الموضوع الثاني:
أثبت صحة الأطروحة القائلة: "أن العدل المطلق والجمال المطلق والخير الأسمى...معايير ثابتة توجد في عالم المثل. ولا يصل إليها الإنسان إلا من خلال العقل وتأملاته"
بكالوريا 2022 2023 bac الجزائر
أهلاً بكم طلاب وطالبات الباك 2023 في موقعنا باك نت .baknit.net الموقع التعليمي المتميز والمتفوق بمنهجية موضوع النص الفلسفي الجدلية والمقارنة والاستقصاء بالوضع كما نقدم لكم بقلم أستاذ الفلسفة الاجابة الصحيحة لجميع دروس والمقالات الفلسفية المتوقعة والمقترحة في باك جميع الشعب الفلسفية كما نقدم لكم الأن أعزائي الطلاب والطالبات مقالة مختصرة وهي إجابة السؤال .... أثبت صحة الأطروحة القائلة: "أن العدل المطلق والجمال المطلق والخير الأسمى...معايير ثابتة توجد في عالم المثل. ولا يصل إليها الإنسان إلا من خلال العقل وتأملاته
وتكون اجابتة الصحية هي التالي
أثبت صحة الأطروحة القائلة: "أن العدل المطلق والجمال المطلق والخير الأسمى...معايير ثابتة توجد في عالم المثل. ولا يصل إليها الإنسان إلا من خلال العقل وتأملاته
استقصاء بالوضع
المقال:
تعتبر فلسفة الخير والشر أو ما يصطلح عليه بفلسفة الأخلاق الجانب العملي من الفلسفة والذي يهتم بدراسة ما يجب وما ينبغي أن يكون عليه سلوك الإنسان، ولهذا تعتبر مسألة البحث عن أساس القيم الخلقية من أبرز المواضيع التي نالت اهتمام المفكرين والفلاسفة وتعدد مذاهبهم الأخلاقية، ولقد شاع في الأوساط الفكرية والفلسفية أن المنفعة هي أساس القيم الخلقية وبالتالي فهي نسبية، لكن هناك فكرة أخرى تناقضها يرى أنصارها أن العقل هو أساس الأخلاق لهذا فهي مطلقة. من هنا حق لنا أن نتساءل: كيف يمكننا الدفاع عن هذه الأطروحة؟ وما هي الأدلة والحجج المثبتة لذلك؟ وكيف يمكننا حينها الأخذ برأي مناصريها؟
يتجلى منطق الأطروحة فيما يتبناه أنصار الاتجاه العقلي، ومن بينهم الفيلسوف الألماني "ايمانويل كانط" والذين يعتقدون بأن العقل هو مصدر القيم الأخلاقية. رافضين بذلك أن تكون المنفعة مقياسا لتقييم أفعال الإنسان الإرادية، فالأخلاق حسبهم يجب أن تؤسس على العقل وحده كملكة للحكم والتمييز بين الأشياء (بين الخير والشر)، فقيمة الإنسان في عقله كماهية ثابتة لا تتغير ولا تتأثر بظروف الزمان والمكان، فالعقل هو الذي يدرك الخير الأسمى ومعنى الفضيلة في ذاتها بعيدا عن كل شرط، لهذا كان هو مصدر القيم الأخلاقية وواضع كل القوانين التي تتصف بالكلية والشمول. ففي الفلسفة اليونانية صرح أفلاطون أن العدل المطلق والجمال المطلق والخير الأسمى...معايير ثابتة توجد في عالم المثل. ولا يصل إليها الإنسان إلا من خلال العقل وتأملاته، وليؤكد على أن إدراك الخير هو حكم عقلي قسم أفلاطون أفعال الناس حسب قوى النفس إلى ثلاثة أقسام: النفس العاقلة وفضيلتها الحكمة، والنفس الغضبية وفضيلتها الشجاعة والنفس الشهوية وفضيلتها العفة، والحكمة هي رأس الفضائل لأنها تحد من طغيان النفس الشهوية والغضبية معا، فالخير حسب أفلاطون حقيقة مثالية متعالية عن الواقع يقول في هذا الصدد: " إن الخير فوق الوجود شرفا وقوة ".
وفي العصر الحديث يعلن الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط عن أخلاق الواجب، أو الواجب من أجل الواجب لا غير التي تكون نابعة من العقل ولا ترتبط بالواقع الحسي تماما، فالقيام بالفعل يجب أن يكون منزها عن أية منفعة كانت وأن يكون هذا الفعل صادرا وفق إملاءات الواجب الذي يعرفه كانط بقوله:" ضرورة أداء الفعل احتراما للقانون "، وعليه يكون الفعل أخلاقيا إذا لم يتضمن منفعة، وإذا ارتبط الفعل بمنفعة أو كان القصد من ورائه تحقيق نتائج أصبح فعل غير أخلاقي، إذن الفعل حسب كانط يقاس بذاته لا بنتائجه وفي هذا يقول: "وهكذا فإن القيمة الأخلاقية للفعل لا تكمن في الأثر الذي ينتظر منها "، "الضمير الخلقي ملكة عقلية خالصة وأحكامها مطلقة"، أما لايبنتز فيقول: "إن الأفعال الخلقية هي من وحي العقل".
لكن لهذه الأطروحة خصوم وهم أنصار المذهب النفعي ومن بينهم أبيقور وبنتام، الذين يعتقدون بأن المنفعة هي أساس السلوك الخلقي، لأن الإنسان بطبيعته ينشد ويرغب في اللذة ويتحاشى الألم. فالفعل الأخلاقي يتمثل في إرضاء الطبيعة البشرية من منطلق أن اللذة والألم هما الكيفيتان اللتان تتحدد وفقهما القيمة الخلقية، فكل ما هو خير فيه لذة وكل ما فيه شر فيه ألم. وتعود جذور هذا المذهب إلى المفكر اليوناني أرستيب القورينائي الذي رد القيم الخلقية إلى اللذة إذ يقول: "اللذة هي الخير الأعظم، وأنا مع اللذة وإن جلبت لي العار"، وغير بعيد عن هذا الموقف يعتقد أبيقور الذي عمل على تطوير اللذة إلى المنفعة أن اللذة والألم هما المحركان الأساسيان لكل التصرفات الأخلاقية إذ يقول: "اللذة هي بداية الحياة السعيدة وغايتها القصوى"، وفي العصور الحديثة يأخذ جرمي بنتام بمذهب اللذة حيث قدم المنفعة الخاصة على العامة. أما جون ستيوارت ميل ورغم اتفاقه مع بنتام في المبادئ لمذهب المنفعة إلى أنه جعل المنفعة العامة أولى من الخاصة، وبذلك تكون الأخلاق بتحقيق أكبر قدر من السعادة لأكبر عدد ممكن من الناس، وبهذا فالمنفعة غاية الأفعال الإنسانية الأخلاقية ومعيارها.
لكن موقف هؤلاء الفلاسفة تعرض لجملة من الانتقادات لأنه ينطوي على نقائص وسلبيات أهمها: أن القائلين باللذة سواء كانت فردية أو جماعية قد وصفوا بأنهم " يضحون بالأعلى في سبيل الأدنى"، كما أنهم لا يميزون بين الثابت والمتغير ولا بين النسبي والمطلق لأن القيم الأخلاقية قيم ثابتة ومطلقة، والأخذ باللذة والمنفعة كمقياس لها يجعلها متغيرة ونسبية، فيصبح الفعل الواحد خيرا وشرا في الوقت نفسه، خيرا عند هذا إذا حقق له لذة أو منفعة، وشر عند ذاك إذا لم يحقق أيا منهما. ثم إن المنافع متعارضة فما ينفعني قد لا ينفع غيري بالضرورة، وأخيرا فإن ربط الأخلاق باللذة والمنفعة يحط من قيمة الأخلاق والإنسان معا، فتصبح الأخلاق مجرد وسيلة لتحقيق غايات كما يصبح الإنسان في مستوى واحد مع الحيوان. فلو كانت الأفعال مبنية على اللذة والمنفعة لتعارضت مصالح الناس، ولما اهتدى الإنسان إلى تأسيس منظومة من القيم، فاللذة مرتبطة بالغرائز والرغبات، وهي لا تعبر عن خصوصية الإنسان.
إن هذه الانتقادات الموجهة لموقف الخصوم هي التي تدفعنا للبحث عن حجج جديدة ندافع بها عن الأطروحة القائلة "العقل هو مصدر الأخلاق" أهمها: تأكيد الفيلسوف اليوناني سقراط على أن العلم فضيلة والجهل رذيلة، فالإنسان يفعل الخير لعلمه به ويفعل الشر لجهله به ، كالطفل الذي يفعل بعض الأمور اللاأخلاقية لجهله بها. كما نجد أقطاب المعتزلة يؤكدون بدورهم على أن العقل هو الذي يشرع القواعد الأخلاقية التي تتصف بأنها مطلقة وكلية، لأن الحسن والقبح صفات ذاتية في الأفعال تجعل منها قبيحة أو حسنة، فالقيم الأخلاقية تكون في الأفعال ذاتها والعقل هو الذي يدركها، والفعل خير لأنه يحمل الخير في ذاته وقبيح لأنه يحمل القبح في ذاته. وحجتهم في ذلك أن الناس عرفوا الخير والشر قبل نزول الوحي، وما بعث الأنبياء والرسل إلا ليتمموا مكارم الأخلاق واعتمدوا في رسالاتهم على العقل قال (ص ): "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
ختاما ومما سبق نستنتج أن الأطروحة القائلة: "أن العدل المطلق والجمال المطلق والخير الأسمى...معايير ثابتة توجد في عالم المثل. ولا يصل إليها الإنسان إلا من خلال العقل وتأملاته"صحيحة وصادقة لأن القول بمطلقية العقل يؤدي إلى قيم ثابتة وبالتالي إلى وحدة الأخلاق، لهذا كانت حجج أنصار الأطروحة قوية، ومنه يمكن الأخذ برأيهم وتبنيه لذلك يقول "ابن مسكويه": "وإذن قد تبين أن سعادة كل موجود إنما هي في صدور أفعاله الإنسانية عنه بحسب تمييزه ورويته".