هل ترى أن كل معارفنا مصدرها الإحساس ؟
مقالة فلسفية
مرحباً بكم متابعينا الأعزاء طلاب وطالبات العلم في موقع باك نت.baknit الموقع التعليمي المتميز والمتفوق بمنهجية الإجابة الصحيحة والنموذجية من مرحلة التعليم الابتدائي والمتوسط والثانوي bac 2023 كما يسرنا بزيارتكم أن نقدم أهم المعلومات والحلول وأفضل الأسئله بإجابتها الصحيحه من شتى المجالات التعلمية من مقرر المناهج التعليمية 2022 2023 وكما عودناكم أعزائي الزوار في صفحة موقع باك نت أن نطرح لكم ما تبحثون عنه وهو .......هل ترى أن كل معارفنا مصدرها الإحساس
وتكون الإجابة على سؤالكم هي على النحو التالي
هل ترى أن كل معارفنا مصدرها الإحساس
المقدمة:
أصل المعرفة الإنسانية ، من المباحث الأساسية في الفكر الفلسفي ، فإذا رجعنا إلى تاريخ الفلسفة نجد نقاشا حادا حول طبيعة المعرفة بين مذهبين أساسيين ، هما المذهب العقلي و المذهب التجريبي الحسي و هذان المذهبان هما العمود الفقري للفلسفة الغربية الحديثة لهما امتداد إلى الفكر اليوناني .
فإذا كنا لا نشك في الحكم بأن حواسنا هي التي نطل بها عن العالم الخارجي ،فهل يمكن القول بأن المعرفة ذات طبيعة حسية؟ و إذا لم تكن المعرفة ذات طبيعة حسية فهل هي ذات طبيعة عقلية خالصة؟ و إذا لم تكن لا حسية خالصة و لا عقلية خالصة ، فما طبيعتها؟
العرض :
الموقف الحسي التجريبي :
يذهب أنصار المذهب الحسي من " هيرقليطس" 480ق.م إلى جون لوك القرن 16 إلى أن الإحساس مصدر كل معرفة ، أي أن معارفنا الإدراكية لا مصدر لها سوى الإحساس .فحسب الحسيين ليس ثمة أفكار فطرية، بل خبرة مكتسبة .وليس ثمة أفكار مجردة، بل انطباعات حسية. أي أنهم عكس العقليين -هو التجربة و الإحساس و ليس الإدراك المجرد .الإحساس هو المصدر الوحيد للمعرفة هوبز يقول جون لوك:" لنفرض أن العقل صفحة بيضاء خالية من أية كتابة أو معنى.. من أين لها ذلك المستودع العظيم الذي نقشه عليها خيال الإنسان الواسع نقشا متنوعا إلى أنواع لا تحد، و من أين لها كل مواد الفهم و المعرفة ؟ عن كل هذه الأسئلة أجيب بكلمة واحدة هي التجربة".
الحجج:
ينكر "لوك" المعاني الفطرية و حجته في ذلك ضد المعنى الفطري في العقل هي: إن دعوى وجود أفكار فطرية هي دعوى تكذبها الواقع.لأن هذه الأفكار ليست موجودة لدى الأطفال ولا لدى المتوحشين ولا لدى المجانين فالرجل البدائي لا يملك أفكارا فطرية ، ولذلك فهو لا يطيق التعامل مع ما هو مجرد يتعلق بالتصورات و الأفكار و المفاهيم، بل أقصى ما حصل لديه جملة من الانطباعات الحسية المباشرة ، إنه لا يستطيع الجواب عن أسئلة تتعلق بالجمع بين نقيضين و تتعلق بمعنى الزمان والمكان و بماهية العلة و الغاية و غيرها.ولكنه في نفس الوقت لا يجد صعوبة في التعامل مع ذات الأسئلة عندما تقترن بمعطيات التجربة الحسية في واقعه المألوف كأن يتحدث عن زهرة موجودة في الحقل لها رائحة و لون و شكل.وكذلك بالنسبة للطفل الصغير فهو يستطيع التعامل مع الرموز و الأعداد المجردة في الرياضيات،فالطفل يفهمها إذا كانت مجسدة في صورة حسية بينما يعجز عن فهمها إذا كانت مجردة.
الإحساس هو مصدر كل معرفة، و أن الواقع هو محك المعرفة الصحيحة.فالإدراك العقلي نفسه يرجع إلى التجربة الحسية ،و لا وجود لأفكار فطرية.
النقد:
إذا كانت المعرفة مكتسبة كلها عن طريق الحواس، و العقل يعمم الأفكار الجزئية التي يتلقاها من الحواس مثلما يذهب إليه لوك ، قهل تخلو إحساساتنا من أي نشاط ذهني سابق؟ إن حجج التجريبيين لم تستطع أن تنفي هذا النشاط الذهني.
الموقف الثاني :( المذهب العقلي)
يذهب أنصار التيار العقلي من أفلاطون إلى ديكارت أن المعرفة ذات طبيعتها عقلية إدراكية و ليست حسية ، بمعنى أن الإحساس يساهم في المعرفة و لكن لا يمكن إرجاع أصل المعرفة إلى الإحساس، بل الغالب من مدركاتنا صادرة بصورة قبلية ( فطرية) عن العقل.
لقد دافع "ديكارت" عن وجود أفكار فطرية في العقل، و قلل من أهمية الحواس، و شكك في قيمة المعرفة الحسية.
- الحجج: استدل أنصار هذا التيار بمجموعة من الأدلة منها :
- - الإحساس يمدنا بمعرفة جزئيات الأشياء و لا يمدنا بمعرفة كلياتها. فالإحساس وحده لا يحقق معرفة مجردة كلية بل يبقى أسير الجزئيات الحسية مثال: الحواس لا تدرك سوى عوارض الأشياء فالعين لا تدرك من الأصابع سوى أوصافها الحسية كالطول أو القصر ، و اللمس لا يدرك من الأشياء إلا عوارضها الخارجية.وهي بهذا لا تعطي معرفة كلية أو تعريفا عاما للأشياء ليميزها عن بعضها البعض.
-قيمة الإحساس إنما تكمن في أنه يقوم بتنبيه النشاط العقلي لتحقيق معرفة مجردة، أما المعرفة الحسية فكثيرا ما تكون خاطئة.
-الإحساس لا يخبرنا أن الشيء الموجود في التجربة له دائما نقيضه المتصور ، مثال : موجود غير موجود، أبيض لا أبيض .فالعقل هو الذي يقوم بذلك.
-المعرفة الحسية أدنى قيمة من المعرفة العقلية، لأن المعرفة الحسية من شأن العامة، و هي معرفة ظنية لا يقينية ، بل لا تتجاوز ما يتوفر لدى الحيوانات .أما المعرفة العقلية الإدراكية فتقتضي تعقل الشيء بمعرفة ماهيته،أي بتجريده من صوره الخارجية.
خلاصة موقف العقليين :
-المعرفة العقلية أسمى من المعرفة الحسية و ذلك لأن : المعرفة العقلية كلية و يقينية، بينما المعرفة الحسية جزئية وظنية ، فالجزئي الظني أدنى قيمة من الكلي اليقيني.
-مما سبق ندرك أن المذهب العقلي يميز بين الإحساس و الإدراك من حيث الطبيعة ،عندما يصف المعرفة العقلية بأنها كلية و المعرفة الحسية بأنها جزئية،و من حيث القيمة عندما يرى بأن الحسية ظنية و العقلية يقينية.
النقد:
لا يمكن إنكار دور العقل في عملية المعرفة و لكن ذلك لا يجب أن يقلل من أهمية الحواس ، كما أن الفصل بين المعرفة العقلية الإدراكية و المعرفة الحسية من قِبل المذهب العقلي مبني على اعتبارات مذهبية ذاتية. أما علم النفس الحديث ، ونظرا لطبيعة الدراسات العلمية ، يذهب علماؤه إلى عدم إمكانية التمييز بين الإحساس و الإدراك واقعيا.فمن حيث الواقع لا يمكن للإدراك أن يصل إلى معرفة العالم الخارجي دون سند حسي تجريبي، فالحواس تلعب دور الوسائط التي تربط الإدراك بهذا العلم.
التركيب:(التجاوز)
إذا كان التجريبيون أرجعوا المعرفة للحواس و العقليين أرجعوها إلى العقل فإن ذلك يدل على تطرف النزعتين معا ، و هذا إن دل على شيء فإنما يدل على طبيعة الفكر الغربي.و أن النظرة التي تميز العلماء المسلمين هي أن المعرفة ليست حسية خالصة و لا عقلية خالصة و لا تقتصر عليهما فقط بل تتعداهما إلى عوامل أخرى" يعول في اكتساب المعرفة على العقل و الحواس و باقي الملكات الإدراكية التي وهبها الله للإنسان".
أبو حامد الغزالي: يعترف بالحواس وسائل للمعرفة و لا ينفي دور العقل، لكنه يرى أن المعرفة الحقة هي التي تكون عن طريق الحدس، أي المعرفة المباشرة.
الخاتمة:
مماسبق عرضه نستنتج أن هناك تطرفا مذهبيا في النزعتين : لهذا تجعل النزعة الحسية الإحساس مصدر كل معرفة، بينما تجعل النزعة العقلية الإدراك مصدرا لهذه المعرفة ، وأن محاولة إلغاء كل ما هو فطري ، أو الشك في كل ما هو حسي، فهي من صميم التعصب المذهبي. في حين أن المعرفة الإنسانية لهذا العالم هي نتيجة تكامل كل من الإحساس و الإدراك العقلي.و أن طبيعة المعرفة الإنسانية التي يتكامل فيها الإحساس مع الإدراك، ستظل تشكل سرا من أسرار الوجود الإنساني في هذا االجاهرة