مقالة حول الحقيقة والعقل 2022
نص السؤال: هل معيار الحقيقة هو المطابقة لأحكام العقل؟
الأسئلة المشابهة:هل بداهة الفكرة ووضوحها كافية في الحكم عليها بأنها حقيقة؟
هل وضوح الفكرة هو معيار صحتها؟
إلى أي مدى تشكل بداهة الفكرة مقياسا للحقيقة؟
هل يمكن اعتبار الوضوح أساسا للصدق والحقيقة؟
بكالوريا 2022 2023 bac الجزائر
أهلاً بكم طلاب وطالبات الباك 2023 في موقعنا باك نت .baknit.net الموقع التعليمي المتميز والمتفوق بمنهجية موضوع النص الفلسفي الجدلية والمقارنة والاستقصاء بالوضع كما نقدم لكم بقلم أستاذ الفلسفة الاجابة الصحيحة لجميع دروس والمقالات الفلسفية المتوقعة والمقترحة في باك جميع الشعب الفلسفية كما نقدم لكم الأن أعزائي الطلاب والطالبات مقالة مختصرة وهي إجابة السؤال .... هل معيار الحقيقة هو المطابقة لأحكام العقل
وتكون اجابتة الصحية هي التالي
هل معيار الحقيقة هو المطابقة لأحكام العقل
مقدمة
إن مسألة الحقيقة من البحوث الشائكة التي تطرق إليها الإنسان واهتم بها، بدافع فضوله المعرفي، فمشكلة الحقيقة هي أكثر ارتباطا بالإنسان من حيث أنه المعني الأول بأمر الحقيقة، وهو الباحث عنها، والمسخر لمختلف الوسائل لبلوغها، لهذا نجد بان الجدال قد احتدم في الأوساط الفكرية والفلسفية ما أدى إلى اختلاف وجهات النظر في تصورهم لمعيار الحقيقة، والمقياس الذي نحكم به عليها. حيث يرى البعض بأن مقياس الحقيقة هو البداهة والوضوح، بينما يعتقد آخرون بأن المقياس الحقيقي للحقيقة هو المنفعة.من هنا حق لنا أن نتساءل: هل معيار الحقيقة ومقياسها هو مطابقتها لأحكام العقل أم ترد إلى اعتبارات أخرى؟
يذهب أنصار الفلسفة العقلية المثالية وبالخصوص "أفلاطون" و"ديكارت" و"سبينوزا" أن معيار الحقيقة والمقياس الأنسب للحكم على الحقائق هو العقل وأحكامه، فهو المعبر عن المطلق والضامن لليقين...لأن أحكام العقل تتميز بالصدق والوضوح والبداهة فالحكم الصادق يحمل في طياته معيار صدقه، من هنا كانت الحقيقة مطابقة للعقل وأحكامه. وعلى هذا يؤكد "ديكارت" في أول قاعدة في منهجه قائلا: "أن لا أقبل شيئا على أنه حق، ما لم أتبين بالبداهة أنه كذلك"، أي أنه لا يأخذ من الأحكام والحقائق إلا ما ظهر لعقله بوضوح تام وتمييز كامل لا يحتمل الشك أبدا، ويقدم ديكارت في معرض حديثه عن الوضوح بوصفه بعدا محوريا للحقيقة مثال البديهيات الرياضية التي تبدو ضرورية وواضحة لا تحتاج إلى برهان كقولنا: الواحد نصف الإثنين، الكل أكبر من جزئه، وأن المكعب نستوضح أبعاده ونقدرها بالعقل وأحكامه...إلخ.لهذا انتهى إلى تقرير قضيته المشهورة: "أنا أفكر إذن يقدم أنا موجود" فوجدها واضحة تامة أمام جميع الافتراضات وصحيحة كل الصحة بالضرورة. وغير بعيد من موقف ديكارت يصرح الفيلسوف الهولندي "باروخ سبينوزا" مؤكدا أن معيار الحقيقة هو الفكرة الصادقة، لأنها هي الشيء الأكثر وضوحا ويقينا، حيث يقول: "أن يكون هناك شيء أكثر وضوحا من الفكرة الصادقة يصلح أن يكون معيارا للحقيقة فكما، أن النور يكشف عن نفسه وعن الظلمات، كذلك الصدق هو معيار نفسه ومعيار الكذب". وبالتالي فجميع الحقائق تقاس بالعقل وأحكامه، لذلك فالحقيقة تكمن في المطابقة للعقل.
لكن ورغم ما قدمه أنصار هذه الأطروحة من حجج لتبرير موقفهم. إلا أن ربط معيار الحقيقة بالعقل وأحكامه يجعل منه معيار ذاتي، مرتبط بوعي الذات ومقدرتها الإدراكية، فما هو حقيقي بهذا المعيار عند فرد، قد يكون مرفوضا عند فرد آخر، كما أن معيار العقل لا يدل على اليقين وصدق الأفكار دائما، لأنه معرض للخطأ والصواب في أحكامه، ومحدد بمكتسباته وتجاربه. زيادة على أن أحكام العقل على الأشياء تبقى مجرد احتمالات وتقديرات، ولا تعني الصدق المطلق، وهذا ما يدل على قصور العقل وعدم موضوعية أحكامه. والدليل على ذلك أيضا أن الكثير من الآراء التي تجلت مدة طويلة منها الرأي القائل بأن الأرض مركز الكون وأنها ثابتة تدور حولها سائر الكواكب، ثم دحضت الأبحاث الدقيقة مثل هذا الاعتقاد الخاطئ، والشواهد على هذا كثيرة بحيث أن الرياضيات المعاصرة –على سبيل المثال – قد بينت أن البديهيات الرياضية تقوم على فروض وكل نسق يراضي يبقى صحيحا ما دام وفيا للمنطلقات التي اعتمد عليها وبالتالي لم يعد ينظر إلى هندسة إقليدس بوصفها الهندسة الوحيدة، وعليه فالبداهة والوضوح لا يمكن أن يكون مقياسا للحقيقة ما دامت ملتصقة بالحياة السيكولوجية الذاتية.
في المقابل يعتقد أنصار المذهب البراغماتي أن معيار الحقيقة ومقياسها هو المنفعة، والاستفادة العملية وتحقيق النجاح، لأن إثبات الحقائق وتأكيد صدقها لا يكون إلا إذا دلت التجربة على أنها كذلك نظريا وعمليا، وبذلك تعتبر المنفعة العملية هي المحك الوحيد لتمييز صدق الأحكام وتأكيد الحقائق. وهذا المعيار هو ما يدافع عنه الاتجاه البراغماتي بزعامة "ويليام جيمس"، "بيرس" وغيرهم...حيث يؤكد هؤلاء أنه لا حقيقة ولا فكرة صحيحة ولا صادقة إن لم تعد علينا بالمنفعة، وتؤدي إلى الفائدة والنجاح، فالعبرة تقاس بالنتائج، من هنا يقول بيرس: "إن الحقيقة تقاس بمعيار العمل المنتج، أي أن الفكر خطة للعمل أو مشروع له، وليست حقيقة في ذاتها".
فالحقيقة عند هؤلاء ليست منفصلة عن الفعل والسلوك، ولا توجد حقيقة مطلقة، بل هناك مجموعة كثيرة من الحقائق التي ترتبط بمنافع كل فرد في حياته، لذلك نحن نفكر لنعيش. يقول "ويليام جيمس": "إن كل ما يؤدي إلى النجاح فهو حقيقي، وأن كل ما يعطينا أكبر قسط من الراحة، وما هو صالح لأفكارنا ومفيد لنا بأي حال من الأحوال فهو حقيقي". وبالتالي لا قيمة لعمل أو فكرة لا تتوج بالمنافع، فالمسار الدراسي للطالب الهدف منه أن يكلل بالنجاح، والأنظمة الاقتصادية الأصل فيها أن تثبت نجاعتها وقيمتها النافعة...
لكن أنصار هذه الأطروحة هم كذلك لم يسلموا من النقد، باعتبار أن ربط الحقيقة بمعيار المنفعة، يجعل من الحقيقة متعددة ونسبية واحتمالية ومن الصعب الاتفاق حولها، لأنها تخضع لتقديرات ذاتية، ومطالب وإشباعات مختلفة بين الأفراد. كما أن الخطأ بحسب هذا المعيار قد تنجم عنه آثار نافعة، غير أننا نعتبر خطأ رغم نجاحه في مجال العمل وعلى هذا الأساس فإن القول بمعيار النفع لا يسمح بالتمييز في الحقائق بين الصواب والخطأ، ما دام الخطأ قد يوصل إلى نتائج صالحة. ومن جهة أخرى مفهوم المنفعة أو النجاح واسع جدا. أهو منفعة الفرد أم الجماعة؟ كما أن تضارب المنافع وتناقضها أمر وارد لا سيما إذا كان السعي وراء النجاح الفردي.
إن مشكلة الحقيقة ومعاييرها مرتبطة بالإنسان وسعيه لاكتشاف المجهول، كذلك كل ما يظهر لنا من الحقيقة، يدفع الإنسان أكثر للبحث عن حقيقة أسمى، لأن الحقيقة في جوهرها ترفض ما هو نسبي وتتعالى نحو المطلق والمثالي، لذلك من الخطأ حصر الحقيقة في معيار أحكام العقل ووضوحها أو في معيار المنفعة، لأن كلاهما معيار نسبي معرض للتغير، فالعقول البشرية ليست كلها قادرة على التفكير الواضح، كما لا يمكنها أن تكتشف الحقيقة من تلقاء نفسها أما من جهة معيار المنفعة فليست كل قضايا الإنسان تحركها المنافع، فالقضايا الأخلاقية مثلا يؤمن بها الناس، إيمانا مطلقا نظريا وعمليا، دون النظر إلى نتائجها النفعية، وكل هذا يؤكد أن الحقيقة ترتبط بمعيار موضوعي منزه وبعيد عن كل ما هو ذاتي، لهذا يقول كانط: "إن الحقائق المطلقة لا يحتضنها عقل ولا يدركها علم".(مع إبراز الرأي الشخصي)
ختاما وبناءا على ما سبق نستنتج أن الإنسان كباحث عن الحقيقة، يبقى كائن مقيد بإطار الزمان والمكان، ومقيد بذاته العارفة ونسبيتها، وهذا يعني أن الإنسان نسبي ولذلك تبقى المعايير التي وضعها للبحث عن الحقيقة والحكم عليها نسبية وضيقة ولا تتسع إلا لكشف أجزاء بسيطة من الحقيقة. ومن هنا لا يتوقف سعي الإنسان للبحث عنها ....
ملاحظة: هذة المقالة للاستئناس وليست للحفظ.