هل الأخلاق من طبيعة مطلقة أم أنها نسبية؟
مقالة الأخلاق
مرحباً بكم متابعينا الأعزاء طلاب وطالبات العلم في موقع باك نت.baknit الموقع التعليمي المتميز والمتفوق بمنهجية الإجابة الصحيحة والنموذجية من مرحلة التعليم الابتدائي والمتوسط والثانوي bac 2023 كما يسرنا بزيارتكم أن نقدم أهم المعلومات والحلول وأفضل الأسئله بإجابتها الصحيحه من شتى المجالات التعلمية من مقرر المناهج التعليمية 2022 2023 وكما عودناكم أعزائي الزوار في صفحة موقع باك نت أن نطرح لكم ما تبحثون عنه وهو .....هل الأخلاق من طبيعة مطلقة أم أنها نسبية؟.
وتكون الإجابة على سؤالكم هي على النحو التالي
هل الأخلاق من طبيعة مطلقة أم أنها نسبية؟
طرح المشكلة : تدرس الفلسفة ثلاثة مباحث كبرى هي : الوجود المعرفة والقيم . هاته الأخيرة والتي تُعد من أهم مباحث الإنسان ، إذ هي في الأصل جملة قيم وأفعال تقوم على أحكام تقديرية أي لا تصف ما هو كائن ، بل ما يجب أن يكون عليه السلوك الإنساني وغايتها من هذا السلوك التقويم والإرشاد ومعنى ذلك أن الفعل الأخلاقي يستند دائما إلى قيمة خلقية تُمثل ما يجب أن يكون عليه الفعل،وعلى هذا الأساس يكون مقبولا أو مرفوضا. ومهما كان المستوى الذي نتحدث به . لذا فان جمهرة الفلاسفة اختلفوا حول طبيعة المصدر الذي قد تُستمد منه الأخلاق ، فمنهم من أرجعها إلى جانبها الموضوعي المطلق ، ومنهم من ردها إلى حقيقتها النسبية . لذا جاز لنا أن نتساءل عما هو الأساس المناسب الذي نُقيم به الأخلاق. هل هو أساس مطلق يتحدى الزمان والمكان وتقلبات الأيام؟ ألا يمكن أن يكون أساس يسير مع تحويلات الحياة الاجتماعية والعالمية؟. بعبارة أخرى كيف نحضن ثوابتنا الأخلاقية أمام عالم لا يتوقف عن التغيرات؟.هل أخلاقنا ثابتة مطلقة أم فيها ما يدعو إلى النسبي ؟هل الأخلاق من طبيعة ثابتة أم من حقيقة متغيرة ؟ هل الأخلاق واحدة أم متعددة ؟ هل الأخلاق من طبيعة نسبية أم من طبيعة موضوعية ؟
محاولة حل المشكلة :
الأطروحة الأولى: ينطلق أنصار هذا الموقف من مسلمة مفادها أن القيم الأخلاقية قد توحدها مرجعية العقل كأساس للحكم والتمييز بين الأشياء فقيمة الإنسان في عقله لذلك كان اعدل قسمة بين البشر ، كما هي ذاتية لا تتأثر بالزمان ولذا نجد الاتجاه العقلاني يرجع حقيقة القيم الأخلاقية إلى مصدر وحيد وهو العقل والدليل في ذلك انه يدرك الخير الاسمي ومعنى الفضيلة وهو ما نادى به أفلاطون من قبل فأفلاطون يجعل من الفكرة المقياس الذي يقوم عليه وجود كل شيء ، فالعدل المطلق والجمال المطلق والخير الاسمي معايير ثابتة توجد في عالم المثل وما فيه من معايير فهي تحملها روح الإنسان ، لذلك لا يصل إليها إلا بواسطة وظيفة التذكر والجدل الصاعد ، لهذا كانت الفكرة أولى من الشيء وان المثل أولى من الواقع وان الخير هو القيمة العليا التي نبحث عنها لذا قال أفلاطون :" إن الخير فوق الوجود شرفا وقوة" مما يعني أن وجود الحق هو القيم الأخلاقية كمقياس للوجود والمعرفة والعمل ولا تكون استقامة النفس إلا إذا اُخظعت الرغبات وجميع الوظائف الأخرى للعقل كمدرك للعفة والفضائل والخير الأسمى لا يتحقق إلا بهذا النظام . أما فرقة المعتزلة فترى أن صفات الحسن والقبح صفات ذاتية للأفعال وان الحسن والقبيح عقليان لا يتوقف إدراكهما على الشرع أي أن العقل هو ذاتنا الأساسية في الترجيح والتمييز بين الخير والشر وبالتالي هي مصدر الإلزام الأخلاقي وما دام العقل هو الذي يدرك ما في هذه الأفعال من حسن أو قبح ويفرق بين الخير والشر فهو يختار بإرادته فعل الخير أو فعل الشر وما دام خيرا فهو يتحمل مسؤوليته أمام الله ثوابا أو عقابا إذن فالشرع هو الذي يخبر قيم الأخلاقية لما تحمله من خير أو شر ذاتها والفعل هو الذي يدرك ما في هذه الأفعال من خير أو شر ويستحسن الحسن ويستقبح القبيح ، وفي هذا الصدد نجد أيضا كانط يرى أننا لا نزن أحكامنا الأخلاقية بالقياس نتائجها النافعة أو الضارة لكننا نزنها بالقياس إلى قاعدة عامة صالحة للتطبيق على جميع الأفراد ومستقلة عن جميع النتائج . فالفعل الأخلاقي لا يكون أخلاقيا إلا إذا صدر عن الإرادة الخيرة والتي تُوصف بأنها خير في ذاته وهي ترتبط بقانون عقلي محض أوامره القبلية ليست مستمدة من التجربة إذ ميز كانط نوعين من الأوامر هي: الأوامر الشرطية : وهي الأوامر المرتبطة بما يحققه الفعل الأخلاقي من نتائج مثل اجمع المال من اجل أن اشتري مستلزمات . الأوامر القطعية : وهي التي تطبعها الإرادة الخيرة لذاتها من اجل ما تنطوي عليه من خير في ذاتها مثل : افعل الواجب لأجل الواجب فالأوامر القطعية تتم بمقتضى الواجب الأخلاقي الصادر عن الفعل ويبلور هذا القانون الأخلاقي " القطعي " في الحياة العملية في ثلاث قواعد أساسية متكاملة وهي : "افعل كما لو كان فعلك على شكل مسلمة ....فعليك أن يرتفع فعلك إلى قانون طبيعي عام" .معنى هذا أن الفرد يحمل المبدأ الخلقي الذي انطلق منه في عمله الخلقي كالمنفعة إلى قانون أخلاقي عام إلى جميع الناس ."افعل الفعل بان تعامل الإنسانية في شخصك أي في شخص كل إنسان بوصفها في نفس الوقت غاية في ذاتها ولا تعاملها أبدا كما لو كانت مجرد وسيلة " فالشخص لا بد أن لا يعامل الآخرين بوصفهم وسائل لتحقيق منافع بل لا بد أن يلتفت إليهم على أن لهم حقوق بصفتهم كائنات عاقلة أو غايات في ذاتها .
النقد والمناقشة :لكن نلاحظ أن ما جاء به أفلاطون كان في حقيقته مثاليا بعيدا عن الواقع الفعلي ، بينما المعتزلة بالغت في تقديس العقل على حساب الشرع وهو ما لا ينسجم والطبيعة البشرية . أما كانط فقد رفع الأخلاق إلى مرتبة عالية لأنه اعتبرها غاية في حد ذاتها وليست مجرد وسيلة كما انه يعتبر الكرامة الإنسانية مقدسة يجب احترامها في كل شخص ، ولكن في الحقيقة هذه الأخلاق صورية جافة لا يسهل تطبيقها في ارض الواقع لأنها في نهاية المطاف أخلاق لا تأخذ تماما بعين الاعتبار سيكولوجية الإنسان ودوافعه السلوكية . لذلك يقول المفكر الفرنسي بيار جنيه :" يدا كانط نقيتان لكنه لا يملك يدان" كما أن قيمة الفعل لا تتمثل في النية فقط ، أو في الإرادة الخيرة إذ لا يكفي أن نريد الخير حقيقة حتى نسلك سلوكا خيرا ، بل علينا أن نكون حذرين وان نفكر جيدا وان لا نندفع بصورة تلقائية إلى الفعل فالمداولة والصبر والشك والفحص الذكي لما نريد أن نقوم به احتياط ضروري حتى لا نقوم بتصرفات نندم عليها فيما بعد وإلا فان نيًتنا ستكون مبررا لأفعال غير خيرة في نتائجها. الم يقل في هذا الصدد:"إن طريق جهنم مبلط بالنوايا الحسنة"
الاطروحة الثانية: ينطلق أنصار هذا الموقف من جملة من المسلمات مفادها أن الأخلاق في حقيقتها نسبية ن وذلك باعتبار أن الأخلاق ظاهرة اجتماعية تتميز بشروطها الوضعية ولدراستها يجب أن ننظر إليها نظرة وضعية قائمة على ربط المعلول بعلته ، فإذا ما تأملنا الفعل الأخلاقي وجدنا لهذا الفعل مظهرين: صورة ومادة ، وصورة الفعل ومادته من صنع المجتمع ، فمن الناحية الصورية يكون الفعل أخلاقيا متى كان مطابقا للقانون وغيريا و إراديا . فمثلا الواجب الاجتماعي إلزام وضعه المجتمع ويجب على الفرد أن يكون فعله مطابقا للواجب بصفة تلقائية ما دام عضوا في هذا المجتمع ، ويتم ذلك عندما يتخلى عن أنانيته ويتحلى بالغيرية فيؤثر الآخرين على نفسه ويحدث هذا عندما يخلص الجميع للجميع ، أما من الناحية المادية فان القيم الخلقية نسبية متغيرة عبر الزمان والمكان ، فهي تابعة للشروط الاجتماعية الموضوعية ، وهذا ما ذهب إلى تأكيده الاجتماعيون وعلى رأسهم دور كايم الذي يرى أن المجتمع هو مصدر جميع القيم لأنه هو الذي يحدد المعنيين "الخير والشر". وما على الأفراد إلا الإتباع يقول دور كايم :" المجتمع يحدد للفرد نظام وجوده الشيوعي". معنى هذا أن القيم صادرة عن القيم الجماعية لان الفرد ما هو إلا صدى للمجتمع ويذهب ليفي برول الى ابعد من ذلك فيستبعد المفهوم المعياري للأخلاق ، وبذلك يهدم فلسفة القيم من حيث هي علم معياري وفي رأيه لم يعد هناك أساس للبحث عن الأسس التي يجب أن تُوضع بموجبها القيم الأخلاقية ، فالأخلاق ظاهرة اجتماعية لها قانونها ويجب لعلم الأخلاق أن يدرس الأفعال الإنسانية وقوانينها كما تلاحظ في الواقع وليست القيم سوى مظهر للجماعة تابع لماضيها وعلومها وفنونها وعلاقاتها بالجماعات الأخرى المجاورة لها، أما أنصار المذهب النفعي فيذهبون إلى التأكيد بان السعادة هي غاية الاتجاه ولا تتحقق إلا إذا تحصل الأفراد على اللذات من هنا كانت اللذة هي الخير والفضيلة والألم هو الشر والرذيلة ، لذلك فان الإنسان يطلب اكبر قدر ممكن من اللذات لتحقيق سعادته ومن أشهر من نادى بهذا المذهب نجد ابيقور وارستيب القرونائي حيث رأى هذا الأخير بان اللذة هي الخير الأعظم أما ابيقور فيقول :" إن السعادة أو اللذة هي غاية الإنسان ولا خير في الحياة إلا اللذة ولا شر إلا الألم ".أما الفيلسوف الانجليزي جيرمي بنتام فقد أكد على أن تحقيق اكبر ما يمكن من السعادة لأكبر قدر ممكن من الناس هو أساس الأخلاق ومعيارها أي تحقيق أقصى ما يمكن من المنافع والسعادة ، ومن هنا نجد أنصار النظريتين الاجتماعية والنفعية يؤكدون على أن القيم الأخلاقية وليدة الظروف فهي نسبية متغيرة ،أما جون ستيوارت مل فيرى أن مقياس الخير لا يتمثل في تحقيق سعادة الفرد الفاعل بل يتمثل في ضمان اكبر سعادة للمجموع فيقول :" ومن ثمة تكون السعادة هي إحدى غايات السلوك البشري ومعيار الأخلاق جميعا".أما ارستيبوس فقد اعتبر أن اللذة هي صوت الطبيعة وما على الكائن البشري إلا أن ينصاع لها . حيث قال :" إن اللذة هي صوت الطبيعة فلا حياء ولا خجل ".
النقد والمناقشة : لكن نلاحظ انه إذا كانت مادة الأخلاق تابعة للطبيعة النسبية ، فان صورتها ثابتة مثل الإلزام بالواجب فالإلزام واحد في كل المجتمعات وعلى مختلف الأزمنة وعندئذ نتساءل عن مصدر هذا الإلزام . هل هو المجتمع أم هو إرادة مفارقة تتجاوزهما معا ؟.كما أن هذه المدرسة لم تضح لنا لماذا ينبغي أن يحترم الفرد أخلاق مجتمعه وخاصة حينما تتعارض مع طموحاته؟ أما ما يمكن أن يُقال لأنصار الموقف النفعي هو أن إقامة الأخلاق على المنافع تؤدي إلى طريق مسدود ، لان المنافع ذاتية من جهة و متناقضة و متضاربة من جهة أخرى .لذا من الواجب أن يُطرح التساؤل التالي: ما العمل حينما تتعارض مصالحنا مع مصالح الغير ؟. وحينما تتعارض المصلحة العائلية بمصلحة الوطن ؟نفس الفعل قد يكون نافعا ومن ثمة خيرا بالنسبة لطرف معين وهو شر بالنسبة للطرف الأخر ، فما يحقق منفعة لي فقد يضر بالآخرين.
التركيب : وعموما يمكننا أن نقول أن لكل قيمة أخلاقية بعد ديني أساسي وهذا ما يُمكّننا من تجاوز الصراع القائم بين أنصار موضوعية الأخلاق ونسبيتها لان البعد الديني يُعتبر إلزام مُتعالي الهي مُقدس يقوم عليه الفعل الأخلاقي فالمجتمع الإسلامي يتمسّك بالدين أولا وبالعقل ثانيا كمبدأين أساسيين إقامة الأخلاق دون إهمال باقي المبادئ الأخرى ، والرأي الصحيح هو الذي يرى أن الأخلاق منها ما هو مطلق يتميز بالثبات يتجلى في الأخلاق الذهنية ، ومنها ما هو نسبي يتميز بالتغير وقابلية التجديد .
حل المشكلة :
وفي خاتمة ما كتبنا يمكننا أن نقول أن الأسس التي يقوم عليها الفعل الأخلاقي متكاملة ومتداخلة فيما بينها ، لان معيار الفعل الأخلاقي ليس واحدا فقد تتعدد مبادئ القيم بتعدد مذاهبها ولا يمكن حصرها في أساس واحد ، فحتى الدين كسلطة متعالية لم يبلغ الأسس الأخرى "العقل ،المجتمع ، المنفعة" وهو ما نفهمه من الحديث الشريف " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ". ولهذا يُقال :" الأخلاق واحدة في أهدافها متعددة في تطبيعتها " يقول شوبنهاور :" من السهل علينا أن نبشر بالأخلاق لكن من الصعب علينا أن نضع لها أساسا ".