هل المسؤولية مشروطة بالحرية ام مشروعية في مقابل الإعتقاد بالجبر و الحتمية
مرحباً بكم متابعينا الأعزاء طلاب وطالبات العلم في موقع باك نت.baknit الموقع التعليمي المتميز والمتفوق بمنهجية الإجابة الصحيحة والنموذجية من مرحلة التعليم الابتدائي والمتوسط والثانوي bac 2023 كما يسرنا بزيارتكم أن نقدم أهم المعلومات والحلول وأفضل الأسئله بإجابتها الصحيحه من شتى المجالات التعلمية من مقرر المناهج التعليمية 2022 2023 وكما عودناكم أعزائي الزوار في صفحة موقع باك نت أن نطرح لكم ما تبحثون عنه وهو ....... هل المسؤولية مشروطة بالحرية ام مشروعية في مقابل الإعتقاد بالجبر و الحتمية
وتكون الإجابة على سؤالكم هي على النحو التالي
هل الحرية شرط المسؤولية؟
المقدمة:
إذا كانت المسؤولية تعني تحمل الإنسان لتبعات أفعاله أمام القانون، وما يترتب عليها من نتائج مادية كانت أو معنوية، فإن هذه المسؤولية تقتضي أن يكون صاحبها عاقلا ويمتلك حرية الاختيار كركن لقيامها، وشرط لازم لتحققها، مما يعني أن المسؤولية تثبت بثبوت شرطها –الحرية – وترفع برفعه، وهذا ما يدفعنا للتساؤل: هل غياب شرط الحرية أو نقصانه يؤدي إلى رفع المسؤولية عن الإنسان، وإلغاء تحمل تبعات الأفعال؟
الموقف الأول: الحرية شرط المسؤولية.
إن المسؤولية لا تتم ولا تتحقق فعليا إلا بتوفر شروطها، من حيث أن صاحب المسؤولية وجب أن يكون عاقل يميز بين أفعال الخير وأفعال الشر، وأن يمتلك حرية الاختيار بين الأفعال، والقدرة على فعلها أو تركها... وعلى هذا الاعتبار كان الإنسان الذي لا يتمتع بحرية الاختيار –جزئيا أو كليا- فإنه من المنطق ومن الضروري رفع المسؤولية عنه، وعدم تحميله لنتائج الأفعال كاملة، وإلغاء تبعاتها عنه...لأنه مقيد وملزم ومدفوع إلى الأفعال وليس باختياره وإرادته الحرة. ومن الظلم أن يتحمل المسؤولية أو أن يحاسب.
لهذا يؤكد أنصار الفرقة الكلامية المسماة بالجبرية وعلى رأسهم "جهم بن صفوان" أن الله بإرادته ومشيئته قد حدد كل شيء، ما كان وما هو كائن وما سيكون، لكل أفعال الخلق ومسيرة الكون...فلا إرادة لأحد، ولا اختيار، ولا قدرة على الفعل إلا بإرادة الله تعالى، فالله هو خالق الأشياء والأفعال، وإنما تنسب الأفعال إلى العباد والى غيرهم على سبيل المجاز فقط، بحكمة الله قضاء وقدرا.
ويبرر أصحاب الحتميات هذا الموقف بالقول: أن الإنسان خاضع لحتميات قاهرة ومحكوم بقوانين كونية لا يمكنه الخروج عليها، وبالتالي ليس مختارا فيما يقوم به من أفعال. فسلوكه يسير بمقتضى حتمية فيزيائية هي عبارة عن نظام ثابت من القوانين يحكم الظواهر الطبيعية كلها، والإنسان جزء لا يتجزأ عن الطبيعة وظواهرها لذلك فهو يخضع لنفس النظام القانوني ويتحرك وفق أسباب وعلل. كما أن هناك الحتمية الاجتماعية التي توجه الإنسان وتنشئه خاضعا في جميع أفعاله لإرادة المجتمع وإلزاماته التي لا يجب الخروج عليها (عادات، تقاليد، دين، قوانين...)، اما الحتمية النفسية فترى أن الإنسان محكوم في جميع أفعاله بدوافعه النفسية، كالرغبات والأهواء والغرائز، والميول والعواطف وجميع الانفعالات الكامنة في النفس...وبالتالي فهو دائما مدفوع إلى الأفعال وليس حرا فيها. ومن ثمة فلا يمكنه تحمل المسؤولية وتبعاتها.
ومن ناحية أخرى حتى وأن اعتبرنا الإنسان يمتلك إرادة التحرر من القيود كما يذهب أنصار الطرح الوضعي، فإن هذا يقتضي الاعتراف بوجود الحتميات والعمل على التدرج على التحرر منها وتجاوزها...وهذا يؤكد عدم توفر شرط الحرية ونقصانه.
ومن جهة أخرى لا توجد ضمانة تؤكد التحرر وتحقيقه فعليا، فقد يبقى مجرد محاولات، وعليه نحكم بأن الإنسان مقيد وفاقد لشرط الحرية وبالتالي لا يمكنه تحمل المسؤولية وتبعات الافعال. لأنها ليست نابعة من إرادته.
النقد:
لكن الأخذ بهذا التصور الذي يرفع المسؤولية عن الإنسان بحجة أنه غير حر أو ناقص الحرية، هو هدم لكل القوانين والقيم الإنسانية، وذريعة يلجأ إليها كل من سولت له نفسه فعل الشر وظلم الآخرين.
ومن ناحية أخرى إلى ماذا يحتكم الناس؟ ما دام لا واحد يتحمل المسؤولية والكل يرفض تبعات فعله مادام غير حر. وهو منطق لا يقبله عقل، وترفضه كل دلائل الواقع.
الموقف الثاني: الحرية ليست شرط المسؤولية –الإنسان مسؤول سواء كان حرا أم لا-
إن الإنسان كائن مكلف بالطبيعة، ومسؤول عن أفعاله وتبعاتها لأنه ينفرد عن الكائنات الأخرى بأنه كائن القيم، وحامل خاصية الإرادة وبالتالي فالمسؤولية تقع وتسبق الحرية، ولا يختلف الأمر هنا بين الصغير والكبير، ولا بين البالغ وغير البالغ، والدليل على ذلك أنه ينظر إلى الطفل على أنه مسؤول ويتحمل تبعات أفعاله في البيت أو خارجه في المدرسة...بغض النظر عن الأسلوب الذي نتعامل به في هذه الحالات – لأننا نهنئ الطفل عند نجاحه، ونثمن فيه السلوك الحسن والخلق الطيب، أو قد نوبخه ونزجره عند ارتكابه الأخطاء أو القيام بأفعال السوء...
كما أن الإنسان يتحمل المسؤولية وتبعات أفعاله عند إلحاق أضرار بالغير، رغم أن الفعل لا إرادة لنا فيه، ولا حرية لنا في توجيهه. كالاصطدام المفاجئ بأحد المارة دون قصد ولكن مع ذلك فنحن نعتذر له، ونرافقه إلى المستشفى ونعوض نفقاته، وكذلك الحال في قضية القتل الخطأ، وما يترتب عنه من مسؤولية وتبعات رغم أن الفعل لا حرية لنا فيه ولا إرادة...لهذا يؤكد رجال الدين وفلاسفة الأخلاق أن التكليف كمسؤولية يسبق الحرية ويبررها سواء تكليفا ربانيا او تكليفا أخلاقيا. بغض النظر عن العوامل المختلفة التي تحيط بالمكلف، "مبدأ التكليف عند المعتزلة، الواجب الأخلاقي عند كانط". فالمسؤولية تنصب على الإنسان أولا كخاصية يحملها، ثم بعد ذلك ننظر إلى حرية الأفعال وتبعاتها كموضوع قابل للحكم عليه بالخير أو الشر، بالثواب أو العقاب...
ومن هذا المنظور صارت المدرسة الوضعية الحديثة في دراستها للمجرمين، لا تصنفهم إلى فئة مسؤولة وفئة أخرى غير مسؤولية، بل تجعل الكل مسؤول عما فعل، لكن هناك من يستحق القصاص، وهناك من يستحق العلاج، وهناك من يستحق التوجيه والترشيد...
وعيه فالمسؤولية ثابتة عند الإنسان ولا يرفعها عدم ثبوت شرط الحرية أو نقصانه، لان شرط الحرية يظهر فقط إرادة الفعل لتبرير الاحكام وتحقيق الإنصاف والعدل ولا تنفي المسؤولية.
النقد:
لكن جعل الإنسان مسؤول في كل الأحوال، وتحميله تبعات أفعاله دائما، بالرغم من أنه تعبير عن قيمة الإنسان وعظمته، إلا أن هذا قد يتحول إلى ذريعة لتبرير الظلم والاستغلال انطلاقا من فرض المسؤوليات. وتحكيم سلطة العقاب والتجريم، دون النظر إلى نية الفعال وقصده، وقدرته على الاختيار. وهذا لا يتناسب مع مفهوم العدل.
التركيب:
إن قيمة الإنسان في هذا الوجود، ككائن عاقل وحامل لخاصية القيم ومعبر عنها، تجعله كائنا مكلف ومسؤول تجاه ذاته أو اتجاه الغير، انطلاقا من إدراكه لذاته الفاعلة، وما يصدر عنها، وما يترتب عن ذلك من نتائج، سواء ثبت شرط الحرية أو نقص، لهذا نجد من بحثوا موضوع الحرية، ونفوه عن الإنسان، أو توسطوا في ذلك، لم يرفعوا إطلاقا المسؤولية عن الإنسان، فهو دائما يتحمل مسؤوليته تجاه أفعاله. لكن هذه المسؤولية كموقف أخلاقي من الأفعال، لا يجب أن تتحول إلى جلاد على الرقاب...بل وجب أن تراعى فيها شروط تحكم حدود هذه المسؤولية وتوجهها، كدوافع الفاعل ونيته، وقدرته على الاختيار بين الأفعال بعيدا عن الإكراه والضغط، وهذا ما يؤسس لتحقيق العدالة كفضيلة إنسانية.
حل المشكلة:
ختاما ومما سبق نستنتج أن عدم وضوح شرط الحرية أو نقصانه لا يرفع المسؤولية ولا يلغي تبعات الأفعال. لأن الإنسان مسؤول أولا ثم تأتي الحرية كشرط لمعرفة إرادة الفعل وتبريراته. لذلك تعظم مسؤولية الإنسان بقدر ما يكون حرا، وتخف كلما نقص شرط الحرية. لكن المسؤولية الإنسانية تبقى دائما قائمة.