الأخلاق...
نسبية أم مطلقة
لا أثق بأن الأخلاق هي موضوع بذاته, مفصول وبامكانه التملّص من كافة العلاقات التي تحكم مجتمعا ما. لطالما كانت متأثرة بالسياسة, بالاقتصاد, وبالوسائل المعرفية التي نستعملها لاستهداف موضوع ما.
سنرى عبر قراءة تاريخية أن الأستغلال, والعبودية, والقتل, والسرقة, لم يكونا أفعالا شائنة بذاتها. مع مرور الزمن, وقيام الدولة, سنرى أن القوانين وضعت لتلائم الطبقة الحاكمة (ملكية, ارستقراطية, برجوازية, أوليغارشية..) لتشرّع استغلالها أو تنظمه عبر تنظيم هذا المجتمع. وبالطبع, علاقات قوة ما ستساهم ببناء الفرد وتفهيمه أن فعل القتل المتعمّد أو السرقة (رغيف خبز, بيت, دكان, قافلة) هو فعل شائن, ستفهم شخصا بعائلة ما او بشرة ما أنه عبد, ستفهم فتاة أن مكانها بالبيت وليس ارتياد دور العلم. القتل والسرقة من عامة الشعب يعني خراب هذه الدولة أو هذا المجتمع الذي سينفلت من سيطرة الطبقة الحاكمة.
النظام الاقتصادي سيؤدي الى مراكمة الثروات للطبقة الحاكمة ولأجيال قادمة ستولد في عالم تملك فيه ألاف الهيكتارات من الأراضي بشكل لم تبذل فيه أي مجهود بينما أحد آخر ولد عبد ولن يملك شيئا في حياته. مراكمة الثروات بشكل جنوني تدل على خلل, على سرقة مستمرة: لماذا هي بهذا الوضوح وفي نفس الآن بهذا الابهام أي لا أحد يلتفت أو يعي أنها سرقة؟ لماذا سيعتقل أحد ما لسبب غير مفهوم وسيعذّب ويقتل بينما الشعب يؤمن بوجود الأخلاق ويسير بها؟ كيف سيعذب داميان (Demians 1757) بالزيت المغلي وماء الكبرت والسكاكين ويمزق جسده بالأحصنة بينما الشعب الذي يؤمن بفطرة الأخلاق ينظر اليه؟ على أي أساس أقيمت دور الحجز في فرنسا في القرن السابع عشر بأمر من الطبقة الأرستقراطية ولاحقا الكنيسة, هذه التي تعتقل على نحو تعسفّي كل من الفقراء والمتسولين والمجانين وأصحاب المرض وتزجهم في زنازين جماعية؟ أي فطرة أخلاقية لشعوب تقبل بالحرب الطاحنة على اليمن وعلى سوريا والجرائم السياسية في السعودية ومصر وايران وسوريا..الخ؟
ربما استطردت كثيرا في حديثي, ما أود قوله أن المؤسسات(المدرسية, الدينية..الخ), في وقتنا الحالي, دوما ما تحاول تقويم سلوكياتنا عبر اشعارنا بالذنب. هذه المؤسسات هي يد السلطة التي تستمر باستغلالنا عبر وسائل مشرّعة. الأخلاق في غاية الهشاشة.