0 تصويتات
في تصنيف مقالات ونصوص فلسفية باك 2024 بواسطة

المقالة الرابعة: الجدل حول اليقين الرياضي بين المطلق والنسبي

السؤال: هل الحقيقة الرياضية (اليقين الرياضي) مطلقة أم نسبية؟

مرحباً بكم متابعينا الأعزاء طلاب وطالبات العلم في موقع باك نت.baknit الموقع التعليمي المتميز والمتفوق بمنهجية الإجابة الصحيحة والنموذجية من مرحلة التعليم الابتدائي والمتوسط والثانوي bac 2023 كما يسرنا بزيارتكم أن نقدم أهم المعلومات والحلول وأفضل الأسئله بإجابتها الصحيحه من شتى المجالات التعلمية من مقرر المناهج التعليمية 2022 2023 وكما عودناكم أعزائي الزوار في صفحة موقع باك نت  أن نطرح لكم ما تبحثون عنه وهو ....... هل الحقيقة الرياضية (اليقين الرياضي) مطلقة أم نسبية

وتكون الإجابة على سؤالكم هي على النحو التالي 

هل الحقيقة الرياضية (اليقين الرياضي) مطلقة أم نسبية

طريقة معالجة السؤال: جدلية

1- طرح المشكلة:

          يقول "أفلاطون": "من لم يكن رياضيا لا يطرق بابنا". من هذا القول نفهم أن الرياضيات تٌعد من أقدم العلوم نشأة، إن لم تكن أولها على الإطلاق لأنها ارتبطت بإنجازات الإنسان في الحضارات الشرقية القديمة (المصرية – الصينية – الهندية – الفارسية... الخ). وبما أن الرياضيات هي علم دراسة المقادير القابلة للقياس الكمي المجرد المتصل (الهندسة) والمنفصل (الحساب) فإن منهجها يعتمد على الإستنتاج، ولقد أثارت مشكلة "اليقين الرياضي بين المطلق والنسبي" جدلا وسجالا بين الفلاسفة والعلماء، فهناك من يرى أن اليقين الرياضي أو النتائج الرياضية مطلقة ويقينية، ونقيضا لذلك هناك من يؤكد أن المعرفة الرياضية نسبية ومتغيرة، ومنه نطرح المشكلة ونقول:

إلى أي مدى يمكن اعتبار اليقين الرياضي ثابت ومطلق دائما؟ وبصيغة أخرى: إذا كنتٌ أمام موقفين متعارضين، أحدهما يرى أن النتائج الرياضية يقينية وواضحة، والآخر يؤكد أنها احتمالية وتقريبية، فما هو موقفي من هذه المشكلة الفلسفية؟  

2- محاولة حل المشكلة:

          يؤكد أنصار الموقف الأول الذي يمثله كل من (أفلاطون – ديكارت – كانط – غوبلو – كارل بوبر) أن النتائج الرياضية (اليقين الرياضي) مطلقة وثابتة لا تتغير، وتتميز باليقين والبداهة والوضوح، فالرياضيات تعبّر عن المعارف اليقينية التي تتصف بالدقة والمطلقية، ودليلهم على ذلك أن الرياضيات علم عقلي خالص يهتم بالمفاهيم الرياضية البسيطة والواضحة والثابتة والمترابطة فيما بينها، والصادقة التي لا يعتريها شك.

أكد "أفلاطون" أن الحقيقة الرياضية مطلقة لأنها موجودة في عالم المثل (العقل) وتتميز بالثبات، فكما يقول: "إن الرياضيات تجبر النفس على استخدام الذكاء الخالص". هكذا تكون النتائج الرياضية مثالية يقينية ما دامت عقلية.

أما "ديكارت" باعتماده على المنهج الشكي، شك في نتائج جميع العلوم ما عدا الرياضيات لأن مصدرها العقل الذي لا يخطئ أبدا، مما يعني أن نتائج الرياضيات مطلقة، فالمربع – مثلا – كمفهوم ذهني يتجلى في أذهاننا واضحا وبسيطا وثابتا لأن تعريفه مطلق، فهو شكل هندسي يتألف من أربعة أضلاع، وأربعة زوايا، وهكذا أمثلة.

في حين أكد "كانط" أن النتائج الرياضية تتميز بالثبات والمطلقية، وهذا ما أكده بقوله: "الرياضيات لا يمكن أن تخطئ أبدا".

نفس الرأي تبناه "كارل بوبر" عندما بيّن أن المعرفة الرياضية لا يعتريها النقص (أي أنها مطلقة) ما دامت الرياضيات علم يعتمد على العقل بمبادئه الفطرية، فكما يقول: "الرياضيات كلمات قليلة ووضوح تام".  

أما الرياضي والمنطقي الفرنسي "غوبلو" أكد أن النتائج الرياضية تتميز بالخصوبة واليقين، وهذا ما أكده بقوله: "إن الاستدلال الاستنتاجي... استدلال يقيني".

إذن، النتائج الرياضية مطلقة وثابتة بالضرورة.

          صحيح نسبيا ما أكده أنصار الموقف الأول، لكن النتائج الرياضية ليست مطلقة دائما، بل نسبية ومتغيرة لأن تطور علم الرياضيات دليل على عدم مطلقية الحقائق الرياضية من جهة، وعلى ظهور نظريات رياضية جديدة من جهة أخرى مثل: نظرية المجموعات لـ"كانتور". كما أن النتائج الرياضية ليست يقينية وواضحة لأن البديهيات لم تعد كذلك في ظل اللانهاية، والتعريفات التي كانت مطلقة انتهت إلى لا معرفات، أضف إلى ذلك أن التطبيقات العملية للرياضيات تجعل الحقيقة الرياضية نسبية، بل إن "ديكارت" نفسه إلتمس معالم التغير في الرياضيات حيث قال: "من يدري ربما سيأتي بعدي من يثبت لكم أن مجموع زوايا المثلث لا يساوي (°180) درجة".

          على النقيض يؤكد أنصار الموقف الثاني الذي يمثله كل من (بوليغان – برتراند راسل – هنري بوانكاري – روبير بلانشي) أن النتائج الرياضية نسبية ومتغيرة، وتتميز بالتقريب والإحتمال واللايقين، ودليلهم على ذلك تطور علم الرياضيات وتغير حقائقها بظهور الرياضيات المعاصرة التي مثلّت فيها الهندسات اللاإقليدية ثورة رياضية على الهندسة الإقليدية القائمة على مرجعية السطح المستوي التي نتج عنها عدة حقائق كانت مطلقة وثابتة لمدة عشرين (20) قرنا، وأهمها مسلمة التوازي التي تنص على أن: "من نقطة خارج مستقيم يمكن رسم مستقيم واحد موازي فقط". هكذا تكون مجموع زوايا المثلث تساوي (180°). لكن مع ظهور الهندسات اللاإقليدية، ما كان ثابتا في الهندسة الإقليدية أصبح متغيرا لأن عالم الرياضيات الروسي "لوباتشفسكي" اكتشف هندسة خاصة مبنية على السطح المقعر (شكل الكرة من الداخل). وبهذا أثبت أنه: "من نقطة خارج مستقيم يمكن رسم عدة مستقيمات موازية". وبالتالي مجموع زوايا المثلث أقل من (180°).

أما عالم الرياضيات الألماني "ريمان" اكتشف عام (1851م) أن السطح محدب (شكل الكرة من الخارج). وتبعا لذلك: "من نقطة خارج مستقيم لا يمكن رسم مستقيمات موازية على الإطلاق". وبذلك مجموع زوايا المثلث أكبر من (180°). وهذا ما جعل "بوليغان" يقول: "إن كثرة الأنظمة في الهندسة دليل على أن الرياضيات ليس فيها حقائق مطلقة". أو كما يقول "هنري بوانكاري": "ليست هناك هندسة أكثر يقينا من هندسة أخرى، وإنما أكثر ملاءمة لأننا ألفناها".

ما يدل أكثر على تغير النتائج الرياضية أن منهج الرياضيات الكلاسيكية قائم على التحليل والتركيب، أما منهج الرياضيات المعاصرة أكسيومي (فرضي استنتاجي). مما جعل "روبير بلانشي" يقول: "لم تعد الرياضيات اليوم تتحدث عن المنطلقات الرياضية باعتبارها مبادئ بديهية لأنها في الحقيقة مجرد افتراضات تابعة لاختيار العقل الرياضي الحر". وهذا يعني أن المسلمات هي مجرد ممكنات افتراضية يضعها الرياضي وفق انسجام منطقي معين فقط لاعتمادها في البرهان، وهذا ما جعل "برتراند راسل" يقول: "إن الرياضيات هي العلم الذي لا يعرف عما يتحدث وما إذا كان ما يتحدث عنه صحيحا".

زد على ذلك أن التطبيقات الرياضية تجعل الدقة الرياضية مجرد تقريبات واحتمالات فقط فمثلا: العدد (p) = (3.14) أي (22/7) يدل على أن تقسيمه الفعلي يساوي أكثر من (3.14) لأن (3.14) ضرب (7) لا يساوي (22) (أقل).

إذن، النتائج الرياضية نسبية واحتمالية.  

          صحيح نسبيا ما أكده أنصار الموقف الثاني، لكن هذا التعدد النسقي الهندسي ليس مبررا لتراجع اليقين الرياضي، فهو تعدد لا يقضي على يقين كل نسق من الأنساق على حدى، فجميعها انشاءات متسقة تخلو من أي تناقض داخلي، وارتباط الرياضيات بتطبيقات تجريبية ليس تقليلا من يقينها بقدر ما هو تأكيد على دورها في تطوير كثير من العلوم، زد على ذلك أن بعض المفاهيم الرياضية يقينية ومطلقة ولم تتغير فمثلا: (1+1=2). المثلث شكل هندسي يتألف من ثلاثة أضلاع وثلاثة زوايا... الخ، أضف إلى ذلك أن اللغة الرياضية تتميز بالدقة واليقين ما دامت كمية، وهذا ما يدل على مطلقية النتائج الرياضية.

          تركيبا لهذا الجدل الفلسفي بين الموقفين (التوفيق بين الرأيين) يمكن التأكيد أن النتائج الرياضية ليست مطلقة دائما، كما أنها ليست نسبية بصفة دائمة، إنما هي يقينية من حيث المنهج وأساليب البرهنة، وهذا الصدق يفرضه الإنسجام بين المبادئ والنتائج، وهي نسبية من حيث النتائج من جهة ثانية، إذ نجد الحقائق الرياضية مطلقة إذا نظرنا إليها من زاوية الهندسة الإقليدية، ونسبية إذا نظرنا إليها من زاوية النسق الأكسيومي (الفرضي الإستنباطي). ومعنى هذا أن النتائج الرياضية مطلقة ونسبية معا.

          من وجهة نظري الشخصية (موقفي الذاتي) إن نتائج الرياضيات (حقائقها) مطلقة، أي ثابتة ويقينية، ودليلي على ذلك أن هندسة "إقليدس" كانت قائمة على مسلمات مطلقة وثابتة مثل: مسلمة السطح المستوي التي نتج عنها ما يلي: "من نقطتين يمر مستقيم وحيد". "المستقيم لا نهاية له، أي يمكن تمديد المستقيم من الجهتين إلى ما لا نهاية". "من نقطة معينة ومن مجال أو قطعة ما هناك قوس دائرة وحيد". "كل الزوايا المستقيمة متساوية فيما بينها".

كما أن الرياضيات الكلاسيكية (القديمة) مبنية على بديهيات وقضايا أولية يصدق العقل بها لأنها عامة وواضحة مثل: الكل أكبر من الجزء، والمتوازيان لا يلتقيان إذا كان السطح مستوي، والمساويان لثالث متساويان... الخ، وهذا ما جعل "ديكارت" يقول: "لا أقبل شيئا على أنه صحيح إلا إذا كان بديهيا". بل إن اعتماد الرياضيات على المسلمات يجعل نتائجها دقيقة، ولهذا توصف أنها: "علم دقيق". أو أنها أرقى العلوم على الإطلاق لأن نتائجها لا يمكن الشك فيها، وهذا ما جعل "هنري برغسون" يقول: "إن الرياضيات هي اللغة

الوحيدة التي يجب أن يتحدث بها العالم".

3 - حل المشكلة: 

          نستنتج مما سبق تحليله أن الرياضيات يقينية ولا شك في قيمتها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، تعدد أنساقها دليل على تطورها لأنها لم تعد ذلك العلم المطلق، بل أصبحت نتائجها نسبية مبنية على العقلانية الجديدة (النسق الأكسيومي) القائمة على المنهج الفرضي الإستنباطي، وبذلك انتهت الرياضيات إلى تعدد الأنساق، حيث أصبح كل نسق يتوفر على اليقين طالما أن هناك تماسكا منطقيا (عدم تناقض النتائج مع المنطلقات). وهكذا أصبح وضع الأوليات (الفرضيات) شرطا في الرياضيات المعاصرة، ومنه يمكننا القول أن النتائج الرياضية ليست صادقة دائما، بل صدقها مرتبط بنسقها، وهذا ما جعل "برتراند راسل" يقول: "كل علومنا الدقيقة [وأرقاها الرياضيات] يهيمن فيها التقريب".

أخيرا، الرياضيات تمثل العالم المجرد الأكثر صورية بسبب لغتها الرمزية الدقيقة التي تمثل نموذجا لليقين، ويقول في هذا السياق "أوغست كونت": "الرياضيات هي الآلة الضرورية لجميع العلوم".

وفقكم الله...

إجابتك

اسمك الذي سيظهر (اختياري):
نحن نحرص على خصوصيتك: هذا العنوان البريدي لن يتم استخدامه لغير إرسال التنبيهات.

اسئلة متعلقة

0 تصويتات
1 إجابة
مرحبًا بك إلى موقع باك نت، حيث يمكنك طرح الأسئلة وانتظار الإجابة عليها من المستخدمين الآخرين.
...