مقالة فلسفية - في العلوم التجريبية :خاص للعلميين والرياضي والتقني وتسيير
هل التجربة مقياس لكل معرفة علمية ؟
مرحباً بكم متابعينا الأعزاء طلاب وطالبات العلم في موقع باك نت.baknit الموقع التعليمي المتميز والمتفوق بمنهجية الإجابة الصحيحة والنموذجية من مرحلة التعليم الابتدائي والمتوسط والثانوي bac 2023 كما يسرنا بزيارتكم أن نقدم أهم المعلومات والحلول وأفضل الأسئله بإجابتها الصحيحه من شتى المجالات التعلمية من مقرر المناهج التعليمية 2022 2023 وكما عودناكم أعزائي الزوار في صفحة موقع باك نت أن نطرح لكم ما تبحثون عنه وهو .......هل التجربة مقياس لكل معرفة علمية
وتكون الإجابة على سؤالكم هي على النحو التالي
هل التجربة مقياس لكل معرفة علمية
المقدمة وطرح الإشكال: في ظل تطور العلوم بصفة عامة سواء علوم المادة الحية أو علوم المادة الجامدة وظهور المنهج التجريبي الذي يعتمد على التجربة كمبدأ للدراسة واعتبارها المقياس الأساسي للعلمية والحكم على قيمة العلوم، ومن هذا المنطلق فقد اختلف الفلاسفة حول المعيار الذي يجعل المعرفة العلمية تجريبية، فمنهم من ذهب بأن التجربة هي المقياس الأساسي لكل معرفة علمية و منهم من عارض ذلك، ومن هنا يجدر بنا طرح التساؤل التالي: هل التجربة مقياس ضروري لكل معرفة علمية؟ و بصيغة أخرى هل يوجد مقياس آخر للمعرفة العلمية ؟
محاولة الحل: إن الطريقة التجريبية كمبدأ للمعرفة و مقياس أساسي لها لم تتضح إلا بعد انفصال البحوث العلمية عن الدراسات الفلسفية و هذا على يد رواد المنهج التجريبي أمثال جون ستيوارت مل، فرنسيس بيكون...إلى غير ذلك حيث أثبتوا أن التجريب هو المعيار الأساسي لكل علم يدرس، ولإنتاج المعرفة العلمية تكون بإتباع خطوات المنهج التجريبي والمتمثلة في الملاحظة، الفرضية والتجربة، فبالنسبة للملاحظة العلمية هي الانتباه للظواهر الموجودة في الطبيعة وهي أول خطوة منهجية في عمل العالم و يشترط فيها الموضوعية وأن تكون مرتبطة بالظاهرة المدروسة بعيدة عن رغبات و ميولات الملاحظ يقول كلود برنار" لكي تكون معاينة الظاهرة معاينة سليمة يستخدم الملاحظ كل الأدوات التي من شأنها جعل ملاحظته للظاهرة ملاحظة أكثر شمولية ".و أما الفرضية العلمية فهي تفسير مؤقت للظواهر وتشكل استدلالا عقليا ينطلق من الملاحظة و تقود إلى التجربة، فإذا أكدت التجربة صحة الفرضية أصبحت قانونا وإذا تبين خطأها استبدلت بفرضية أخرى، يشترط فيها أن تكون قابلة للتحقق التجريبي ونابعة من الظواهر المدروسة ولا تتناقض مع ذاتها، أما الخطوة الأخيرة فتتمثل في التجربة العلمية وهي اصطناع الحوادث في المخبر أو الطبيعة بتوفيرها شروطها الأساسية وعزلها عن العوامل والمتغيرات الأخرى، من أجل تحديد طبيعة العلاقات بين الظواهر المتدخلة في إنتاج الظاهرة المدروسة، و تظهر على أنها تحتل موقعا محوريا في المنهج التجريبي واستيعابها لما يسبقها من خطوات من ملاحظة وفرضية فمن دونها لا معنى لهما فهي تحكم على قيمة عملهما، فهي تعتبر أداة التحقق والتأكد و سلطة الحسم في البحث العلمي والفصل في الحكم على طبيعة الدراسة و قيمة نتائجها وشرط ضروري لا بد منه، ولإضفاء طابع الحتمية والضرورة على نتائج التجربة، يشترط فيها أن تكون قابلة للتكرار كلما توفرت نفس الشروط المخبرية و يتحقق فيها أن تكون قابلة للتكرار كلما توفرت نفس الشروط المخبرية، و يتحقق فيها مفهوم العزل كي يتم التمييز بين عوامل الظاهرة المدروسة وغيرها و إمكانية التحكم في الشروط التي تحدثها وإدخال شروط جديدة، كما ينبغي أن تكون نتائج التجربة قابلة للتعميم على ظواهر من نفس النوع و تنتج في نفس الظروف، و وسيلة حاسمة لقياس بعض الظواهر و تسجيل علاقاتها و فرصة لإحداث مركبات جديدة وإبداعية والتعبير عن أكبر قدر من الموضوعية و في هذا الصدد يقول غاستون باشلار" إن عمر العلم يقاس بمبدأ تطور الوسائل التجريبية المستعملة لاكتسابها". فالمقصود بهذا أنه كلما تطورت وسائل التجربة تطور العلم وكان له امتداد أوسع، فبهذا التطور قد توسع مجال استعمال التجربة فأصبحت في عدة ميادين كميدان البيولوجيا والجيولوجيا والفلك ...الخ و في هذا المقام يقول الفيلسوف جون لوك"لا وجود لمعرفة خارج الواقع ولا وجود لمبادئ نظرية أولية ". فالتجربة هي وحدها التي تنقش في عقولنا الأفكار والمعارف الإنسانية على عكس الأحكام العقلية تتغير بتغير الزمان والمكان وتختلف باختلاف ظروف العمل، ومجالات البحث والمعارف المكتسبة وهذا ما ذهب إليه الفيلسوف جون لوك " الطفل لا يعرف النار إلا بعد لمسها". مما يدل على أن العلم لا يكون له معنى إلا بوجود التجربة وهذا ما ذهب إليه أنصار المنهج التجريبي فنجد من يقول " إن المعرفة التي لا تستمد من التجربة ليست يقينية ". فالمعرفة التي لا تنبع من التجربة مجرد ظن يقول دافيد هيوم" التجربة مقياس المعرفة الحقة". فالأفكار تتطور وتتسع مجالات معارفها مع ما نكتسبه من خبرة في حياتنا اليومية فالتجربة هي مقياس المعارف الإنسانية .
لكن رغم ما حققته التجربة من نتائج إلا أنها لا تستطيع أن تطبقها في جميع ميادين العلوم نتيجة اختلاف طبيعة الموضوعات المدروسة يقول برنارد " إن الاستدلال التجريبي يبقى دائما نسبيا و مؤقتا ". فهي لا تستطيع أن ترتقي إلى مستوى ضمان النتائج و إثبات اليقين فهي ليست المقياس الأوحد والضروري لتأسيس العلم.
في حين يرى أصحاب النزعة العقلية أن العقل هو المعيار الأساسي لكل بحث علمي وفهم الحقائق يقول بوانكاري" نستطيع أن نسأل الطبيعة دائما لكنها لا تجيب بل نحن نجيب بدلها ".مما يعني أن الطبيعة لا تقدم لنا إجابات، فالقضايا الرياضية مثلا تعتمد على المقياس الاستنتاجي الصوري وحققت نتائج في الدقة واليقين حتى صارت العلوم التجريبية تتطلع إلى استخدام الرياضيات، والدراسة في الظواهر الاجتماعية تتخذ الاستدلال الإحصائي، كما أنها لا تتيسر في كثير من الحالات كحالة الفلكي الذي يرصد إجرام السماء و الذي لا يمكنه أن يحدث خسوفا أو كسوفا متى شاء ليتحقق من بعض الفرضيات، و الفيزيولوجي الذي يعتني بدراسة وظائف أعضاء الجسم لذا نجد أن دراسات مناهج العلوم تؤكد أن البرهنة على الحقائق و إثبات علميتها تقبل أكثر من مقياس وهذا بحسب طبيعة الموضوع وليس رهين المعيار التجريبي.
لكن تعدد مقاييس إثبات العلمية سواء بالاعتماد على المقياس العقلي أو مقاييس أخرى لا يعني الإنقاص من قيمة المقياس التجريبي وما حققه من إبداع في النتائج، فيبقى المقياس الأكثر استعمالا مما يدل على فاعليته.
التركيب: من خلال هذين الرأيين المتناقضين يمكننا الوصول إلى تركيب بينهما هو أن مقياس العلمية و تحديد قيمة العلم ليس واحدا في جميع العلوم فطبيعة الموضوع هي التي تحدد المقياس الأنسب له، لذا فالمقياس التجريبي ضروري في العلوم والموضوعات،التي تتناسب معه، كما أن مبدأ العقل ضروري لبعض العلوم العقلية كالرياضيات، ولكنه ليس لازما في ميادين أخرى.
حل المشكلة: من خلال ما سبق نستنتج أن العلاقة بين العقل والتجربة هي علاقة تكامل وظيفي، فلكل واحد منهما موضوعاته الخاصة به، فالعقل مقياس للعلوم العقلية كالرياضيات وأما التجربة مقياس للظواهر الحسية رغم الاختلاف بينها.