متى يكون القول قولًا في الفلسفة؟
مرحباً بكم متابعينا الأعزاء طلاب وطالبات العلم في موقع باك نت.baknit الموقع التعليمي المتميز والمتفوق بمنهجية الإجابة الصحيحة والنموذجية من مرحلة التعليم الابتدائي والمتوسط والثانوي bac 2023 كما يسرنا بزيارتكم أن نقدم أهم المعلومات والحلول وأفضل الأسئله بإجابتها الصحيحه من شتى المجالات التعلمية من مقرر المناهج التعليمية 2022 2023 وكما عودناكم أعزائي الزوار في صفحة موقع باك نت أن نطرح لكم ما تبحثون عنه وهو .......متى يكون القول قولًا في الفلسفة
وتكون الإجابة على سؤالكم هي على النحو التالي
متى يكون القول قولًا في الفلسفة
أغامر وأجازف دائمًا عندما أدّعي تعريف الفلسفة وعندما أحدِّد معاييرَ للحكم على القول الفلسفي. فهناك مَنْ يؤكِّد أنْ لا تعريفَ متفقًا عليه للفلسفة وأنّ الفلسفة تتغيّر من بادرةٍ فلسفيّةٍ إلى أخرى، وأنّ تعريفها يختلف من فيلسوفٍ إلى آخر. لكنّي، ورغم ذلك، وبالاستناد إلى أكثر الفلاسفة تفلسفًا في القرن العشرين، أعني به جيل دولوز الذي عرّف الفلسفة بأنّها فنّ اختراع أو فبركة أو إبداع الأفاهيم، مصرٌّ على تمييز الفلسفة من سواها وذلك بتحديد ما يميِّزها. وأنا إذْ أقوم بذلك، أنفي وجودَ فلاسفةٍ في أوطاننا، لكنّي لا أنفي وجود متفلسفين. فكلُّنا نتفلسف، لكن بدرجاتٍ مختلفة. لكن لكي يصبح المرء فيلسوفًا عليه أن يكوّن وجهة نظرٍ فلسفيّةً متكاملةً تتناول الكون والحياة والإنسان وعلاقة الإنسان بالغير. بهذا المعنى لا يوجد لدينا فلاسفةً بعد.
ما يلفت نظري ويثير استغرابي هو الخلط المستمر الذي يتِمُّ بين الحين والآخر، بل وغالِبًا، بين ما هو فلسفيٌّ وما هو غير فلسفيٍّ (عقائديّ أو إيديولوجيٍّ مثلا)، حيث يتمُّ توسيع الفلسفة لتشمل عددًا كبيرًا من العلوم والنشاطات، علمًا أنَّ هذا التوسيع يقضي على خصوصيّة الفلسفة نفسها بحيث لا نعود نعرف ما الذي يُميِّز الفلسفة حصرًا.
إزاء ذلك، بودِّي أن أذكِّر بالمعايير والعناصر التي حدّدها جيل دولوز في كتابه (ما الفلسفة؟) والتي تميِّز القول الفلسفيّ من سواه. وهذه المعايير هي بمنزلة شروطٍ جوّانيّةٍ يجب أن تتوافر في كل قولٍ ليكون قولًا فلسفيًّا، ليكون قولًا في الفلسفة وليس قولًا في العلوم أو في الفنون على أنواعها.
بناءً عليه، ليس بإمكاننا أن نقول عن مؤلِّفٍ ما إنّه فيلسوفٌ ما لم يتضمَّن قولُه مجموعة العناصر والمعايير التي سنذكرها. فلقب الفيلسوف لا يُمنح اعتباطًا لكلِّ من ألَّف كُتُبًا وكانت لديه أفكار، بل لمن بنى سستامًا فلسفيًّا أو عمارةً فلسفيّةً مغلقةً أو مفتوحة. ونحن نقول هذا الكلام لأنّ هناك من يحاول حشر عددٍ كبيرٍ من المفكرين اللبنانيّين وغير اللبنانيّين في عداد الفلاسفة من دون الأخذ بعين الاعتبار وجود معاييرَ صارمةٍ تُميِّز القول الفلسفيّ من سواه.
وهذه المعايير هي:
١-اكتشافُ حقلٍ فلسفيٍّ جديدٍ. كما نقول إنّ ديكارت اكتشف حقل الذاتيّة في الفلسفة وإنّ كنط اكتشف حقلًا جديدًا في الفلسفة هو حقل شروط الإمكان وإنّ دولوز اكتشف حقل صور الفكر.
٢-ابتداع مشكلةٍ جديدةٍ في الفلسفة، تخلُق فضاءً فكريًّا جديدًا وتسمح بإمكان القول وتجدُّدِه وتجعلنا نفكر بطريقةٍ مختلفةٍ كما نقول عن ديكارت إنّه طرح المشكلة التالية: كيف يمكن لما هو ذاتيٌّ أن يُقوِّم ما هو موضوعيٌّ؟ أو كيف لي أن أصل إلى اليقين انطلاقًا من نور العقل، أي انطلاقًا ممّا أجده في داخلي من نورٍ طبيعيٍّ، من نورٍ فطريٍّ؟ هذه المشكلة الفلسفيّة الجديدة خلقت مُناخًا فكريًّا وفضاءً فلسفيًّا جديدًا، يختلف عمَّا كان موجودًا في القرون الوسطى حيث كانت تسود مشكلة العلاقة بين العقل والنقل.
ولقد طرح كنط مشكلةً أخرى: كيف يمكن للأحكام التأليفيّة قبليًّا أن تكون كأن نقول مثلًا المعادن تتمدّد بالحرارة؟ هذه المشكلة الفلسفيّة دفعته إلى نقد العقل بالعقل وتبيان عجزه عن الخوض في موضوعات الميتافيزيقا الكلاسيكية (الله والنفس والعالم).
٣-إبداع أفاهيمَ فلسفيّةٍ جديدةٍ موقّعةٍ من الفيلسوف الذي اكتشف الحقل وطرح المشكلة الجديدة. وكلّ فيلسوفٍ يمتاز بعددٍ محدودٍ من الأفاهيم الفلسفيّة التي تعود إلى الفكر بما هو كذلك، والتي تشكل أفعالًا تفكيريّةً محضة. فالكوجيتو الديكارتي أو الأنا أفكر هو الأفهوم الرئيسي في فلسفة ديكارت. ونعطي أمثلةً أخرى: أفهوم الديمومة عند برغسون. أفهوم المجاوِز عند كنط. أفهوم صورة الفكر عند دولوز. أفهوم العلمان عند فوكو. أفهوم إرادة الاقتدار عند نيتشه.
٤-رسم شخصيّةٍ أفهوميّةٍ أو شخصيّاتٍ أفهوميّةٍ جديدة. والشخصيّة الأفهوميّة أو الفلسفيّة هي الشخصيّة الحقيقيّة في الفلسفة، هي الفاعل الحقيقي في الفلسفة بينما الفيلسوف هو مجرّد قناعٍ لشخصيّته الرئيسة أو لشخصيّاته الأفهوميّة. مثلًا شخصيّة الأبله في فلسفة ديكارت وشخصيّة سقراط في فلسفة أفلاطون وشخصية زرداشت في فلسفة نيتشه وشخصيّة القاضي في فلسفة كنط الذي أراد أن يُنشئ محمكةً للعقل المحض. إنّ شخصيّة الأبله هي التي تبتغي الوصول إلى اليقين انطلاقًا من النور الطبيعي أو النور الفطري أو نور العقل الموجود بالتساوي في كلّ واحدٍ فينا. والشخصيّة الأفهوميّة هي الشخصيّة القلِقة التي تطرح السؤال وتكتشف الحقل وتحرثه وتزرعه وتنتج الأفاهيم المناسبة.
٥-تغيير معنى الفكر أو التفكير. فكلّ فلسفةٍ تجيب بطريقتها الخاصة والمختلفة عن السؤال التالي:
ما معنى أن نفكر اليوم؟ ما الفكر؟ ما التفكير؟ وهذا السؤال له علاقةٌ بالصورة التي يقدِّمها الفكر عن نفسه، أي بصورة الفكر. وبالإجابة عن هذا السؤال بطريقةٍ مختلفةٍ نُحدِث منعطفًا في تاريخ الفكر فلا نعود نفكر كما كنّا نفعل من قبل.
٦-وأخيرًا هناك مرتبةٌ أخيرةٌ يُسمِّيها دولوز الذوق الفلسفي. ومهمّتها التوفيق بين مختلف المراتب والعناصر الأخرى.
ومن دون توافر هذه العناصر مجتمعةً، لا يمكن القول عن أيِّ قولٍ، إنَّه قولٌ في الفلسفة. كما لا يمكن أن ننعت الكاتب بنعت الفيلسوف. لذا، هناك كتّابٌ كبارٌ نقول عنهم إنّهم مجرّد كتَّابٍ وليسوا فلاسفةً ولا حتى مفكرين لأنّ المفكّر هو أيضًا من يغيِّر في معنى التفكير من دون أن يبتدع الأفاهيم المناسبة لذلك.
أمّا بخصوص المنفعة العمليّة للفلسفة، فنعتبر أنْ لا منفعةَ عمليّةً مباشِرةً للفلسفة إذ تنهمّ الفلسفة بالأسئلة التي يطرحها العقل بطبيعته، وذلك لتحقيق راحة العقل وإغناء القول الفلسفي العالمي. لكن هناك دائمًا من يستثمر القول الفلسفي في الحياة العمليّة كالمثقف والسياسيّ اللذين ينهمّان بتغيير المجتمع.
يهتمّ الفيلسوف، إذًا، بالتغيير ولا مهمّةَ أخرى له، لكنّه ينهمّ بتغيير طريقة التفكير. فالفلسفة ثوريّةٌ بطبيعتها. وهي تعني أن نفكِّر بطريقةٍ مختلفةٍ، أي أن نطرح طريقةً مختلفةً وجديدةً في التفكير. وهذا التغيير في طريقة التفكير يؤدِّي إلى تغييرٍ أكيدٍ في المجتمع.
وعليه، لا معنًى لمقولتي الصواب والخطأ في الفلسفة، لا معنًى لمقولتي الصح والغلط في الحكم على القول الفلسفي. فكلّ فلسفةٍ تُقيّم بناءً على مجموعة العناصر التي ذكرناها. والفلسفة تُبدع وتخترع الأفاهيم المناسبة للمشكلات الجديدة أو المجدَّدة المطروحة وتستكمل بناء بقيّة المراتب من دون الاهتمام في ما إذا كان القول الفلسفيّ يطابق الواقع أم لا. وبالمناسبة، فإنّ الفلسفة تخلق عوالمها الافتراضيّة الخاصة بها. كما أنّ الأفهوم ليس قضيّةً علميّةً أو قضيّةً منطقيّة نحكَمُ عليه بالصح أو الغلط، بل بمقولات البارز واللافت والهام والمثير للانتباه. والأفهوم ليس رأيًا ولا حتى رأيًا أصليًّا تُشتقّ منه بقيّة الآراء. إنّه ما يمنع الفكر من أن يكون مجرّد لغوٍ وثرثرة.