سؤال:هل التعدد في الزواج أصل أم استثناء؟
الجواب المختصر: التعدد استثناء لو اقتضته الضرورة والأصل الواحدة.
الجوالب المفصل:
يقصد بتعدد الزوجات أن يكون في عصمة الرجل أكثر من زوجة واحدة وهو من الموضوعات التي تثير جدلا واسعا في أوساط الناس.
وليس في حكم شرعي مطلقا شرعه الله تعالي أن يثير جدلا بين موافق ورافض فأحكام الله لها القبول سمعا وطاعة... ومصدر الجدل ما لقيه الموضوع من انتقادات لاذعة من أعداء الإسلام وقد تبعهم في ذلك بعض المسلمين فرأوا أن زواج الرجل بأكثر من واحدة هو من قبيل ظلم المرأة وإهانتها وهؤلاء جميعهم قد طعنوا في الإسلام من حيث أصابوا ولا أدلَ على ذلك أن حدة النقد قد خفتت في أواخر القرن العشرين حتى إن بعض المثقفين من غير المسلمين بدؤوا ينادون باعتماد التعدد حلا لكثير من المشكلات الاجتماعية بدءا من انحلال الأسرة وليس انتهاء بظهور مشكلة أولاد الزنا الذين تعج بهم الدوائر المختصة في الدول التي تحارب تعدد الزوجات.
وكونهم ينادون من بعيد أو قريب بتطبيق جزئي من الإسلام يعني ليس حكما أصليا فمعناه أن الإسلام عنده الحلول الأصلية والإحتياطية(الإستثنائية)
حكمه والأدلة على مشروعيته:
...............................................
التعدد مباح في الأصل وليس أصلا ولا سنة وقد يأخذ حكما مختلفا تبعا لكل حالة بعينها ونحن هنا نعول على الأصل فقد وردت الآيات والأحاديث مبينة حله ومشروعيته.
(1) قال الله تعالى:(وإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا)(النساء،3)
وقوله: (مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ )أي: انكحوا ما شئتم من النساء إن شاء أحدكم اثنتين وإن شاء ثلاثا وإن شاء أربعا، كما قال تعالى: (جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ) (فاطر 1) أي: منهم من له جناحان ومنهم من له ثلاثة ومنهم من له أربعة ولا ينفي ما عدا ذلك في الملائكة لدلالة الدليل عليه بخلاف قصر الرجال على أربع فقد فهم القصر من هذه الآية كما قاله ابن عباس وجمهور العلماء لأن المقام مقام امتنان وإباحة فلو كان يجوز الجمع بين أكثر من أربع لذكره(ابن كثير تفسير ج2ص210)
(2) قال الله تعالى {(ولَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيما) (النساء129) وفي الآية دليل على إباحة التعدد فقد ذكرت الآية السبيل الأمثل في العدل بين الزوجات عند وجود الميل القلبي إلى إحداهن ولو كان التعدد حراما لنصت الآية على حرمته وبينت مساوئه دون ذكر تفاصيل أحكامه وما تعلق حكمه بحكم غير ممكن للجميع فلا يكون أصلا أبدا في شريعتنا.
(3)عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وعنده عشر نسوة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمسك أربعا ويفارق سائرهن وليس هذا من وجازة التعدد ولكنه ارتكاب أخف الأضرار في المباحات من سد الزرائع والمصالح المرسلة.
ضوابط إباحة التعدد:
................................
(أ) العدل بين الزوجات:
فمن غلب على ظنه أنه سيظلم فلا يباح له التعدد وإذا امتنع التعدد فلا يكون أصلا لأنه لا يجوز أن يكون حكما أصليا ويجوز للبعض ويمنع منه البعض.
والمقصود بالعدل ما كان بيد الإنسان تحقيقه كالنفقة والمبيت والمسكن قال تعالى:(فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة)(النساء129)
أمّا الميل القلبي فلا سبيل للإنسان عليه فلا يؤاخذ الرجل به. وقوله تعالى:(ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم)(النساء129) أي: لن تستطيعوا أيها الناس أن تساووا بين النساء من جميع الوجوه فإنه وإن حصل القسم الصوري: ليلة وليلة فلا بد من التفاوت في المحبة والشهوة والجماع كما قاله ابن عباس وعبيدة السلماني ومجاهد والحسن البصري والضحاك بن مزاحم( ابن كثير تفسير ج2ص431)
وإذا حصل أن أحب واحدة أكثر من الأخرى فلا ينبغي أن يميل كل الميل إلى إحداهن بأن يبالغ في إرضائها والإِقبال عليها حتى تصير الأخرى التي مال عنها وهجرها كالمعلقة أي كالمرأة التي لا هي بذات زوج فتنال من حقوقها الزوجية ولا هي بمطلقة فترجو من الله أن يرزقها بالزوج الذى يكرمها وإنما الواجب عليكم يا معشر الرجال أن تجاهدوا أنفسكم حتى تصلوا إلى الحق المستطاع من العدل بين الزوجات وفي الآية الكريمة توبيخ للأزواج الذين لا يعدلون بين نسائهم فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(من كانت له امرأتان فمال إلى أحداهما أي لم يعدل بينهما فيما يمكنه العدل فيه جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط)( سنن أبي داود باب القسم بين النساء رقم الحدبث1821وسنن ابن ماجة باب القسم بين النساء رقم الحدبث1959) وعن مجاهد قال: كانوا يسوون بين الضرائر حتى في الطيب يتطيب لهذه كما يتطيب لهذه(مصنف ابن أبي شيبة باب ما قالوا في العدل بين النسوة إذا اجتمعن ج3ص447)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم فيعدل فيقول: (اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك) قال إسماعيل القاضي يعني القلب وهذا في العدل بين نسائه(الحديث رواه الحاكم ح رقم 2711 ) وقال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وسنن أبي داوود باب العدل بين النساء ح رقم 1822وسنن الترمذي باب ما جاء في التسوية بين الضرائر ح رقم 1059والنسائي ح رقم 3882وابن ماجة ح رقم 1961)
(ب) القدرة على الإعالة:
ذلك أن النفقة على الزوجة واجبة فزواج غير القادر ظلم متحقق بالمرأة.
وتشمل النفقة الطعام والشراب والكسوة والمسكن والأثاث اللازم لها ويجب أن تكون لدى الرجل الذي يقدم على الزواج القدرة المالية على الإنفاق على المرأة التي سيتزوجها وإذا لم يكن لديه من أسباب الرزق ما يمكنه من الإنفاق عليها فلا يجوز له شرعا الإقدام على الزواج من ثانية بل ولا حتي من الزواج بالأولي لأن القدرة شرط من شروط الزواج قال الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم:(يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)( صحيح مسلم ج9 ص172 وابن حجر في فتح الباري ج9ص112)
والباءة هي القدرة على تكاليف الزواج ويظهر هذا من خلال توجيه النبي صلى الله عليه وسلم للشباب بأن من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج فهو محمود ومطلوب ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء يعني وقاية من الوقوع في المعاصي فمن لم يقدر علي تكاليف الزواج أو ليس بمقدوره القيام بالزوجية بأي شكل من أشكال القدرة فالصوم بديل الزواج للصيانة والحفظ من الوقوع في المعاصي.
وهذه القدرة في الزوجة الأولي لأنها الحكم الأصلي ومن أراد التعدد بعد الأولي بدون عنت للغير أو إضرار بالأولي وأراد الثانية فنفس ما ينطبق علي الحكم الأصلي فبالضرورة منطبق علي الحكم الاستثنائي وهو التعدد.
وهكذا الأمر بالنسبة للرجل الذي لا يستطيع أن ينفق على أكثر من زوجة واحدة فإنه لا يحل له شرعا أن يتزوج بأخرى فالنفقة على الزوجة أو الزوجات واجبة بالإجماع(المغني جـ7 ص564)
وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن حق الزوجة على زوجها فقال مخاطبا السائل:(وتطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت)( سنن أبي داود جـ1 ص334)
(ج) التقيد بالعدد:
فلا يصح لرجل أن يبقي تحت عصمته أكثر من أربع لقوله تعالى:(مثني وثلاث ورباع)
وقد وردت الآية في مقام الإمتنان والإباحة فلو كان يجوز الجمع بين أكثر من أربع لذكره(ابن كثير تفسير ج2ص210)
وفي حديث غيلان ابن سلمة لما أسلم أمره صلى الله عليه وسلم أن يبقي أربعا من نسائه ويفارق سواهن(المستدرك ح رقم2734وسنن الدار قطني باب المهر وما يتبعه ح رقم3727 ومعرفة السنن والآثار باب نكاح المشرك ح رقم4425)
(د) عدم الجمع بين ذوات الرحم: لأن ذلك يؤدي إلى قطع الرحم التي أمر الله بها أن توصل فإن العلاقة بين المرأة وضرتها قائمة على المشاحنة والغيرة بخلاف تلك التي تقوم بين المرأة وذوات رحمها من النساء قال الله تعالى في سياق من يحرم على الرجل الزواج منهن:(وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف)(النساء23)
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها)(صحيح البخاري ج5 ص1965 وقد ورد الحديث بألفاظ مختلفة قليلا في كتاب سنن الترمذي ج2 ص297) وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تنكح المرأة على عمتها أو العمة على ابنة أخيها أو المرأة على خالتها أو الخالة على بنت أخيها(سنن الترمذي ج2 ص297وسنن أبي داود ج1 ص322)
ادعات باطلة في هذا السياق:
....................................
الإدعاء الأول:
هذا وقد ادعى بعض الذين لم يفهموا تعاليم الإِسلام فهما سليما أن هذه الآية بضمها إلى قوله تعالى في مطلع هذه السورة:(فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة)(النساء3) يكون منع تعدد الزوجات جائزا شرعا لأن الله تعالى قد بين في قوله:(ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم)(النساء129) أن الجمع بين النساء غير جائز إلا عند الوثوق من العدل بينهن وبما أن العدل بينهن غير مستطاع بنصِ الآية فالجمع بين النساء غير جائز وعلى الرجل أن يكتفيَ بواحدة وقالوا إن الحكم معلق علي ممتنع فيكون التعدد هو الآخر ممتنعا.
وللرد على هذه الدعوى نقول
يتبع في الأسفل