مجزوءة الأخلاق مفهوم الحرية الحرية والحتمية ، الحرية والإرادة ، الحرية والقانون
مادة الفلسفة بكالوريا جذع مشترك سنة ثانية باك
تحليل نصوص مفهوم الحرية
مجزوءة الأخلاق
مفهوم الحرية
يدل لفظ الحرية بمعناه الفلسفي على قدرة الفرد على اختيار غاياته والسلوك وفق إرادته الخاصة، دون تدخل عوامل تؤثر في تلك الإرادة. والحرية بهذا المعنى تخص الإنسان، غير أن هذه الحرية التي تضع الإنسان فوق جميع كائنات الطبيعة، وتبدو متعارضة مع مبدأ الحتمية الذي تخضع له على نحو ثابت كل واقعة. فهل نحن مسؤولون نختار أفعالنا أم مضطرون إليها؟ وما هي قوة إرادتنا في التحكم في حياتنا؟ وكيف ترتبط حريتنا بالمجتمع؟
I. الحرية والحتمية
تحليل نص باروخ اسبينوزا:
إذا كان الحيوان يحتكم في سلوكه وتصرفه إلى غريزته، فإن الإنسان يتميز عن الحيوان بكونه يحتكم إلى القواعد الأخلاقية. ومن ثم كان الإهتمام بالأخلاق من طرف التفكير الفلسفي داخل ما يسمى بمبحث القيم. والقيم هنا هي يميز الوجود البشري باعتباره وجودا حرا. من هنا كان لزاما على التفكير الفلسفي البحث في مفهومين أساسيين وهما مفهوم الشخص باعتباره دلالة على الوجود الذاتي داخل الوجود الانساني، ومفهوم الحرية باعتبار الحرية هي ما يمز الشخص عن عالم الطبيعة وما يجعله كائنا أخلاقيا. ولعل من أبرز ما تم الإهتمام به داخل مبحث القيم مفهوم الحرية. من هنا كانت ضرورة التفكير في الشخص والحرية وإن كان الإنسان حرا في تصرفاته وأفعاله، و قادرا على اختيار غاياته والسلوك وفق إرادته الخاصة، دون تدخل عوامل تؤثر في تلك الإرادة أم أنه خاضر للضرورات والحتميات. إذن، هل الإنسان حر في تصرفاته، يسلك وفق إرادته، أم أنه خاضع للحتميات والضرورات؟ بمعنى آخر هل يتمكن الإنسان من خلال إرادته من اختيار أفعاله وتصرفاته بحرية، بعيدا عن كل إكراه كيفما كان مصدره، أم أنه خاضع في هذا الإختيار لحتميات خارج إرادته ووعيه؟ وإذا كان الإنسان خاضعا للضرورة فما طبيعتها؟
يؤكد صاحب النص على أطروحة مؤداها أنه لا وجود لحرية إنسانية، فإذا كانت الحرية تعني قدرة الفرد على اختيار غاياته والسلوك وفق إرادته الخاصة، دون تدخل عوامل تؤثر في تلك الإرادة فجميع الأشياء المخلوقة محددة بعلل خارجية في وجودها وافعالها. وتدل العلل الخارجية على كل ما يحدد فعل ووجود الشيء من الخارج، أي تلك العوامل التي تدفع الشيء إلى الفعل بغير حرية ولا إرادة، إذن فلا وجود لمجال الحرية وإنما هناك فقط الخضوع للعلل الخارجية التي تشير إلى الضرورة والحتمية. ولتوضح موقفه هذا يستحضر صاحب النص مثالا توضيحيا، وهو مثال حجر يتدحرج بفعل سبب خارجي، اي بقدر معين من الحركة، ثم بعد ذلك تتوقف تلك الحركة، في حين يواصل الحجر تدحرجه بالضرورة. فإن استمر الحجر في التحرك فيكون ذلك بفعل إكراه. أي أن الحجر لا يتحرك بالضرورة، بل لكونه مدفوعا بعلة خارجية. وما يفهم من هذا المثال هو أن الفعل مرتبط بعلة خارجية تدفع إليه. وبعد استحضاره للمثال وشرحه، يعمم صاحب النص هذا القول على كل الأشياء الأخرى. حيث يقول: “وذلك لأن اي شيء كيفما كان لابد وأنه محدد بعلة خارجية تتحكم في وجوده وفعله”. وبالتالي فكل شيء بما في ذلك الإنسان، يخضع للعلل الخارجية، وهذه العلل تكون هي محدد الوجود والفعل. زيادة على ذلك يوظف صاحب النص مثال الحجر مرة أخرى، حيث يطلب من قارئي نصه أن يتخيلوا بأن ذلك الحجر يفكر، وأنه يبذل جهدا مادام مستمرا في حركته، يقول صاحب النص :” في هذه الحالة سيعتقد ذلك الحجر أنه حر وأن لديه إرادة في التحرك”. ليعمم ذلك المثال على الحرية الإنسانية. فالحرية الإنسانية ليست إلا فكرة نابعة عن جهل بالضرورات والحتميات التي تغيب الحرية والإرادة.
خلاصة القول أن صاحب النص يرى في الحرية مجرد فكرة نابعة عن جهل بالأسباب، وأن كل شيء بما في ذلك الإنسان يخضع في فعله ووجوده لسبب (علة) خارجي. لكن ألا يمكن القول بدلا من ذلك أن الإنسان يمكن أن يسلك بحرية وبإرادة؟
لا يمكن أن ننكر أن لتصور صاحب قيمته، فهو تصور يتجاوز التصورات التي ترى أن الإنسان حرا حرية مطلقة، يتصرف وفق إرادته ومشيئته، ويستطيع تجاوز كل الحتميات والضرورات. إلا القول بخضوع الإنسان للعلل الخارجية وللحتميات والضرورات هو نفي لتميز الإنسان عن الحيوان بالوعي، ونفي لقدرته على تجاوز عالم الطبيعة والسلوك بحرية. إذن ألا يمكن القول بأن الوجود الإنسان وجود حر يتجاوز الإشراطات الطبيعية البيولوجية؟ يمكن القول بأن الإنسان يمكن أن يتجاوز كل الإكراهات والضرورات والحتميات. فالإنسان مشروع وأن ماهيته هي الحرية كما قال بذلك الفيلسوف جون بول سارتر، فالإنسان يتميز بالوعي وبالحرية، الشيء الذي يمكنه من تجاوز ما هو موجود، أي تجاوز الإكراهات والضرورات الاجتماعية والاقتصادية. إن الإنسان حسب سارتر ليس مجرد وسيلة خاضعة توجهها دوافع وقوى خارجة عنها. إن الإنسان من وجهة نظر الوجودية السارترية مشروع. لكن، إذا كان الإنسان يستطيع التصرف بحرية، نظرا لما يمتلكه من وعي، فإن وعيه هذا يكون مجردا خاضع للاوعي، ففرويد يرى أن هناك ما يحد ويحكم حرية الإنسان، حيث يخضع الإنسان حسب قوله إلى ثلاثة أشداء وهم: العالم الخارجي والهو والأنا الأعلى…
إذن نخلص إلى أن الحرية تبقى مفهوما إشكاليا، ومأزقا فلسفيا، حيث أن الإنسان يتراوح في سلوكه بين الحرية وبين الحتمية، فيمكن أن يكون حرا انطلاقا من تميزه بالوعي والإرادة، لكن يمكن أن يكون خاضعا للحتمية، حيث يكون الإنسان غير قادر على تجاوز الضرورات والإكراهات، التي قد تكون سيكولوجية أو اجتماعية أو اقتصادية. لكن رغم كل ذلك، تبقى الحرية قيمة اخلاقية وغاية إنسانية، تميز الكائن الإنساني عن باقي الكائنات الأخرى.
2- الحرية والإرادة
تحليل سؤال إشكالي مفتوح:
هل تسمح الإرادة بحرية مطلقة؟
يتحدد الوجود الإنساني بكونه وجود أخلاقي، تحكمه القيم الأخلاقي. والحديث عن القيم الأخلاقية يدفعنا إلى الحديث عن مفهوم الحرية الذي يأتي في مقابل مفهوم الحتمية. والحديث عن مفهوم الحرية يدفعنا إلى الحديث عن علاقة الحرية بالإرادة، فهذين المفهومين مفهومان متلازمان. والحديث عن علاقة الحرية بالإرادة يدفعنا إلى البحث في إمكانية أن تقود الإرادة إلى حرية مطلقة، من عد إمكانية ذلك. أي إن كان الإنسان يستطيع التصرف وفق حرية مطلقة انطلاقا من إرادته، أم أنه لا يستطيع تجاوز الإكراهات. إذن، ما الحرية؟ وما الإرادة؟ وهل تسمح الإرادة بحرية مطلقة للإنسان، أم أن الإنسان لا يستطيع تجاوز الإشراطات والإكراهات سواء كانت اجتماعية أو نفسية؟ بمعنى آخر هل للإنسان القدرة على السلوك والتصرف بحرية أم لا؟ وإن كان يستطيع ذلك، فهل يمكنه السلوك والتصرف بحرية مطلقة أم نسبية فقط؟
قبل الإجابة لابد أولا من تحليل هذا الإشكال الفلسفي، المتعلق بعلاقة الإرادة بالحرية. من حيث المضمون فالسؤال الإشكالي يساءلنا عن الإرادة، وبالضبط إن كانت الإرادة تسمح بالحرية المطلقة. بمعنى آخر، إن كان الإنسان يستطيع التصرف بحرية مطلقة نظرا لما يتميز به من إرادة ، متجاوزا كل الإكراهات والإشراطات والضرورات، أم أن الإنسان لا يستطيع بلوغ الحرية، وحتى إن استطلع ذلك فلن يستطيع بلوغ حرية مطلقة وإن حرية نسبية فقط. من هنا يتبين لنا أنه لابد أولا من تفكيك بينية السؤال المفاهيمية. يتضمن السؤال مفهومين أساسين وهما الحرية والإرادة. وتدل الحرية في دلالتها العامة على قدرة الإنسان على الفعل أو الإمتناع عنه، بعيدا عن كل إكراه كيفما كان مصدره، بمعنى آخر فالحرية هي حالة الكائن الذي لا يعاني إكراها. أما الإرادة فهي القدرة على الإختيار والتصرف وفق ما يمليه تفكير الفرد. ويظهر حسب السؤال الإشكالي أن مفهوم الحرية مرتبطا بمفهوم الإرادة، ولا يمكن تصور حرية بدون إرادة. بعد تفكيك السؤال مضمونا ومفاهيمية يمكن أن نبين كيف أن الإرادة يمكن أن تمكن الإنسان من السلوك بحرية.
يرى ديكارت وهو فيلسوف فرنسي، أن الإنسان كائن حر في اختياراته، وأن هذه الحرية تقوم على الإرادة. فالإرادة حسب ديكارت لا تخضع لأي إكراه خارجي، كما تعد أكمل وأعظم ما يمتلك الإنسان لأنها تمنحه القدرة على فعل الشيء أو الإمتناع عن فعله انطلاقا من معرفة مسبقة بالفعل وبنتائجه، فهي التي تخرجه من وضعية اللامبالاة وتدفعه إلى الإنخراط في مجال الفعل والمعرفة والإختيار الحر. وفي هذا السياق يميز ديكارت بين حرية سلبية تتجلى في اللامبالاة، وبين حرية إيجابية تتمثل في القدرة على التصور والحكم والتحرر.
خلاصة القول، أن الإنسان قادر على السلوك والتصرف بحرية، انطلاقا من ما يتميز به من إرادة. لكن ألا يمكن أن يكون القول بحرية الإنسان انطلاقا من إرادته قولا خاطئا يجهل ما يحكم الإنسان من حتميات وضرورات؟
لا يمكن أن ننكر ان الحرية قيمة إنسانية، تميزه عن عالم الطبيعة الذي هو عالم الحتميات والضرورات والإكراهات، من هنا كان ذلك التأكيد على كون الحرية ماهية الإنسان. ولعل أبرز من مثلوا هذا الموقف هو الفيلسوف الفرنسي جون بول سارتر، الذي نصب نفسه عدوا لدعاة الجبرية والحتمية. فالإنسان حسب وجودية سارتر يشكل ذاته وهويته ويحددها في ضوء ما يختاره لنفسه كمشروع في حدود إمكانيته. فيكون الإنسان من هذا المنظور الذي عبرت عنه الوجودية، ليس فقط كما يتصور ذاته فحسب، بل كما يريد أن يكون. وبهذا يكون سارتر مدافعا عن الموقف الذي يرى الإنسان حر من خلال إرادته في أن يكون ما يريد. وإذا أردنا مقاربة مفهوما الإرادة والحرية من منظور أخلاقي، فلابد من استحضار الفيلسوف الالماني كانط. فكانط يرى أن المجال الذي تمارس فيه الإرادة الحرة فعلها هو مجال الأخلاق. ذلك أن الإنسان يستطيع ككائن عاقل أن يعتمد على إرادته الحرة في وضع القواعد العقلية للفعل الإنساني. وعندما يخضع الإنسان لهذه القواعد فإنه يمتثل لإرادته ويمارس حريته. إلا أن هذا القول لم يلقى ترحيبا من طرف بعض الفلاسفة، ونذكر هنا الفيلسوف الألماني نيتشه، الذي ذهب إلى انتقاد الأخلاق الكانطية، باعتبارها اخلاق تقصي ما هو حسي وغريزي في الإنسان، وبالتالي فهي تقصي ما هو إنساني في الإنسان. لذلك أكد نيتشه على أن الإرادة الحرة هي إرادة الحياة التي يحياها الفرد كام يريد وكما يشاء، بعيدا عن كل حتمية أخلاقية كانت أو اجتماعية. ورغم كل ذاك فهناك من ينفي خاصية الحرية والإرادة عن الإنسان، حيث ان أن الإنسان مثله مثل باقي الكائنات الأخرى يخضع للعلل الخارجية، التي تحدد وجوده وفعله.
هكذا يتبين لنا أن الحرية ترتبط بالإرادة، وأن الإرادة تسمح للإنسان بتجاوز المحددات الإكراهات، سواء كانت اجتماعية او اقتصادية أو طبيعية، كما تبين لنا كيف أن الإنسان انطلاقا من إرادته يستطيع أن يحيا حياته كما يشاء، وأيضا أن يضع القواعد الإخلاقية التي تنظم حياته الإجتماعية. إلا أن هناك من عارض فكرة حرية الإنسان، وبالتالي فكرة الخضوع للإرادة أيضا. من هنا يظهر لنا كيف أن مفهوم الحرية وعلاقته بمفهوم الإرادة كان محط مقاربات فلسفية متعددة، حاولت الكشف عن ما هو باطن، والإجابة عن ما هو إشكالي، فلا يمكن البحث في المجال الأخلاقي دون البحث في قضية الحرية.
3_. الحرية والقانون
تحليل قولة فلسفية:
“الحرية هي حق فعل ما تبيحه القوانين”تابع قراءة في الأسفل