0 تصويتات
في تصنيف ملخصات دروس بواسطة (455ألف نقاط)

ملخص الحقيقة كقيمة تحليل نص الحقيقة كقيمة في الفلسفة حلل النص وناقشه؟ 

موقع bac "نت  

أهلاً بكم طلاب وطالبات الباك 2023 في موقعنا باك نت الموقع التعليمي المتميز عن بعد لجميع مراحل التعليم الابتدائي والمتوسط والثانوي يسرنا بزيارتكم أن نقدم لكم إجابة السؤال //

ملخص الحقيقة كقيمة تحليل نص الحقيقة كقيمة في الفلسفة حلل النص وناقشه؟ 

كما عودناكم طلاب وطالبات المستقبل في موقعنا باك نت أن نقدم لكم من كتاب الطالب الإجابة النموذجية بمنهجية صحيحة للسؤال القائل... 

ملخص الحقيقة كقيمة تحليل نص الحقيقة كقيمة في الفلسفة حلل النص وناقشه؟ 

وتكون على النحو التالي 

ملخص الحقيقة كقيمة تحليل نص الحقيقة كقيمة في الفلسفة حلل النص وناقشه

الإجابة هي 

: الحقيقة كقيمة

النص هو للفيلسوف الألماني كانط Emmanuel kant ( 1724-1804 )، مقتطف من مؤلف له بعنوان:

Sur un Prétendu droit de mentir par humanité " ، يوجد هذا النص في الكتاب المدرسي " مباهج الفلسفة مسالك علوم، ص: 72، و أيضا مسلك الآداب والعلوم الإنسانية: ص112. 

" إذا منعت إنسانا ما، عن طريق الكذب عليه، من أن يتصرف تبعا لنيته في القتل فإنك مسؤول، من المنظور القانوني، عن كل النتائج التي يمكن أن تترتب عن فعلك، لكن إذا كنت قد التزمت بقول الحقيقة بدقة، فإن العدالة العمومية لن تستطيع أن تحملك أية نتائج غير متوقعة، ومع ذلك يمكن أن تكون قد أجبت المهدّد بالقتل، الذي يسألك عما إذا كان الشخص الذي يرغب في قتله موجودا لديك، في حين أن الشخص الفار كان قد تسلل خلسة وأفلت بجلده، فلم تحصل الجريمة، ثم حدث أن صادفه مطارده وهو يخرج من البيت، فأرداه قتيلا، فإنك يمكن أن تتهم عن حق بأنك سبب موته، إن من يكذب، مهما كانت نيته ومقاصده، يتعين أن يتحمل ويتقبل نتائج وتبعات كذبه(...)، وأن يؤدي ثمن موقفه، كيفما كانت النتائج والتبعات غير المتوقعة، وذلك لأن قول الحقيقة( الصدق) واجب يتعين اعتباره بمثابة أساس وقاعدة لكل الواجبات التي يتعين تأسيسها وإقامتها على عقد قانوني، ولأن القانون إذا ما تسامحنا فيه، ولو بأقل استثناء ممكن، فإنه سيصبح قانونا متذبذباً ومبتذلا(...).

فمن مقتضيات العقل المقدسة والضرورية إذن، أنه ينبغي على الإنسان أن يكون صادقا في تصريحاته وأقواله، ذلك لأننا حين نعطي لأنفسنا الحق في إلزام الغير بالكذب لمصلحتنا ومنفعتنا، فإننا نكشف بذلك عن إدعاء مناقض لكل شرعية قانونية، والواقع أن كل إنسان ليس له من حقه فحسب، بل من أوجب واجباته أن يتحلى بالصدق في تصريحاته وأقواله التي لا مناص له من الإدلاء بها، حتى وإن أضرَّ صدقه به هو أو بغيره ".

حلل النص وناقشه

1-مطلب الفهم:

                 إن السعي المستمر للإنسان والمتعطش للحقيقة، حقيقة ذاته والعالم المحيط به، ليس بالسعي المجاني، بل تكمن وراءه ضرورة، ضرورة استمرار حياته في كل أبعادها، الاجتماعية منها والأخلاقية...وهذا ما يجعل من الحقيقة ذات قيمة، أي أمرا مرغوبا فيه، والنص الذي بين أيدينا هو محاولة منه للكشف عن هذه القيمة، التي رافقت البحث الفلسفي منذ ميلاده مع اليونان حتى الآن، مما يجعل منها إشكالا فلسفيا، له رهاناته يمكن تبيّنها في التساؤل التالي: 

إذا كانت القيمة La valeur هي الصفة أو الخاصية الثابتة التي تجعل من شيء ما مرغوبا فيه، أي مستحقا للتقدير، فمن الذي يمنح الحقيقة قيمة، ويجعلها أمراً مرغوبا وهدفا للجهد الإنساني؟ هل لكونها مطلوبة لذاتها، أم لكونها وسيلة لتحقيق غايات عملية، أي ما يخدم الحياة الإنسانية ؟ بمعنى آخر، كيف تتحدد الحقيقة بالنظر إليها كقيمة ؟ هل تتحدد قيمتها بما هو فكري أخلاقي مجرد من كل منفعة، أم بما هو عملي نفعي ؟

2-مطلب التحليل:

                          محاولة منه للإجابة عن هذا التساؤل، تقدم كانط في هذا النص بأطروحة مفادها أن الحقيقة كقيمة هي غاية في ذاتها، وهذه الغاية تكمن في قول الصدق لذاته لا لأغراض عملية نفعية، لأن قول الصدق هو واجب أخلاقي يجب أن ينشد لذاته، وهذا ما يتبين من خلال القول التالي: " إن قول الحقيقة واجب يتعين اعتباره بمثابة أساس وقاعدة لكل الواجبات "، ولإقناعنا بأطروحته هذه، تقدم كانط بمثال يوضح من خلاله موقفه من مسألة الكذب الذي يشكل بالنسبة إليه الطرف النقيض للحقيقة، لأنه لا وجود في نظره لحالات استثنائية يجوز فيها الكذب، لأن في ذلك هدم للحقيقة، مثال شخص يكذب على مجرمين يسألونه عما إذا كان صديقه الذي يتعقبونه موجوداً في منزله، إن هذا الشخص الذي أخفى عن المجرمين مكان صديقه المهدد بالقتل من طرفهم، يكون قد ارتكب جريمة في حق الإنسانية، وبهذا يتحمل مسؤولية فعله الإجرامي، ذلك -يضيف كانط - لنفرض أن هذا الصديق الذي أخفيْتَ وجوده في منزلك عن المجرمين، تسلل خلسة دون علمك وهرب إلى الخارج، ولم تحصل الجريمة، لكن بالصدفة صادفه المجرمون في الشارع وقتلوه، في هذه الحالة تكون قد ساهمت بشكل غير مباشر في موته، وتصبح في هذه الحالة متهما أنت أيضا بقتله، لأنك فضلت الكذب عن الصدق، بهذا المثال يحاول كانط أن يؤكد على أن الحقيقة ( الصدق)، في التصريحات التي لا يمكن التملص منها، َلهِيَ واجب قطعي على الإنسان تجاه كل إنسان، مهما تكون جسامة الضرر الذي يمكن أن يترتب عنه بالنسبة إليه، ومع أنني-يقول كانط- لا أرتكب جورا في حق من يُكرِهني- ظلما-على الإدلاء بتصريحات مزيفة، فإنني أرتكب جورا في حق الواجب في جوهره، بسبب ذلك التزييف الذي يمكن أن يسمى كذبا، وهكذا يكفي تعريف الكذب بأنه تصريح مزيف، ولا حاجة إلى أن يضاف إلى ذلك هذا البند أو الشرط الذي يدخله رجال القانون في تعريفهم للكذب، وهو أن يكون مضرا للغير، إذ الكذب مضر للغير دائما، حتى إن لم يضر إنسانا بعينه، فهو يضر الإنسانية قاطبة، مادام يجرد منبع الحق من الصفة الشرعية.

يتبين من خلال هذا التحليل لمضمون قول كانط حول الحقيقة كقيمة أخلاقية، أن من أوجب واجبات الإنسان، أن يتحلى بالصدق في تصريحاته وأقواله التي لا مناص له من الإدلاء بها، حتى وإن أضر صدقه به هو أو بغيره، لكن هل يمكن القبول بهذا التصور كحل لإشكالية قيمة الحقيقة ؟ أ فعلا أن الحقيقة هي قول الصدق، والصدق هو واجب أخلاقي مطلق، أم أن قيمة الحقيقة تفتح على أبعاد أخرى غير البعد الأخلاقي ؟  

3-مطلب المناقشة:

                           لقد شكلت أطروحة كانط هذه حول قيمة الحقيقة باعتبارها هدفا مطلوبا لذاته، امتدادا لأطروحات فكرية قديمة منها وحديثة، وتُقدِّم سيرة حياة الفيلسوف اليوناني القديم سقراط Socrate(499-399) وفلسفته تصورا أخلاقيا للحقيقة، فلم تكن غاية التفلسف لديه سوى تدريب النفس على اكتساب الفضيلة، وبذلك تتطابق الحقيقة والكمال الأخلاقي، لقد كانت الحقيقة لديه مطلوب لذاتها، تُعاش بصفة شخصية، ولم يكتف سقراط بأن عاش الحقيقة فحسب، بل مات من أجلها، فلا شيء مقدم عن الحقيقة، بما في ذلك حياة المرء نفسها.

 نفس المنظور لقيمة الحقيقة كغاية في ذاتها، نجدها لدى الفيلسوف الفرنسي الحديث روني ديكارت René Descartes(1596-1650)، لكن على مستوى فكري معرفي، فقد ذهب هذا الفيلسوف في جل مؤلفاته، أبرزها: مقال في المنهج Discours de la Méthode وأيضا تأملات ميتافيزيقيةMéditations Métaphysiques ، إلى التأكيد على أن الحقيقة تستمد قيمتها من ذاتها وليس من شيء خارج عنها، فالكوجيطو: "أنا أفكر إذن أنا موجود ، je pense donc, je suis, Cogito Ergo Sum " حقيقة عقلية أولى تستمد قيمتها من بداهتها ووضوحها وتميزها عن باقي الأفكار الأخرى، فهي واضحة لأنها تدرك بداهة وبدون واسطة، وكل فكرة بهذه الصفة، من اللازم أن تكون فكرة صادقة، وهي متميزة لأنها لا تختلط مع أي فكرة أخرى غيرها، والكوجيطو كحقيقة أولى، يستوفي صفات البداهة، من هنا كان الكوجيطو حدسا Intuition أي إدراكا عقليا أوليا، يتم دفعة واحدة بطريقة مباشرة، لا يحتاج فيها إلى تحليل عقلي أو اختبار تجريبي، أي لا يحتاج إلى شيء خارج الذات المفكرة، لذا كانت البداهة العقلية الطريق السليم لامتلاك ناصية الحقيقة، والمجال الملائم الذي يتم فيه تحديد قيمة الحقيقة، إذن الحقيقة عند ديكارت، ذات قيمة فكرية، وهي غاية في ذاتها وليس وسيلة، لقد أشاد كانط بهذا الطرح الديكارتي العقلاني لقيمة الحقيقة، واعتبره أساسيا في تشكيل الحقيقة وفي السمو بالإنسان عن باقي الكائنات الأخرى، لكن الوقوف عند حدود العقل –في نظره- دون تحصينه ببعد أخلاقي، قد يفضي إلى تصور سلبي لقيمة الحقيقة ولحامل هذه الحقيقة وهو الإنسان، فالوقوف عند حدود العقل لم يمنح الإنسان ولا الحقيقة التي ينشدها إلا قيمة نفعية خارجية، وبالتالي السقوط في أحضان الاتجاه الحسي المادي الذي لا يرى في الحقيقة إلا جانبها النفعي، بحيث يصبح الكذب وفق هذا المنطق حقيقة، ما دام يحقق منفعة، من هنا يـأتي ربط كانط قيمة الحقيقة في قول الصدق، الذي يعتبر في نظره، واجبا أخلاقيا، واجبا خاليا من الغرض، لأنه غاية في ذاته وليس وسيلة توصل إلى المنفعة، فالعمل الأخلاقي لا يتوخى من القيام به إلا الواجب لذاته، هكذا يكون كانط قد رسم للحقيقة طريقها السليم بعيدا عن كل توظيف ذاتي نفعي.

لكن، بالرغم من أهمية ما قدمه كانط من تصور إيجابي لقيمة الحقيقة، بحيث خَلَّصَ الحقيقة من الاستغلال لمصالح ذاتية آنية، فقد تعرض تصوره هذا للحقيقة في علاقتها بالصدق، إلى انتقاد العديد من المفكرين، محدثين منهم ومعاصرين، نذكر منهم أولا الكاتب والمحلل السياسي الفرنسي Benjamin constant بنيامين كونسطان ( 1776-1830)، الذي انطلق من تصور حقوقي لقيمة الحقيقة، منتقدا في ذلك تصور كانط الأخلاقي لقيمة الحقيقة، ففي مؤلف له بعنوان:

 " Des Réactions politiques " ( 1797 )، يذهب كونسطان إلى القول: " إذا ما اخذ المبدأ الأخلاقي الذي يكون بموجبه قول الحقيقة واجبا أخلاقيا، بمعناه المطلق والمعزول، فإنه يجعل من المستحيل قيام أي مجتمع، دليلنا على ذلك النتائج المباشرة التي استخلصها فيلسوف ألماني( يقصد كانط)، من هذا المبدأ الأول، فقد ذهب هذا الفيلسوف إلى حد الزعم، بأن من يكذب على مجرمين يسألونه عما إذا كان صديقه الذي يتعقبونه ملتجئا في منزله، يكون قد ارتكب جريمة "، ويدحض الفيلسوف الفرنسي هذا المبدأ على النحو التالي: " قول الحقيقة واجب، لكن ما هو الواجب ؟ إن فكرة الواجب لا تنفصل عن فكرة الحقوق: فالواجب هو ما يناظر في كائن بشري حقوق كائن بشري آخر، فحيث لا توجد حقوق لا توجد واجبات، إن قول الحقيقة ليس إذن واجبا إلا نحو من لهم الحق في معرفة الحقيقة، والحال أنه ما من إنسان له الحق في حقيقة مضرة للغير" ، إذن كونسطان يرفض أولا اعتبار الحقيقة كصدق واجبا أخلاقيا مطلقا، فهناك حالات استثنائية يمكن أن يصبح معها الكذب واجبا من الناحية الإنسانية، وذلك من أجل إنقاذ حياة شخص وتجنيب الضرر بالغير، ثانيا يرى كونسطان أن الواجب لا معنى له بدون وجود حق، فالحقيقة التي تحرم الأخر الحق في الحياة مثلا، لا قيمة لها، فالحقيقة إذن في نظر كونسطان، لا تكون واجبا بالنسبة للذات إلا إذا لم تحدث ضررا بالنسبة للغير، وهكذا ينزع كونسطان عن الحقيقة طابعها المطلق والكوني، ويضفي عليها طابعا نسبيا، فهو يريد للحقيقة أخلاقا مرنة وقابلة للتطبيق في مختلف الحالات، أي وسيلة لتحقيق أغراض عملية وليس غاية في ذاتها، وهو القول نفسه الذي يمكن لمسه مع الفيلسوف الأمريكي المعاصر وليام جيمسWilliam James(1842-1910)، فقد ذهب هذا الفيلسوف في كتابه

 " Le Pragmatisme "، إلى التأكيد على أن الحقيقة لا تكتسي قيمة إلا إذا حققت منفعة سواء على المستوى الفكري أو العملي، فهي إذن مجرد وسيلة تتحقق من ورائها أغراض عملية وليست غاية في ذاتها، ذلك أن امتلاك الإنسان لأفكار صحيحة، يعني امتلاكه لأدوات ثمينة تسمح له بالقيام بأعمال ذات مردودية وإنتاج خصب، فوجوب اكتساب الحقائق إذن، يستمد مبرره من النتائج الممتازة التي يجنيها الإنسان حين يتعاطى للبحث بشكل دؤوب عن الحقيقة، بهذا القول تصبح الحقيقة كواجب أخلاقي ينشد لذاته، هو –في نظر جيمس- مجرد تصور لفظي فارغ من كل معنى، بينما تتيح التجربة للصدق فرصة التمتع بما في الواقع من حيوية أصالة وثراء، بهذا التصور العملي للحقيقة يكون جيمس قد وقف بجانب فلسفة الفيلسوف الألماني نيتشه F.Nietzsche(1844-1900) في نقدها للفلسفات السابقة ولمفهومها حول الحقيقة، وأيضا بجانب فلسفة الفيلسوف الفرنسي المعاصر ميشل فوكوM.Foucault(1926-1984).

  فقد ذهب نيتشه في مؤلفه: " Le livre du Philosophie "، إلى ربط الحقيقة بالعالم الأرضي، وبحاجات الإنسان الحيوية، ورفض كل تصور فلسفي يتعالى بالحقيقة عن مجالها الطبيعي والإنساني، لأن الحقيقة في نظره، ما هي في واقع الأمر إلا إضفاء صورة الإنسان على الأشياء، أي طبع الصور الإنسانية على العالم الخارجي، بحيث يصير العالم برمته مجالا مكبرا لغايات الإنسان وأمانيه، فجوهر الحقيقة ليس في كون شيء من الأشياء حقا، وإنما أن يعتقد الإنسان أنه حق، فالنفع إذن، هو المعيار الفاصل بين كون الأشياء حقا أو غير حق، والنفع هو الحياة، لذا لا يمكن تصور حقيقة خارج الحياة، وكل تصور للحقيقة خارج إطار الحياة الإنسانية في قوتها وعنفوانها يعتبر وهما.

1 إجابة واحدة

0 تصويتات
بواسطة (455ألف نقاط)
 
أفضل إجابة
أما ميشل فوكوM.Foucault ، فهو يعتبر الحقيقة " من هذا العالم تنتج فيه بفعل إكراهات متعددة، ولها في هذا العالم سلطة ذات تأثير منتظم..."، معنى هذا أن قيمة الحقيقة تتحدد كوسيلة لتحقيق السلطة، فلا يمكن فهم الحقيقة خارج منظومة السلطة، فليس –يقول فوكو-نشاط الذات العارفة هو الذي ينتج المعرفة الحقيقية، مفيدة للسلطة ومتمردة عليها، بل إن السلطة والعمليات والصراعات التي تخترقها والتي تتشكل منها، هي التي تحدد الأشكال والمجالات الممكنة لمعرفة الحقيقة، من هنا -يقول فوكو- يمكن أن نفهم سبب هيمنة الحقيقة العلمية في المجتمعات المعاصرة، نظرا للسلطة التي أصبح يملكها الخطاب العلمي بالمقارنة مع الخطاب الديني والفلسفي.

4-مطلب التركيب:

                      يتبين من تحليل ومناقشة موقف كانط من قيمة الحقيقة، إنه موقف جدير بالتقدير والاحترام، فربط الحقيقة بالواجب الأخلاقي المنزه عن كل مصلحة ذاتية آنية- وخاصة في عصرنا الراهن، الذي أصبح فيه منطق المنفعة والربح هو المتحكم في مسار الأحداث الإنسانية- يبقى موقفا فكريا ذا بعد إنساني رفيع، وهو يرى أن الكذب ولو على إنسان واحد يضر بالإنسانية جمعاء، لأنه يحطم أساس التواصل والتفاهم والاحترام المتبادل بين البشر، لهذا تظل المواقف التي تجعل الحقيقة كوسيلة لتحقيق المنفعة، مواقف في حاجة إلى نظر، وأخذها بحذر، ذلك أن الوقوف عند حدود منطق المنفعة قد يفضي إلى نسبية الحقيقة واختلافها باختلاف مصالح الأفراد والجماعات ورغباتهم، فباسم المنفعة، يمكن للإنسان أن يرتكب المظالم ضد الآخرين وينتهك حقوقهم وكرامتهم، لكن لا يجب أن يفهم من قول كانط أن الحقيقة كصدق أو صواب أو حق، لا تخلو من منفعة، فالصدق كقيمة أخلاقية لا يمكن أن يكون كذلك ما لم يحمل في ذاته بعدا إيجابيا نفعيا للإنسان، فالمنفعة ليست عيبا، لكن العيب هو الاحتكام لها لتحديد معنى الصواب أو الصدق أو الحق، لأن سلوكا من هذا النوع يمكن أن يسقطنا في الذاتية والأنانية المفرطة، ويصبح الكذب في هذه الحالة ذا قيمة أخلاقية ما دام يحقق منفعة للبعض، وما يجعل للمنفعة قيمتها في حياة الإنسان، هو أن الفاعل الأخلاقي الذي تكلم عنه كانط، ليس فقط كائنا عاقلا، بل أيضا كائن راغب، لذا فرغبات الإنسان وميوله، لا تنفصل عن بحثه في الحقيقة، فما الغاية من البحث في الحقيقة إذا لم يكن وراءها أهداف عملية تخدم الإنسان ولا تضره ؟

كما أن الحديث عن الحقيقة كسلطة ليس عيبا، لأن السلطة كقوة معنوية أو مادية تحمل في ذاتها بعدا إيجابيا إذا أحسنَّا استخدامها في الاتجاه الذي يخدم الإنسانية، لكن تصبح قاتلة في الاتجاه المعاكس، فلا يمكن أن ننكر ما للحقيقة من سلطة معنوية ومادية، لكن ما يَسُوء لهذه السلطة هو الاستخدام السيئ الذي يضر بالآخرين، وهذا ما نبه إليه ميشل فوكو حيث قال: " لا يتعلق الأمر بتخليص الحقيقة من كل منظومة من منظومات السلطة-إذ أن ذلك وهم، لأن الحقيقة هي ذاتها سلطة- وإنما يتعلق الأمر بإبعاد سلطة الحقيقة عن أشكال الهيمنة( (الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ) التي تشتغل داخلها لحد الآن"، فالبحث عن الحقيقة من طرف الإنسان إذن، ليس غاية في ذاته، وإنما وراءه أهداف عملية، أهداف ينبغي تحصينها ببعد أخلاقي، الذي يقوم على " مبدأ الاحترام "، احترام الإنسان لذاته وللآخرين ولمحيطه البيئي، وفي غياب هذا البعد، يصبح البحث عن الحقيقة، بحثا عن ما يهدد الحقيقة والوجود الإنساني بالفناء.

اسئلة متعلقة

مرحبًا بك إلى موقع باك نت، حيث يمكنك طرح الأسئلة وانتظار الإجابة عليها من المستخدمين الآخرين.
...