هل النظام الرأسمالي كفيل بتحقيق حياة اقتصادية مزدهرة أم النظام الاشتراكي
مقالة فلسفية حول الأنظمة الاقتصادية بطريقة جدلية باك نت 2023
مرحباً بكم أعزائي الطلاب والطالبات في موقع باك نت يسرنا بزيارتكم أن نقدم لكم
#المقالة العاشرة حول الأنظمة الإقتصادية
- الطريقة جدلية :
* نص السؤال :هل النظام الرأسمالي كفيل بتحقيق حياة اقتصادية مزدهرة أم النظام الاشتراكي ؟ أي نظام إقتصادي تراه أنجع ؟
#طرح المشكلة:
تختلف النظم الاقتصادية ماضيا باختلاف موقعها من الملكية وما يصل بها من حيث النوع والحقوق و الواجبات فهناك من حيث النوع قسمان ،ملكية فردية وهي التي يكون فيها المالك معنيا ، وملكية جماعية وهي التي يكون فيها المالك معنويا أي معين في شخص بعينه كالدولة و العشيرة و القبيلة أي نظام قائم على الملكية الفردية وآخر قائم على الملكية الجماعية وهو الليبرالية والاشتراكية .
وقد اختلف جمهور الفلاسفة في تحديد النظام الاقتصادي الذي يحقق ازدهاراً اقتصادياً، فمنهم من يرى في النظام الرأسمالي أداة في ازدهار الحياة الاقتصادية، وهناك من يرى في الاشتراكية أداة في تطوير الاقتصاد وازدهار الحياة .
أمام هذا الاختلاف و الجدال الواقع بينهم فإن الإشكال الذي يمكننا طرحه هو : هل النظام الرأسمالي كفيل بتحقيق حياة اقتصادية مزدهرة ؟ أم أن النظام الإشتراكي؟ هل تدخل الدولة في الإقتصاد يعيق تطوره؟
#محاولة حل المشكلة :
#الموقف الأول :" النظام الرأسمالي الحر ، كفيل بتحقيق حياة اقتصادية مزدهرة "
إن النظام الرأسمالي هو النظام الذي يفتح أفق الحياة الاقتصادية وفق مبادئ تضمن ازدهار الحياة الاقتصادية كونه قائم على أسس الملكية الفردية لوسائل الإنتاج و المنافسة الحرة ومنع تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية و قد مثل هذا التيار كل من باستيا، كنساي ، آدم سميث ، و يستندون في ذلك إلى حجج و براهين و هي :
إن سبب كل المشاكل الاقتصادية بحسب نظر الرأسمالية يرجع إلى تدخل الدولة في تحديد الأسعار و الأجور و الإنتاج ، فلا يزدهر الاقتصاد إلاّ إذا تحرر من كل القيود و القوى التي تعيق تطوره وفي هذا يقول آدم سميث أحد منظري الليبرالية " دعه يعمل أتركه يمر" ،
إن النظام الرأسمالي يرتكز على مبدأ أساسي و هو الملكية الفردية لوسائل الإنتاج و التي تعني حق الفرد في تملك وسائل الإنتاج وفقا للطبيعة البشرية فالملكية الفردية ترغب الفرد في العمل و بذل الجهد و زيادة الإنتاج مع ضمان الجودة و بالتالي تحقيق النمو الإقتصادي
كما يعتبر التنافس الحر بين المنتجين الوقود المحرك للآلة الاقتصادية فالحرية الاقتصادية تفتح آفاقا واسعة للمبادرات الفردية الخلاقة بحيث أن كل المتعاملين يبذلون قصارى جهدهم لإنتاج ما هو أحسن وأفضل وبكمية أكبر و بتكلفة أقل حيث يرى باستيا أن القضاء على المنافسة الحرة هو قضاء على الفكرو العقل, ولا خوف في خضم هذا النشاط على حركة الأجور و الأسعار لأن قانون العرض و الطلب يقوم بتنظيم هاتين الحركتين و يعوض هذا القانون تدخل الدولة في تحديد الاسعار و المنتوجات حيث يحدد الأسعار بشكل طبيعي كما يحدد أجور العمال و في هذا يرى آدم سميث أن سعر البضاعة يساوي ثمن التكلفة زائد ربح معقول ، لكن إذا حدث بسبب ندرة بضاعة معينة أن ارتفع سعر بضاعة ما فوق سعرها الطبيعي فإن هذه البضاعة تصبح مربحة في السوق الأمر الذي يؤدي بمنتجيها إلى المزيد من إنتاجها فيرتفع العرض و هذا يؤدي بدوره إلى انخفاض ثمنها و إذا زاد العرض عن الطلب بالنسبة لسلعة ما فإن منتجيها يتوقفون عن إنتاجها أو يقللون منه لأنها غير مربحة و هذا يؤدي آليا إلى انخفاض العرض ومن ثمة ارتفاع الأسعار من جديد يقول آدم سميث " إن كل بضاعة معروضة في السوق تتناسب من تلقاء نفسها بصفة طبيعية مع الطلب الفعلي " .
فالنظام الرأسمالي لا يتسامح مع الضعفاء و المتهاونين والمتكاسلين بل يشجع على المنافسة الفردية ، و الملكية الخاصة و حب الناس للثروة هو الحافز الأول و الأساسي للإنتاج ، لذلك فإن أكثر الناس حرصا على السير الحسن للعمل لأية وحدة إنتاجية هو مالكها ، بالإضافة إلى أن هذا النظام يحقق نوعا من العدالة الاجتماعية على أساس أنه ليس من المعقول ومن العدل أن يحرم الفرد حيازته على شيء شقا وتعب كثيراً من أجله .
#نقد ومناقشة : رغم النجاح الاقتصادي و التقدم الصناعي و التكنولوجي و العلمي الذي حققه النظام الرأسمالي و ذلك من خلال تشجيعه لروح المبادرة الفردية و الإبداع إلا أنه في المقابل حمل العديد من السلبيات حيث خلق الطبقية"طبقة مالكة، طبقة كادحة"و الإستغلال داخل المجتمع و المتمثل في مشكلة فائض القيمة ، كما كان مصدرا للتوترات والحروب ، في هذا يقول جوريسكا " إن الرأسمالية تحمل الحروب كما يحمل السحاب المطر".
#الموقف الثاني : " النظام الاشتراكي كفيل بتحقيق حياة اقتصادية مزدهرة " ،
إن النظام الإشتراكي هو الذي يحقق التطور الإقتصادي فقد ظهر هذا النظام على أنقاض الرأسمالية وهو يسعى من خلال توطين الشروط المادية إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وحياة اقتصادية مزدهرة من خلال الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج وتدخل الدولة في الشؤون الإقتصادية و القضاء على مشكلة فائض القيمة و كل مظاهر الإستغلال التي خلفتها الرأسمالية، وقد مثل هذا التيار كل من كارل ماكس ، انجلز،لينين ويؤسسون موقفهم على الحجج و البراهين الآتية :
و يقوم النظام الإشتراكي على مبدأ اساسي هو الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج وذلك للقضاء على الظلم و استغلال الإنسان لأخيه الإنسان وبث الروح الجماعية والمسؤولية الجماعية في العمل حيث يرى ماركس أن الملكية الخاصة التي نادى بها الرأسماليون ليست قانون طبيعي بل هي من صنع المجتمع لأن الإنسان في المرحلة الأولى من وجوده لم يمتلك شيئا " مرحلة الشيوعية البدائية" و أن ظهور الإستغلال تزامن مع ظهور الملكية الفردية لذلك لابد من جعل وسائل الإنتاج ملكية جماعية تحت إشرف و مراقبة الدولة و بالتالي القضاء على الطبقية و الإستغلال حيث يقول ماركس " الإستغلال ظهر لأول مرة لما قال الإنسان هذا لي" و يقول لينين" الإشتراكية نظام لا طبقي له شكل واحد ،الملكية العامة لوسائل الإنتاج و المساواة الإجتماعية الكاملة بين الأفراد" ،.
وكذلك التخطيط المركزي حيث لا مجال للحرية الإقتصادية و المنافسة الحرة وهذا للقضاء على التنافس الذي يؤدي إلى الصراع وتحكم الفئة الثرية في المؤسسات الاقتصادية بحكم تعارض المصالح فالدولة هي من تخطط و توجه الإقتصاد بهدف تحقيق توازن بين الإنتاج والإستهلاك لضمان عدم حدوث تضخم الأسعار و تجنب تكس السلع و تحقيق تكافؤ الفرص
بالإضافة إلى اعتماد نظام التعاونيات في الإطار الفلاحي وفتح المجال أمام النشاط النقابي لحماية حقوق العمال والقضاء على مشكلة فائض الإنتاج و الصراع الطبقي الذي خلفه النظام الرأسمالي يقول آنجلز "الإشتراكية ظهرت نتيجة صرخة ألم و معاناة الإنسان"
#نقد ومناقشة :لا يمكن إنكار الغايات الإنسانية التي جاءت بها الماركسية لكنها لم تفلح في تجاوز السلبيات ورواسب الاقتصاد الرأسمالي مما لا شك فيه أن النظام الاشتراكي حاول تطبيق العدالة الاجتماعية لكن مبدأ الملكية الجماعية و المساواة أدى إلى قتل المبادرات الفردية و نشر روح الإتكال و التكاسل و إنعدام المنافسة وهذا ما أدى إلى ضعف و تدهور الإقتصاد الإشتراكي .
#التركيب :
إن كل من النظام الاقتصادي الرأسمالي والاشتراكي ورغم اختلافهما في المبادئ و الغايات الاقتصادية إلاّ أنهما مع ذلك لهما أساس علمي واحد يجمع بينهما، فكلاهما ينظر للحياة الاقتصادية نظرة مادية وتجاهل الضوابط الروحية والأخلاقية وهذا يعني أنهما تجردا من القيم الإنسانية ، إلا أن وجود نظام اقتصادي إسلامي كفيل بتحقيق حياة اقتصادية مزهرة ، بحيث ينظر إلى الحياة الاقتصادية نظرة أكثر شمولاً و يعتني بالنواحي الإنسانية ، فقد تضمن مبادئ وقواعد عامة لتنظيم الحياة الاقتصادية تنظيما أخلاقيا من أجل تحقيق حياة متوازنة بين الفرد و المجتمع،فقد اقر الإسلام حق الملكية الفردية باعتبارها فطرة في الانسان وهي الباعث على العمل يقول الله تعالى {{ زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب }}" الاية 14 ال عمران " ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم {{لو كان لابن ادم واد من ذهب لتمنى ان يكون له ثان ... و لا يملأ جوف ابن ادم الا التراب ...}} ولكن قيدها بالمصلحة العامة حتى لا تكون أداة لاستغلال الإنسان لأخيه الإنسان وجعلها ملكية نسبية(حيث كل شيء لله) يقول الله تعالى {{ واتوهم من مال الله الذي اتاكم}}، كما أقر الإسلام بالملكية الجماعية فكل ما فيه مصلحة العامة يجب أن يكون ملكية جماعية يقول الرسول (ص) {{الناس شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار }}
#حل المشكلة :
بعد التحليل يمكننا أن نستنتج: أن الحياة الاقتصادية المزدهرة لا يمكن تحقيقها لا بالنظام الرأسمالي ولا بالنظام الاشتراكي ، لكون الاقتصاد الحر منبع المصائب والأزمات كما أن الاشتراكية فإنها رغم فضحها لعيوب الرأسمالية لم يتسن لها تحقيق روح العدل، ومن هنا فالنظام الذي يحقق الحياة المزدهرة إنما هو النظام الذي يجمع بين عنصري الاقتصاد و الأخلاق في آن واحد ألا وهو النظام الاقتصادي الإسلامي الذي يجعل من المال كوسيلة وليس كغاية ويراعي الخصوصيات الأخلاقية كفرض الزكاة بهدف ضمان مستوى معيشي لكل فرد عاجز و كذا ترشيد الإستهلاك من خلال تحريم التبذير و البخل يقول الله تعالى : {{ ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك و لا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا }} الإسراء 29 وكذا تحريم كل مظاهر الإستغلال الإقتصادي كالربا، الرشوة، الإحتكار ،الغش قال الله تعالى {{ و أحل الله البع و حرم الربا}}.