0 تصويتات
في تصنيف علم المواريث مبسط بواسطة (627ألف نقاط)

سؤال:هل التعدد في الزواج أصل أم استثناء؟

الجواب المختصر: التعدد استثناء لو اقتضته الضرورة والأصل الواحدة.

الجوالب المفصل:

يقصد بتعدد الزوجات أن يكون في عصمة الرجل أكثر من زوجة واحدة وهو من الموضوعات التي تثير جدلا واسعا في أوساط الناس.

وليس في حكم شرعي مطلقا شرعه الله تعالي أن يثير جدلا بين موافق ورافض فأحكام الله لها القبول سمعا وطاعة... ومصدر الجدل ما لقيه الموضوع من انتقادات لاذعة من أعداء الإسلام وقد تبعهم في ذلك بعض المسلمين فرأوا أن زواج الرجل بأكثر من واحدة هو من قبيل ظلم المرأة وإهانتها وهؤلاء جميعهم قد طعنوا في الإسلام من حيث أصابوا ولا أدلَ على ذلك أن حدة النقد قد خفتت في أواخر القرن العشرين حتى إن بعض المثقفين من غير المسلمين بدؤوا ينادون باعتماد التعدد حلا لكثير من المشكلات الاجتماعية بدءا من انحلال الأسرة وليس انتهاء بظهور مشكلة أولاد الزنا الذين تعج بهم الدوائر المختصة في الدول التي تحارب تعدد الزوجات. 

وكونهم ينادون من بعيد أو قريب بتطبيق جزئي من الإسلام يعني ليس حكما أصليا فمعناه أن الإسلام عنده الحلول الأصلية والإحتياطية(الإستثنائية)

حكمه والأدلة على مشروعيته:

...............................................

التعدد مباح في الأصل وليس أصلا ولا سنة وقد يأخذ حكما مختلفا تبعا لكل حالة بعينها ونحن هنا نعول على الأصل فقد وردت الآيات والأحاديث مبينة حله ومشروعيته. 

(1) قال الله تعالى:(وإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا)(النساء،3)

وقوله: (مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ )أي: انكحوا ما شئتم من النساء إن شاء أحدكم اثنتين وإن شاء ثلاثا وإن شاء أربعا، كما قال تعالى: (جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ) (فاطر 1) أي: منهم من له جناحان ومنهم من له ثلاثة ومنهم من له أربعة ولا ينفي ما عدا ذلك في الملائكة لدلالة الدليل عليه بخلاف قصر الرجال على أربع فقد فهم القصر من هذه الآية كما قاله ابن عباس وجمهور العلماء لأن المقام مقام امتنان وإباحة فلو كان يجوز الجمع بين أكثر من أربع لذكره(ابن كثير تفسير ج2ص210)

(2) قال الله تعالى {(ولَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيما) (النساء129) وفي الآية دليل على إباحة التعدد فقد ذكرت الآية السبيل الأمثل في العدل بين الزوجات عند وجود الميل القلبي إلى إحداهن ولو كان التعدد حراما لنصت الآية على حرمته وبينت مساوئه دون ذكر تفاصيل أحكامه وما تعلق حكمه بحكم غير ممكن للجميع فلا يكون أصلا أبدا في شريعتنا.

(3)عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وعنده عشر نسوة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمسك أربعا ويفارق سائرهن وليس هذا من وجازة التعدد ولكنه ارتكاب أخف الأضرار في المباحات من سد الزرائع والمصالح المرسلة.

ضوابط إباحة التعدد:

................................

(أ) العدل بين الزوجات: 

فمن غلب على ظنه أنه سيظلم فلا يباح له التعدد وإذا امتنع التعدد فلا يكون أصلا لأنه لا يجوز أن يكون حكما أصليا ويجوز للبعض ويمنع منه البعض.                                                                   

والمقصود بالعدل ما كان بيد الإنسان تحقيقه كالنفقة والمبيت والمسكن قال تعالى:(فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة)(النساء129) 

أمّا الميل القلبي فلا سبيل للإنسان عليه فلا يؤاخذ الرجل به. وقوله تعالى:(ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم)(النساء129) أي: لن تستطيعوا أيها الناس أن تساووا بين النساء من جميع الوجوه فإنه وإن حصل القسم الصوري: ليلة وليلة فلا بد من التفاوت في المحبة والشهوة والجماع كما قاله ابن عباس وعبيدة السلماني ومجاهد والحسن البصري والضحاك بن مزاحم( ابن كثير تفسير ج2ص431)         

وإذا حصل أن أحب واحدة أكثر من الأخرى فلا ينبغي أن يميل كل الميل إلى إحداهن بأن يبالغ في إرضائها والإِقبال عليها حتى تصير الأخرى التي مال عنها وهجرها كالمعلقة أي كالمرأة التي لا هي بذات زوج فتنال من حقوقها الزوجية ولا هي بمطلقة فترجو من الله أن يرزقها بالزوج الذى يكرمها وإنما الواجب عليكم يا معشر الرجال أن تجاهدوا أنفسكم حتى تصلوا إلى الحق المستطاع من العدل بين الزوجات وفي الآية الكريمة توبيخ للأزواج الذين لا يعدلون بين نسائهم فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(من كانت له امرأتان فمال إلى أحداهما أي لم يعدل بينهما فيما يمكنه العدل فيه جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط)( سنن أبي داود باب القسم بين النساء رقم الحدبث1821وسنن ابن ماجة باب القسم بين النساء رقم الحدبث1959) وعن مجاهد قال: كانوا يسوون بين الضرائر حتى في الطيب يتطيب لهذه كما يتطيب لهذه(مصنف ابن أبي شيبة باب ما قالوا في العدل بين النسوة إذا اجتمعن ج3ص447)  

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم فيعدل فيقول: (اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك) قال إسماعيل القاضي يعني القلب وهذا في العدل بين نسائه(الحديث رواه الحاكم ح رقم 2711 ) وقال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وسنن أبي داوود باب العدل بين النساء ح رقم 1822وسنن الترمذي باب ما جاء في التسوية بين الضرائر ح رقم 1059والنسائي ح رقم 3882وابن ماجة ح رقم 1961)

(ب) القدرة على الإعالة: 

ذلك أن النفقة على الزوجة واجبة فزواج غير القادر ظلم متحقق بالمرأة.

وتشمل النفقة الطعام والشراب والكسوة والمسكن والأثاث اللازم لها ويجب أن تكون لدى الرجل الذي يقدم على الزواج القدرة المالية على الإنفاق على المرأة التي سيتزوجها وإذا لم يكن لديه من أسباب الرزق ما يمكنه من الإنفاق عليها فلا يجوز له شرعا الإقدام على الزواج من ثانية بل ولا حتي من الزواج بالأولي لأن القدرة شرط من شروط الزواج قال الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم:(يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)( صحيح مسلم ج9 ص172 وابن حجر في فتح الباري ج9ص112) 

والباءة هي القدرة على تكاليف الزواج ويظهر هذا من خلال توجيه النبي صلى الله عليه وسلم للشباب بأن من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج فهو محمود ومطلوب ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء يعني وقاية من الوقوع في المعاصي فمن لم يقدر علي تكاليف الزواج أو ليس بمقدوره القيام بالزوجية بأي شكل من أشكال القدرة فالصوم بديل الزواج للصيانة والحفظ من الوقوع في المعاصي.

وهذه القدرة في الزوجة الأولي لأنها الحكم الأصلي ومن أراد التعدد بعد الأولي بدون عنت للغير أو إضرار بالأولي وأراد الثانية فنفس ما ينطبق علي الحكم الأصلي فبالضرورة منطبق علي الحكم الاستثنائي وهو التعدد. 

وهكذا الأمر بالنسبة للرجل الذي لا يستطيع أن ينفق على أكثر من زوجة واحدة فإنه لا يحل له شرعا أن يتزوج بأخرى فالنفقة على الزوجة أو الزوجات واجبة بالإجماع(المغني جـ7 ص564)

وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن حق الزوجة على زوجها فقال مخاطبا السائل:(وتطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت)( سنن أبي داود جـ1 ص334)

(ج) التقيد بالعدد: 

فلا يصح لرجل أن يبقي تحت عصمته أكثر من أربع لقوله تعالى:(مثني وثلاث ورباع)                  

وقد وردت الآية في مقام الإمتنان والإباحة فلو كان يجوز الجمع بين أكثر من أربع لذكره(ابن كثير تفسير ج2ص210)

 وفي حديث غيلان ابن سلمة لما أسلم أمره صلى الله عليه وسلم أن يبقي أربعا من نسائه ويفارق سواهن(المستدرك ح رقم2734وسنن الدار قطني باب المهر وما يتبعه ح رقم3727 ومعرفة السنن والآثار باب نكاح المشرك ح رقم4425)

(د) عدم الجمع بين ذوات الرحم: لأن ذلك يؤدي إلى قطع الرحم التي أمر الله بها أن توصل فإن العلاقة بين المرأة وضرتها قائمة على المشاحنة والغيرة بخلاف تلك التي تقوم بين المرأة وذوات رحمها من النساء قال الله تعالى في سياق من يحرم على الرجل الزواج منهن:(وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف)(النساء23)                     

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها)(صحيح البخاري ج5 ص1965 وقد ورد الحديث بألفاظ مختلفة قليلا في كتاب سنن الترمذي ج2 ص297) وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تنكح المرأة على عمتها أو العمة على ابنة أخيها أو المرأة على خالتها أو الخالة على بنت أخيها(سنن الترمذي ج2 ص297وسنن أبي داود ج1 ص322)

ادعات باطلة في هذا السياق:

....................................

الإدعاء الأول: 

هذا وقد ادعى بعض الذين لم يفهموا تعاليم الإِسلام فهما سليما أن هذه الآية بضمها إلى قوله تعالى في مطلع هذه السورة:(فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة)(النساء3) يكون منع تعدد الزوجات جائزا شرعا لأن الله تعالى قد بين في قوله:(ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم)(النساء129) أن الجمع بين النساء غير جائز إلا عند الوثوق من العدل بينهن وبما أن العدل بينهن غير مستطاع بنصِ الآية فالجمع بين النساء غير جائز وعلى الرجل أن يكتفيَ بواحدة وقالوا إن الحكم معلق علي ممتنع فيكون التعدد هو الآخر ممتنعا.

وللرد على هذه الدعوى نقول

يتبع في الأسفل 

1 إجابة واحدة

0 تصويتات
بواسطة (627ألف نقاط)
 
أفضل إجابة
وللرد على هذه الدعوى نقول:

إن العدل الذى أخبر الله عنه أنه غير مستطاع هو العدل الذى يتعلق بالتسوية بين الزوجات في الميل القلبي والتجاوب العاطفي إذ من المعلوم أن هذه الأمور النفسية لا يستطيع الإِنسان أن يتحكم فيها .

أما العدل الذى جعله الله شرطا في جواز الجمع بين الزوجات فهو العدل الذى يتعلق بالتسوية فيما يقدر عليه الإِنسان ويملكه مثل التسوية بينهن فى النفقة والكسوة والسكنى والمبيت وغير ذلك من الأمور التي يقدر عليها .

وبهذا نرى أن موضوع الآية التى معنا يتعلق بالعدل غير المستطاع طبيعة كما جاء فى الحديث الشريف:(اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمنى فيما تملك ولا أملك)( المستدرك ح رقم2734) وقال الحاكم بعد أن روى الحديث: والذي يؤدي إليه اجتهادي أن معمر بن راشد حدث به على الوجهين أرسله مرة ووصله مرة والدليل عليه أن الذين وصلوه عنه من أهل البصرة فقد أرسلوه أيضا والوصل أولى من الإرسال فإن الزيادة من الثقة مقبولة والله أعلم (وسنن الدار قطني باب المهر ح رقم 3727 ومعرفة السنن والآثار باب نكاح المشرك ح رقم 4425)

وأما موضوع الآية التي فى صدر السورة وهي قوله تعالى:(فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) فيتعلق بالعدل الظاهرى الذى يقدر عليه الإِنسان مثل التسوية فى النفقة وغير ذلك مما يقدر عليه.

ومع هذا فالآية لم تطالب الرجل بالعدالة المطلقة الكاملة بين زوجاته بأن يسوى بينهن فى كل شيء لأن العدل بهذا المعنى غير مستطاع للمكلف ولو حرص على إقامته وبالغ فى ذلك وإنما الآية الكريمة طالبته بالممكن منه فكأنها تقول: إنكم أيها الرجال لن تستطيعوا أن تعدلوا العدل المطلق الكامل بين زوجاتكم فى القسم والنفقة والتعهد والنظر والمؤانسة والمحبة وغير ذلك مما لا يكاد يحصر(ولو حرصتم) على هذا العدل الكامل أتم الحرص لما استطعتموه ولذلك لم يكلفكم الله به إذ التكليف الشرعي إنما يكون بما فى الوسع والطاقة وإذا كان الأمر كذلك فاجتهدوا ما استطعتم فى العدل بين زوجاتكم ولا تميلوا كل الميل إلى واحدة منهن وتهملوا الأخرى إهمالا يجعلها كأنها لا هي بذات زوج ولا هي مطلقة .

فإن العجز عن العدل المطلق الكامل لا يمنع تكليفكم بما دون ذلك من المراتب التى تقدرون عليها كما يقول الحكماء: ما لا يدرك كله لا يترك كله .

وبهذا نرى أن الآيتين الكريمتين تدعوان المسلم إلى العدل بين زوجاته بالقدر الذى يستطيعه بدون تقصير أو جور وأنهما بانضمام معناهما لا تمنعان تعدد الزوجات كما ادعى المدعون( تفسير الوسيط لسيد طنطاوي ج1ص1093)

الإدعاء الثاني: زعم قوم أن الرجل يمكنه أن يعدد حتى تسعة وقد استدلوا بما يخالف منطق اللغة عندما قاموا بالجمع بين مثنى وثلاث ورباع وأنّها يساوي تسعة.

قال الزجاج في معرض تفسيره لقوله تعالى:(مثني وثلاث ورباع) هو بدل من (ما طاب لكم) ومعناه: اثنتين اثنتين وثلاثا ثلاثا وأربعا أربعا وإِنما خاطب الله العرب بأفصح اللغات وليس من شأن البليغ أن يعبر في العدد عن التسعة باثنتين وثلاث وأربع لأن التسعة قد وضعت لهذا العدد فيكون ما قالوا عِيا في الكلام .

وقال ابن الأنبا ري: هذه الواو معناها التفرق وليست جامعة فالمعنى: فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وانكحوا ثلاث في غير الحال الأولى وانكحوا رباع في غير الحالين وقال القاضي أبو يعلى: الواو هاهنا لإِباحة أيِ الأعداد شاء لا للجمع(زاد المسير للسيوطي ج1ص487)

فالاعتماد على الآية لإباحة التعدد حتى تسع هو مخالف لقواعد اللغة وما ورد من أحاديث كلها جزمت بعدم جواز الزواج بأكثر من أربع.

الحكمة من مشروعية التعدد:

يتميز التشريع الإسلامي بالربانية أي أنه تشريع رب العالمين الذي خلق الخلق وهو أدرى بما يحقق لهم المصلحة في الدنيا والآخرة قال تعالى:(ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)(الملك14)                                              

ومن نظر إلى إباحة التعدد ضمن ضوابطه الشرعيه يرى حكمة التشريع في الأمور الآتية:

(1) وهذا التعدد ليس واجبا ولا سنة ولا مندوبا وإنما هو أمر أباحه الإسلام لأن ثمة مقتضيات عمرانية وضرورات إصلاحية لا يجمل بمشرع إغفالها ولا ينبغي له التغاضي عنها.

ذلك أن للإسلام رسالة إنسانية عليا كلف المسلمون أن ينهضوا بها ويقوموا بتبليغها للناس وهم لا يستطيعون النهوض بهذه الرسالة إلا إذا كانت لهم دولة قوية قد توفر لها جميع مقومات الدولة: من الجندية والعلم والصناعة والزراعة والتجارة وغير ذلك من العناصر التي يتوقف عليها وجود الدولة وبقاؤها مرهوبة الجانب نافذة الكلمة قوية السلطان(فقه السنة الشيخ سيد سابق ج2ص110.125 بتصرف يسير أفاد المعني)

ولا يتم ذلك إلا بكثرة الأفراد بحيث يوجد في كل مجال من مجالات النشاط الإنساني عدد وفير من العاملين ولا شك أن إباحة التعدد يخدم هذا الغرض.

ولقد أدركت الدول الحديثة قيمة الكثرة العددية وآثارها في الإنتاج وفي الحروب وفي سعة النفوذ فعملت على زيادة عدد السكان بتشجيع الزواج ومكافأة من كثر نسله من رعاياها لتضمن القوة والمنعة حتى أن بعضا من هذه الدول تستقطب إليها المهاجرين لزيادة نسبة السكان فيها(مثل أمريكا وكندا واستراليا ودول كثيرة من أمريكا اللاتينية)

(2) ثم إن استعداد الرجل للتناسل أكثر من استعداد المرأة فهو مهيأ للعملية الجنسية منذ البلوغ إلى سن متأخرة. بينما المرأة لا تتهيأ لذلك مدة الحيض (وهو دورة شهرية قد تصل إلى عشرة أيام وقد يعقبها دم استحاضة) ولا تتهيأ كذلك مدة النفاس والولادة (وقد تصل هذه المدة إلى أربعين يوما أو أكثر حسب التركيب البيولوجي للمرأة) يضاف إلى ذلك ظروف الحمل والرضاع واستعداد المرأة للولادة ينتهي بين الخامسة والأربعين والخمسين بينما يستطيع الرجل الإخصاب إلى ما بعد الستين ولا بد من رعاية مثل هذه الحالات ووضع الحلول السليمة لها.

وقد يوجد عند بعض الرجال بحكم طبيعتهم النفسية والبدنية رغبة جنسية جامحة إذ ربما لا يكتفي بامرأة واحدة. وأمام هذه الفوارق الجبلية بين الرجال والنساء كان لا بد معالجة حكيمة لهذا الأمر.

وهذه من الأمور الواقعية التي لا نستطيع أن ننكرها أن الزوج يرغب في أداء الوظيفة الفطرية (الجنس) وقد لا تكون لدى المرأة رغبة في معاشرة الرجل لمرضها أو كبر سنها مع وجود رغبة مشتركة لدى الزوجين في دوام الحياة الزوجية وكراهية الإنفصال وهنا نجد أنفسنا في مواجهة هذه المشكلة أمام ثلاثة احتمالات هي:

أ- أن نكبت الرجل ونمنعه بالقوة من مزاولة نشاطه الفطري.

ب- إعطاء الرجل الحرية في معاشرة من يشاء من النساء (الساقطات)

ج- أن نبيح لهذا الرجل أن يتزوج بامرأة ثانية مع الاحتفاظ بزوجته.

ويظهر هنا أن الاحتمال الأول ضد الفطرة ومصادم لها وفوق طاقة الإنسان وإذا أكرهناه على ذلك فالنتيجة ستكون حتما كراهية الحياة الزوجية والنفور منها.

أما الاحتمال الثاني فهو ضد الأخلاق الإسلامية ويخالف المنهج الإسلامي الرامي إلى تطهير الحياة البشرية وتزكيتها.

ويكون الاحتمال الثالث هو وحده الذي يلبي ضرورات الحياة الفطرية الواقعية ويحقق المنهج الإسلامي ويحتفظ للزوجة الأولى بالرعاية ودوام العشرة(في ظلال القرآن سيد قطب)

(3) وقد تكون الزوجة عقيما لا تلد أو مريضة مرضا لا يرجى شفاؤها منه وهي مع ذلك راغبة في استمرار الحياة الزوجية فيكون زواجه من أخرى حلا يرضي الطرفين.

هذه بعض الأسباب الخاصة والعامة التي لاحظها الإسلام وهو يشرع لا لجيل خاص من الناس ولا لزمن معين محدود وإنما يشرع للناس جميعا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها فمراعاة الزمان والمكان لها اعتبارها وتقدير ظروف الأفراد لا بد وأن يحسب حسابها.

الآثار المترتبة على منع التعدد:

(1) منع التعدد قد يدفع البعض للعلاقات خارج إطار الزواج وما يترتب على ذلك من شيوع للفسق وما يتبعه من كثرة في مواليد السفاح.

(2) العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج تورث الأمراض البدنية الخبيثة والعقد النفسية والإضطرابات العصبية.

(3) انحلال عرى الصلات الوثيقة بين الزوج وزوجته واضطراب الحياة الزوجية وانفكاك روابط الأسرة.

(4) ضياع النسب الصحيح للأولاد حتى أن الزوج لا يستطيع الجزم بأن الأطفال الذين يقوم على تربيتهم هم من صلبه.

(5) إن منع التعدد في بعض الدول الإسلامية أدى لظهور زيجات بعيدة عن روح الإسلام وحكمة التشريع وقد ترتب على ذلك هدر لحقوق النساء لعدم اعتراف الدول المعينة بهذه الزيجات بحكم أنها مخالفة للقانون.

فهذه المفاسد وغيرها كانت النتيجة الطبيعية لمخالفة الفطرة والانحراف عن تعاليم الله تعالى وهي أقوى دليل وأبلغ حجة على أن وجهة الإسلام هي أسلم وجهة وأن تشريعه هو أنسب تشريع لإنسان يعيش على هذه الأرض.

هل يصح لولي الأمر تقييد الزواج بواحدة؟

إن اشتراط عدم زواج الزوج بزوجة أخرى ممنوع ولا يصح أن يفرضه الحاكم لأنه يؤدى إلى مفاسد جمة ذلك أن المحتاج إلى زوجة أخرى وشرط عليه الامتناع سيلجأ إلى أحد أمور كلها صعبة إما الطلاق وإما الكبت والحرمان إن كان متدينا وإما الانحراف بالزنا إن لم يعصمه دين وإما إلى الزواج العرفي الذي لا تقيم له الجهات الرسمية وزنا وإما إلى التحايل لإيجاد مبررات كاختلاق عيوب في زوجته مع ما فيه من كشف للأسرار والسوءات فالمنع لا يحل المشكلة إن كانت ثمة مشكلة بل يزيدها تعقيدا.

لكن يجوز لولي الأمر وضع ضوابط للتعدد يعني من كانت لديه ضرورة وعنده الحجة وأبانها فيكون له التصريح بالتعدد وذلك في ظروف ضرورة اقتصادية أو سياسية يراها ولي الأمر ولها مقتضياتها التي تقتضي ذلك ويكون ذلك إلي حين انتهاء المقتضي..

اسئلة متعلقة

مرحبًا بك إلى موقع باك نت، حيث يمكنك طرح الأسئلة وانتظار الإجابة عليها من المستخدمين الآخرين.
...