مقالة فلسفية هل الرياضيات ذات أصول عقلية خالصة
بكالوريا 2022 2023 bac الجزائر
أهلاً بكم طلاب وطالبات الباك 2023 في موقعنا باك نت .baknit.net الموقع التعليمي المتميز والمتفوق بمنهجية موضوع النص الفلسفي الجدلية والمقارنة والاستقصاء بالوضع كما نقدم لكم بقلم أستاذ الفلسفة الاجابة الصحيحة لجميع دروس والمقالات الفلسفية المتوقعة والمقترحة في باك جميع الشعب الفلسفية كما نقدم لكم الأن أعزائي الطلاب والطالبات مقالة مختصرة وهي إجابة السؤال .... هل الرياضيات ذات أصول عقلية خالصة
وتكون اجابتة الصحية هي التالي
نص السؤال: هل الرياضيات ذات أصول عقلية خالصة؟.
طـرح المشكلة :
مقدمة
معلوم أن الرياضيات في موضوعها ومنهجها تختلف عن سائر العلوم إذ تمتاز بالدقة واليقين ما جعلها من أدق العلوم بالنظر إلى لغتها الدقيقة القائمة على الرموز والأعداد ، ولا يشكك أحد من الفلاسفة والرياضيين في مدى دقة الرياضيات وصورية موضوعها ، وإذ كان من الواضح أنها تدرس مفاهيم عقلية مجردة بشهادة جميع الفلاسفة ،فإنهم يختلفون حول مصدر تلك المفاهيم بين اتجاه يرى أنها عقلية خالصة لا علاقة للتجربة والخبرة في نشأتها ، وآخر يحيلها إلى التجربة كشرط وحيد لتأخذ صيغة مجردة لاحقا ، فأي الموقفين على صواب ؟ وهل المفاهيم الرياضية في أصلها عقلية محضة أم حسية تجريبية ؟
محاولة حـل المشكلة :
إن المفاهيم الرياضية موجودة في العقل على سبيل الفطرة دون مقدمات تجريبية حسية فهي لم تأت من خارج العقل بل إنها تنبع منه بشكل كلي ومطلق ، أشار إلى ذلك الحكيم أفلاطون الذي يرى أن العقل على علم بسائر الحقائق الرياضية بوصفها أزلية وخالدة وكلية مصدرها عالم المثل الذي كانت تحيا فيه نفوسنا وتعرف كل شيء قبل نزولها إلى عالم الحقيقة المزيفة والمتغيرة، واتحادها بالجسد أين نسيت تلك المدركات ، ويفرق في مجال الحساب بين نوعين من الأعداد : المثالية وهي الأصل من الواحد إلى التسعة، والحسابية وهي المقابلة للأشياء الحسية وتشتق من الأولى ، يقول : "الحقائق المجردة إنما يدركها الإنسان بالفكر " وحديثا دافع الفرنسي ديكارت عن هذا الطرح بصيغة مخالفة ، إذ يقر أن المعاني الرياضية من أعداد وأشكال هي أفكار فطرية أودعها الله في عقول الناس، ومنها تشتق المدركات الجزئية ،وتمتاز بأنها واضحة وضوحا ذاتيا وصادقة بالضرورة مثل : الكل أكبر من الجزء ، المكان ، الزمان ...الخ ، يقول عنها :" لا يمكن أن تكون موضع خطأ أو عدم يقين بها" .
نقر مع أنصار هذا الطرح ما للعقل من دور بالغ الأهمية في إنشاء المفاهيم الرياضية بوصفه ملكة عقلية عليا ، لكن لو كان الأمر كذلك لوجدناها عند الطفل الصغير ، ولو كانت المفاهيم الرياضية خالدة وصادقة ضرورة لما تطورت عبر الزمان ،وإن ظهور النسق الأكسيومي في الرياضيات المعاصرة خير دليل على تطورها .
ذلك ما نادى به أنصار الاتجاه الحسي من أن المبادئ والمفاهيم الرياضية لا مصدر لها سوى الواقع الحسي ، وأن كل معرفة عقلية هي صدى مدركاتنا الحسية ، ولا يوجد في العقل شيء ما لم يوجد من قبل في التجربة ، حيث يشير جون ستورات مل بأن تاريخ العلم يؤكد أن الهندسة نشأت من عملية مسح الأراضي عند قدماء المصريين يقول :"إن النقط والدوائر والخطوط التي يحملها كل واحد في ذهنه هي مجرد نسخ من النقط والخطوط والدوائر التي عرفها من التجربة : كما أن الحساب نشأ من العد اليومي، فالإنسان البدائي تعلمه باستخدام الحصى والعيدان ، والطفل الصغير يتعلم الحساب باستخدام أصابع اليدين وأشياء حسية أخرى بتأكيد علم النفس الحديث، هذا علاوة على أن الرياضيات نشأت وتطورت تبعا لحاجة الإنسان المادية إليها يقول إنجلز :" إن الرياضيات ككل العلوم نابعة من حاجيات الإنسان ".
لئن كنا نوافق أنصار الاتجاه الحسي في أن الإنسان يتدرج في سلم المعرفة تبعا لتطوره وانتقاله عبر مراحل التاريخ ،فإننا نشير كذلك أن هذا الاعتقاد لا ينطبق اليوم على كثير من المفاهيم الرياضية التي لا علاقة لها البتة بالتجربة الحسية .
وخلافا للجدل السابق نشير إلى أنه لا وجود لعالم مثالي في غياب العالم الحسي ولا محسوسات دون وعي بها ، فالمفاهيم الرياضية في نشأتها الأولى ترتد إلى واقع محسوس ثم تنصرف إلى الإغراق في التجريد مع الإشارة ضرورة إلى الفرق بين تلك البدايات الأولى لنشأتها وصورها المجردة اللاحقة ، يقول السويسري غونزيث :" في كل بناء تجريدي راسب حسي يستحيل محوه أو إزالته "، ويؤكد جان بياجي ضرورة التجربة في كل عملية معرفية بما في ذلك الرياضيات ، يقول جورج سارطون :"لم يدرك العقل مفاهيم الرياضيات في الأصل إلا من جهة ما هي ملتبسة باللواحق المادية ولكنه جردها من لواحقها حتى أصبحت عقلية ".
حـل المشكلة :
يظهر مما سبق ذكره أن الخلاف بين فلاسفة الرياضة حول المفاهيم الرياضية يقودنا إلى حقيقة مفادها أن التجربة والعقل كليهما ساهما في نشأتها، وأيا كانت نتيجة الجدل القائم بين العقليين والحسيين حول أصل المفاهيم الرياضية فإن المؤكد أنها بدأت حسية ثم آلت عقلية مجردة مع التمييز بوضوح بين بداياتها الأولى وصورها المجردة اللاحقة .