تحضير البنية الفنية في مسرحية ابن الرومي في مدن الصفيح
ملخص البنية الفنية في مسرحية ابن الرومي في مدن الصفيح
مرحباً اعزائي طلاب وطالبات جذع مشترك آداب وعلوم إنسانية باك 2022 2023 يسرنا بزيارتكم في موقع باك نت baknit.net أن نقدم لكم من كتاب رحاب اللغة العربية تحضير وتحليل ملخص دروس ونصوص اللغة العربية للسنة الاولى والثانية جذع مشترك كما نقدم لكم الأن أعزائي طلاب وطالبات //. البنية الفنية في مسرحية ابن الرومي في مدن الصفيح
الإجابة هي كالتالي
البنية الفنية في مسرحية ابن الرومي في مدن الصفيح
1- الفضاء في المسرحية
يظل عبد الكريم برشيد في احتفاله المسرحي وفيا لفضائه الأثير الممثل في ساحة الحي:
" يرفع الستائر عن ساحة تحيط بها مجموعة من دور القصدير وأخرى من القصب. ظلام شبه تام، تنبعث من "النوافذ" أضواء خافتة ترسلها شموع هزيلة "
"تنطفئ الأنوار بينما يبقى الستار مسدلا بفتحة متحركة تكشف عن رجل متحرك يخترق صفوف الجمهور"
إن الساحة تشكل البؤرة التي سيلتقي فيها ابن دنيال بجمهوره، فهي فضاء الفرجة التي تتيح إمكانية استعادة لحظات حميمية ولقاء مباشرا بين الممثلين والجمهور دون فواصل أو قطائع.
هذا، وقد وظفت الإضاءة كتقنية تسعف في خدمة ثنائية الإخفاء والكشف "يغرق المنظر الخلفي داخل بقعة مظلمة. تُحرك إلى الأمام قطع سينوغرافية تمثل دار ابن الرومي يسمع طرق شديد على الباب " إن غاية هذه الإشارة الواردة في هذا الإرشاد المسرحي هي رسم البيت الذي به يحيا ابن الرومي في وحدة قاتلة وعزلة مملة بعيدا عن هموم الناس وقضاياهم. وكذا الدلالة على الفقر والتهميش. يقول المقدم وهو في ساحة الحي: "اسمعوا لقد قرر أعضاء المجلس البلدي أن يقوموا بترحيل سكان هذا الحي إلى مكان ما... وعليه فلا بد من إفراغ حي القصدير حالا حتى يمكن هدمه من بناء فنادق سياحية جميلة"
ولم يكن فضاء الحي القصديري قاتما تماما وسلبيا كليا، بل تضمن دلالات أخرى تجعل الحياة فيه أمرا ممكنا والاستمرار في العيش فيه متاحا، من قبيل العلاقات الاجتماعية الوطيدة بين ساكنيه؛ مما يؤشر على التضامن والتعاون والتآزر، علاوة على لحظات وجدانية منحت ابن الرومي شحنة نفسية في مواجهة الفقر، ويتعلق الأمر بعلاقة العشق بينه وبين عريب، حيث تحول بيته من سجن قاتم إلى مكان ينبض بالحياة بفعل عريب. يقول ابن الرومي:
" عريب، الكون ظلام وعماء، فكيف بلا نور أهتدي؟ امنحيني رفقتك فأنا الآن سجين الإسمنت والحجارة، سجين هذا السقف، سجين بغداد، سجين وساوسي وأوهامي السقيمة...
2- دمج الأزمنة والطابع الرمزي
إن أحداث المسرحية، بكل بساطة، تجري في الماضي والحاضر على السواء، لأن ابن الرومي وعصره هما مجرد خلفية تاريخية يراد منها تعرية الواقع الحالي بطريقة ترميزية. الزمن، إذن في المسرحية، هو كل الزمن العربي، والمكان هو كل المكان العربي على حد تعبير كاتب المسرحية نفسه. فغالبا ما تميل المسرحيات الاحتفالية إلى كسر دائرة الانغلاق الزماني والمكاني، " فالزمن الذي يدور فيه الحوار المسرحي هو زمن معنوي لا حدود له ولا معالم، فهو أشبه ما يكون بالأبدية...". ومن أمثلة دمج الماضي بالحاضر زمانا ومكانا: يقول أشعب لابن الرومي: "هل نسيت أني راديو الحي ولا فخر؟"
فاسم أشعب يحيلنا إلى الشخصية التي عاشت في الماضي، وكلمة راديو تشير إلى فضاء حديث. أما عريب فتقول في أحد حواراتها الذاتية: "راقصة كنت في بيكال ... عارضة للأزياء كنت في باريس ... أنا عريب يعرفني نخاسو بغداد والقاهرة".
وهكذا نجد شخصية عريب حاضرة في جميع الأزمنة والأمكنة. إنها تتحول إلى رمز كل امرأة في العالم تخضع للاستغلال.
3_ استخدام تقنية المسرح داخل المسرح
من أهم مبادئ المسرح الاحتفالي تحويل المسرح إلى مجال لتحريك وعي الوعي، أي جعل التشخيص المسرحي نفسه خاضعا للمساءلة والمناقشة والتعليق من داخل التشخيص نفسه. وهذا ما يطلق عليه التمسرح أو المسرح داخل المسرح.
ومسرحية ابن الرومي تكاد تكون مبنية من بدايتها إلى نهايتها على هذه التقنية، فابن دانيال وابنته يفتتحان العرض المسرحي بظهورهما على الخشبة، لكنهما بدورهما يحركان لوحات مسرحية بواسطة عربة خيال الظل التي تحتل، بعالمها، جانبا من مسرحهما، فيتواريان، ثم يظهران عند نهاية كل لوحة أو بدايتها للقيام بتحريك جديد أو إغلاق. يقول ابن دانيال في نهاية اللوحة الرابعة ممهدا لإطلاقه لوحات مسرحية : " سأحكي عن شاعر فقير يعيش مثلكم في أكواخ القصدير، سأحكي عن ابن الرومي الجديد ... ". إن دورهما يماثل إلى حد كبير دور السارد في الرواية، لكنه سارد من نوع خاص لأنه لا يكتفي بالتدخل بل يستعين بوهم إطلاق عالم التشخيص بواسطة آلة خيال الظل، والمسألة هنا ليست سوى لعبة إيهامية لتكسير الرتابة المعروفة في العروض المسرحية التقليدية التي تقدم عرضها مباشرة للجمهور، وهذا الإجراء شبيه بخاصية التغريب distanciation في مسرح بريخت أي تحويل المواقف اليومية لمعاناة الناس، بواسطة تدخل السارد، إلى واقع مدهش يستحق الاهتمام عبر إدراكها في حالة عزلة وغربة، والهدف من ذلك تمكين الجمهور من الوقوف على مبعدة من الوقائع المعروضة ليصبح قادرا على اتخاذ موقف نقدي تجاهها، أما الإجراءات المؤدية إلى خلق حالة التغريب فهي:
- إظهار تناقضات الشخصية.
- جعل الممثل يعرّف بدوره في نفس الوقت الذي يؤدي فيه هذا الدور.
- فتح إمكانية أداء أدوار متعددة في عرض واحد لممثل واحد.
- استخدام الإنشاد والأحلام والمونولوجات الداخلية.
- إدخال السرد في نطاق الحوار، فكل شخصية يمكن أن تتحول إلى سارد.
ومعظم هذه الخصائص سنجدها في مسرحية ابن الرومي في مدن القصدير مما يدل على أن للكاتب صلة ما بالمسرح البريختي.
تستخدم تقنية المسرح داخل المسرح أيضا على مستوى شخصيات المسرحية الأخرى حيث نرى مثلا جوهرة وحبابة في اللوحة السادسة تتقمصان دور رجلين وتتحاوران مع عريب التي تحتفظ بدورها الحقيقي كجارية:
- جوهرة ( وهي تمثل دور رجل) عجبا ترد لي مطلبا حقيرا وأنا من أنا . عريب، هل نسيت أنني أكبر المقاولين في بغداد؟
- عريب : ولتكن ...
- حبابة ( وهي تمثل أيضا دور رجل) وأنا هل نسيت مركزي في كل بغداد؟
4- السخرية:
أساليب السخرية في الأعمال المسرحية وسيلة لإدراك المفارقات والمواقف المثيرة، وهي لذلك بالغة الأهمية في إثارة انتباه المتلقي إلى عمق العيوب الفردية والتناقضات الاجتماعية. والسخرية من أهم الوسائل الفنية لبلورة مواقف الشخصيات وما يميزها من تعارض بين الأقوال والأفعال.
أبرز شخصية كانت موضع سخرية في هذه المسرحية شخصية المقدم الذي كان يستهلك خطابا معسولا؛ لكنه يخفي دائما وراءه أخبار السوء بالنسبة للبؤساء في مدن القصدير.
- المقدم: أنتم نخبة هذا الحي...أخبروني أولا: هل تعلمون لماذا أتيتكم؟
- حمدان: جئت تحمل أخبار السوء كعادتك...
- سعدان : فما رأيناك إلا رسول الشؤم والنحس.
ومن النماذج الجيدة لما يمكن تسميته بالسخرية الهادئة مقطع الحوار الذي يسخر فيه ابن الرومي من أشعب المغفل، حين يسأله أشعب : كيف تراني (وهو يزهو مفتخرا)، عندئذ يقول له ابن الرومي: كالرقعة في سراويل المهرجين.
5- الإضحاك
يعد الإضحاك من الأدوات الفنية في التعبير المسرحي، حيث يضفي الحيوية على العرض المسرحي، وهو مظهر من مظاهر الاحتفال والفرجة، دوره تحقيق مواصلة الانتباه بالنسبة للمتلقين، وهو يقدم لذلك متعة عقلية أو تخييلية، إنه بمثابة مكافأة تقدم إلى الجمهور جزاء انتباهه إلى ما يعرض أمامه من مواقف وأحداث وآراء، ومن نماذجه:
- أشعب: أخبروني أيضا، هل أقوله (يقصد الخبر) واقفا كالخطباء أم جالسا كالعلماء؟
- دعبل الأحدب: قله وأنت طائر في الهواء.
- أشعب: بإمكاني ذلك أيضا.
إن توظيف عنصري السخرية والإضحاك من خصائص المسرح الشعبي، وتقليد معروف في أنماط الكتابة المسرحية التي تقوم على الاحتفال.
6- توظيف الأدب الشعبي والسرد الخطابي:
من أهم علامات الاحتفالية في المسرح توظيف العادات والتقاليد والتاريخ والأدب الشعبي والأسطوري وجميع أشكال الفرجة الاجتماعية، كما أن توظيف خيال الظل يدخل في هذا الإطار الفني، ويصبح آلية حيوية لتكسير رتابة المسرح التقليدي.
تستغل صور وأشكال الشخصيات الأسطورية على المستوى السينوغرافي كما هو واضح من الإرشادات المسرحية الخاصة بالديكور أو المؤثثة للركح: "موسيقى مرحة تظهر على الستارة. صور ظلية ذات أبعاد تاريخية وأسطورية ". ويتم تأكيد حضور الحكايات الشعبية العربية القديمة على لساني السارد ابن دانيال وابنته دنيازاد:
- ابن دانيال: (مقدما الصورة الأولى) سيدنا علي.
- دنيازاد: ... فوق السرحاني...
- ابن دانيال: مع العاتي راس الغول (موسيقى تختفي الصورة وتظهر أخرى)
- دنيازاد: الفارس المغوار.
- ابن دانيال: أبو زيد الهلالي... إلخ.
على أن توظيف المعطيات الواقعية للحياة الشعبية وغيرها من العناصر الاحتفالية، إنما هو وسيلة فقط لتحريك الواقع والبحث فيما هو ممكن.
وقد سمح استخدام شخصيتين ساردتين أيضا بالتقليل إلى حد ما من الهيمنة التامة للحوار في اللوحات المسرحية. لذا تم توظيف المونولوج الذاتي، إضافة إلى ما نسميه السرد الخطابي الذي يستلهم ما يشبه خطاب الحلقة بلغة غير دارجة، ولكن بكثير من خصائص الخطاب الشفوي الذي نسمعه في الحلقات الشعبية. ومن أمثلته:
- دنيازاد: ( تضحك، تنادي في الجمهور المنشغل عنها )
ساداتي ، اقتربوا ... اقتربوا ...
سأحكي عن الملاحم الجديدة، عن حاملي المشاعل والبنادق، عن زارعي الزيتون والورد والبرتقال، عن سواعد ترفع للسماء غدا وتهدم أمسا .
7- الديكور
يرى "بارت" أن المسرح يبث عددا من الإرساليات المتزامنة، أي في وقت واحد. وكل إرسالية لها إيقاعها الخاص ومدلولاتها الإخبارية الخاصة. وفي مقدمتها الديكور والملابس والإنارة والممثلون وحركاتهم وإشاراتهم وكلامهم.
وفي مسرحية "ابن الرومي في مدن الصفيح" نتلقى كل المعلومات الخاصة بالديكور عن طريق اللغة في خانات الإرشادات المسرحية. وهي في الغالب مقاطع وصفية شبيهة إلى حد ما بمقاطع الوصف في الروايات. تبدأ اللوحة الثانية هكذا: " يرفع الستار عن ساحة تحيط بها مجموعة من دور الصفيح، وأخرى من قصب، ظلام شبه تام، تنبعث من النوافذ أضواء خافتة ترسلها شموع هزيلة... إلخ ".
وعلى العموم فإن المسرحية حافلة بشتى أنواع التقنيات التعبيرية ووسائل الأداء الفنية. وبقي أن نشير إلى الإنارة والظلال والموسيقى لتكتمل معالم الصورة الفنية للعرض المسرحي، وهو عرض يمثل بجميع عناصره المتفاعلة مثالا دالا على الاتجاه الاحتفالي الذي تبناه برشيد خلال حياته الفنية الطويلة.
8- الشعر والإنشاد
لتدعيم الطابع الاحتفالي والفرجوي طعّم برشيد الحوار المسرحي باللغة الشعرية وبالإنشاد. ويرتبط ظهور الشعر في هذه المسرحية بالحوار الذاتي، ويجري على لسان شخصية شاعرة هي شخصية ابن الرومي، إلا أن عنصر الإدهاش في هذا الإجراء هو أن ابن الرومي لا يلقي شعرا تقليديا كما نتوقع، بل يعبر عن حالته المتأزمة بشعر حر كالآتي :
" آه لو كنت أقرأ الرمل والكف
لأنزع عن عيوني الأسيرة
حديد القيد والقفل
آه لو كنت بحارا أو عرافا من فينيقيا
لأرحل في أحداق ساعة،
أطوف الغد والآتي
ثم أعود بالنبأ..."
أما الإنشاد والغناء، فغالبا ما يتصلان في المسرحية بتجسيد الأحزان الجماعية أو التحميس على ارتياد المواقف الإيجابية ذات البعد الاجتماعي. هكذا نجد أصحاب ابن الرومي من جيرانه في حي القصدير يحاولون بالغناء توجيه انتباهه إلى ما تمثله عريب من رموز وقيم عليا كان عليه أن ينتبه إليها:
- المجموعة: (تغني) عجبي لك يا مالك الشمس
استخدام الشعر والغناء في هذه المسرحية يعكس غالبا مواقف أساسية لدى بعض الأبطال الطامحين إلى التحرر والانعتاق من ربقة الاستغلال والقهر. كما يعكس روح التضامن والألفة والنصيحة المتبادلة بينهم لأجل ترسيخ هذه القيم. لذا كان معظم الشعر والإنشاد في المسرحية جاريا على لسان الشخصيات التي تحمل هذه القيم، أما الشخصيات المناوئة لها فلا يرد على لسانها شيء من ذلك.