تبدو لنا بحجم صغير ولكن في الحقيقة حجمها كبير نوعا ما ،فهذا ما وضحه ديكارت من خلال قوله :«لا أؤمن بمن خدعني ولو لمرة واحدة »وهنا يقصد المعرفة الخاطئة التي نستمدنا وفق حواسنا،كما يضيف ديكارت علي وجود حقائق فطرية في الذهن اودعها الله فينا منذ البداية مثل : فكرة الانهائي ،فكرة وجود الله ،فيقول :«إني أدرك بمحضي ما في ذهني من قوة الحكم ما كنت أحسب آني آراه بعيني »ويعني ذلك ان معرفة الامور الخارجية يتم استخلاصها وفق فعالية العقل وليس ملكة العين او الحواس بصفة عامة،أما آلان يشير الي ضرورة الفصل بين الاحساس والادراك وذلك من خلال تقديمه لمثال المكعب الذي يبدو للحسين ذوثلاثة اوجه وستة اضلاع ،بينما في الحقيقة التي ادركناها بالعقل اتضح لنا علي انه يحتوي علي ستة اوجه واثني عشر ضلع وهذا ما صرح به في قوله :«الادراك حكم عقلي للمعارف الحسية الجزئية»فهذا يعني ان الانسان يدرك ولا يحس ،وفي نفس السياق أشادت النظرية الحسية بالتمييز بين الاحساس والادراك وذلك باستنادها علي قوة الحواس في معرفة الاشياء واهمالها للعقل بحيث اصرت علي ان الحواس هي التي تكسب للعقل معارف وحقائق بحكم انه لا توجد اي معارف فطرية في العقل فحسب جون لوك الانسان يولد صفحة بيضاء والتجربة تكتب فيه ما تشاء فمثلا :الطفل في مرحلة بداية الطفولة لا يدرك ان النار تسبب الآلم له ولكن سيكتسب ذلك من خلال التجربة فعند وضعه لليد في موقد من النار ويحس بالآلم حينها يتعلم و يدرك هذا الفعل ولا يكرر ذلك في المرة القادمة فلو حقا توجد افكار فطرية في العقل لما وضع يده عليها في المرة الاولي ،فقد وضح جون لوك ذلك بقول :«لو سألت الانسان متي بدأ يعرف لأجابك متي بدأ يحس »يعني أن شعور الانسان بحواسه تجاه الاشياء هي منطلق المعرفة وخير دليل علي ذلك المفكر جون بياجيه عند دراسته للذكاء ربط المراحل الاولي (من0_2سنوات) باحتكاك الطفل بالعالم الخارجي سواء باللمس او الشم ،فقد قيل من احد فلاسفة هذه النزعة :«التجربة هو الاساس الوحيد لجميع معارفنا» فمثلا: تلميذ يحفظ دون فهم وعند الامتحان لم يجب علي الاسئلة هنا اكتسب تجربة علي انه في المرة القادمة يجب التركيز علي الفهم اكثر من الحفظ ،فيقول دافيييد هيوم:«لاشيء من الافكار يستطيع ان يحقق لنفسه ظهورا في العقل ما لم تكن هناك انطباعات حسية مقابلة له »وهذا يعني ان الاحساس هو جسر كل معرفة و المتحكم في توجيه المعارف العقلية ،فمن خلال هذه الحجج والبراهين منه نستخلص ان الادراك والاحساس منفصلان فكل طرف له قيمة خاصة به مستقلة عن الطرف الاخر .

       نقد الموقف الأول : 

ان القول أن الإدراك يعود للعوامل الذاتية فقط فهذا امر مبالغ فيه ومعرض للانتقادات ، فانصار هذا الموقف قاموا بالإعلاء من شأن العوامل الذاتية التي يتمتع بها الفرد واهملوا العوامل الموضوعية اي انهم نسوا الجانب الموضوعي التنظيمي ، فالدليل علي ذلك هو ان عملية الإدراك معقدة لهذا لابد من موضوع مدرك وهذا الموضوع لابد ان يكون بمجموعة من الاحساسات المنظمة تنظيما كليا ، لهذا من الممكن التسليم بفعالية ودور الجانب الموضوعي في عملية الإدراك فكلما كان الشيء منظم تنظيم موضوعي يكون هناك افضل واسهل للادراك .

الموقف الثاني : 

    يري أنصار هذا الموقف أن الإدراك يعود للعوامل الموضوعية فمن الرواد الذين آكدوا علي هذا الاخير نجد أنصار النظرية الجشطالتية وعلي رآسهم كوهلر فلديهم عدة حجج وبراهين لبيان ذلك ، حيث ينطلقون من فكرة مفادها ان عملية الإدراك يتحكم فيها الموضوع الخارجي اي الصورة الكلية فكلما كان هناك تنظيم جيد وفق قوانين الانتظام كلما كان هناك سهولة في الادراك ، ،فمن الناحية الاولي اشار زعماء النظرية الجشطالتية علي ان الادراك ليس ادراكا لمجموعة من الاحساسات المنظمة بواسطة العقل ،بل ان كل ادراك هو لمجموعة من العناصر المنظمة تنظيما موضوعيا والاولوية ليست للعناصر الجزئية بل للبنية الكلية ،فهذا ما اكده كوهلر في قوله :«ان الصور المدركة تتركب من عناصر جزئية انتظمت فيما بينها وشكلت صورة كلية ويكون ادراكنا للكل اسبق من الجزء »فعلي سبيل المثال : نحن عندما نشاهد شجرة نقول علي انها شجرة وندركها اولا قبل التمعن في ثمارها و اوراقها و اغصانها ،اذا هنا ركزنا اولا علي الكل ثم اتجهنا للجزء ،بالاضافة الي انصار هذه النظرية قد حددوا قواعد لتنظيم مدركاتنا سميت بقوانين الانتظام ،فنجد قانون الشكل والارضية القائم علي شرط وجود تناقض وتعاكس بين الشكل والارضية لتكون الصورة اوضح فعلي سبيل المثال: صبورة خضراء لو نكتب عليها بقلم اخضر لا تظهر الكتابة ،لكن لو نغير لون القلم بلون اخر معاكس للون الصبورة فحتما ستظهر الكتابة بوضوح ،اضافة الي قانون التقارب بحيث ان الاشياء التي تحمل حجم كبير او لون جذاب او الرؤية من زوايا ومسافات واضحة تبدو بارزة فمثلا رؤية منزل من مسافة قصيرة يبدو اوضح مقارنة من رؤيته من مسافة بعيدة ،نجد ايضا قانون التشابه بحكم ان الاشياء المتشابهة تلفت الانتباه فمثلا في الحراك الشعبي ادركنا رجال الامن بوضوح لانهم يرتدون نفس الزي واضافة الي قوانين اخري كقانون الاغلاق وكذلك الامتلاء والمقصود به الميل لشيء ما ونقوم بتعديله ، ايضا يوجد قانون الوضوح والبروز اي الاشياء التي تكون بارزة و واضحة دائما ما تجذب الأشخاص وتسهل إدراك الشيء لهذا نجد ان اصحاب المحلات عند القيام باعلانات خاصة بالتخفيضات نجدهم يعتمدون علي الوان بارزة تجذب الزبائن ، فمن خلال هذه الحجج والبراهين منه نستخلص ان الإدراك هو نتاج العوامل الموضوعية 

نقد الموقف الثاني :

ان القول أن الإدراك يعود للعوامل الموضوعية فهذا امر مبالغ فيه ومعرض للانتقادات فانصار هذا الموقف ركزوا فقط علي الجانب الموضوعي الخارجي واهملوا الجانب الذاتي الداخلي الذي يتمتع به الفرد والدليل علي ذلك هو كون هناك فوارق في استيعاب الأفراد للاشياء فهذا راجع للذات الانسانية ، فلا يمكن أن يكون هناك إدراك دون وجود ميزة العقل و الحواس حيث لوحظ أن حدوث خلل في العقل او احد الحواس الخمس يضعف عملية الإدراك لهذا فالاساس المعرفي راجع للعامل الذاتي .

التركيب : 

    من خلال ما تطرقنا إليه في المواقف إتضح لنا وجود صراع بين ماهو ذاتي وماهو موضوعي فيما يتعلق بمسألة الإدراك ، لكن من خلال التمعن لهدف الفرد نجد أنه يسعي الي إدراك ومعرفة عالمه الخارجي وهذا الامر. معقد نوعا ما لهذا لابد ان نتخذ موقف يجمع بين العوامل الذاتية و الموضوعية معا لأن المعرفة الشمولية تنتج عندما يكون هناك تفاعل وانسجام بين العامل الذاتي و العامل الموضوعي فعندما يتمتع الفرد لعقل سليم وحواس سليمة وتكون الصورة الخارجية علي اتم الوضوح فاكيد سيكون هناك إدراك كلي فتخيل انك تشاهد في تلفاز وانت فاقد لحاسة الرؤية او لديك حاسة الرؤية لكن الصورة الخارجية التي تنبثق من التلفاز مشوشة نوعا ما نتيجة نوعية ذلك التلفاز فهنا حتما المعرفة تنخفض ،لهذا لابد الاخذ بالعاملين معا لأن وظيفة هذه العوامل مشتركة تتمثل في تسهيل عملية الإدراك للفرد فالاختلاف في طبيعة العامل لا يعني الاختلاف في الهدف الذي يود بلوغه الفرد ، فنستطيع ان نشبه عوامل الإدراك بورقة نقدية ذات وجهين ،وجه يتمثل في الذات و وجه آخر يتمثل في الموضوع.

خاتمة : 

نستنتج في الاخير ابالرغم من وجود اختلافات سطحية بين اللعاملين (العامل الذاتي و العامل الموضوعي )ولكن هذا لا يؤدي بنا الي ضرورة الفصل بينهما ، لان هناك تطور في المعرفة الشمولية اذ ان المعرفة تتطور من الناحية الذاتية الي الناحية الموضوعية ،وبالتالي يجب التأكيد علي التكامل والاتساق الفعال بين ماهو ذاتي وماهو موضوعي في عملية الإدراك لانهما اساسيين لبلوغ الحقيقة وتحقيق الاهداف وبهما يستطيع الفرد التكيف مع العالم الخارجي دون آية عوائق فكما اثبتت الابحاث والدراسات ان اي خلل يصيب احد حواسنا يؤدي الي ضعف القدرة علي استخدام القدرات العقلية مما يؤدي الي وجود صعوبة في فهم الجانب الموضوعي الخارجي اي الموضوع (الصورة الكلية التي تمدها لنا العوامل الخارجية) فنجد هناك ترابط واضح وخدمة متواصلة فكل ماهو ذاتي موضوعي وكل ماهو موضوعي ذاتي .

اسئلة متعلقة

مرحبًا بك إلى موقع باك نت، حيث يمكنك طرح الأسئلة وانتظار الإجابة عليها من المستخدمين الآخرين.
...