مقالة فلسفية حول الحياة الأسرية :
بالنظر إلى واقع الأسرة الحديثة، فهل يمكن القول أن الكيان الأسري محكوم عليه بالزوال؟
بكالوريا 2022 2023 bac الجزائر
أهلاً بكم طلاب وطالبات الباك 2023 في موقعنا باك نت .baknit.net الموقع التعليمي المتميز والمتفوق بمنهجية موضوع النص الفلسفي الجدلية والمقارنة والاستقصاء بالوضع كما نقدم لكم بقلم أستاذ الفلسفة الاجابة الصحيحة لجميع دروس والمقالات الفلسفية المتوقعة والمقترحة في باك جميع الشعب الفلسفية كما نقدم لكم الأن أعزائي الطلاب والطالبات مقالة مختصرة وهي إجابة السؤال ....
وتكون اجابتة الصحية هي التالي
بالنظر إلى واقع الأسرة الحديثة، فهل يمكن القول أن الكيان الأسري محكوم عليه بالزوال
طرح المشكلة: إن الأسرة بالمعنى الحديث ، هي وحدة اجتماعية تتألف من الأبوين والأطفال وهي تختلف عن الأسرة بواقعها القديم من عدة جوانب كالنطاق والقرابة والوظائف ، إذ أن الوظائف الحالية للأسرة تميل إلى التقلص إذا ما قيست بالعصور الماضية ، سياسيا وتربويا واقتصاديا وصحيا وغيرها من الجوانب ، لذلك ، وانطلاقا من هذا الواقع فقد ذهب العديد من المفكرين للقول أن نطاق الأسرة ووظائفها تؤول للضيق والزوال كلما مر الزمن وتغير الواقع الاجتماعي ، غير أن نفرًا مهمًّا من الفلاسفة قالوا بعكس ذلك ، واعتبروا أن الأسرة كيان ضروري ، واجب الوجود ، ويحمل في ذاته مبررات دوامه وبقائه ، وأمام هذا الجدل يحق لنا أن نطرح المشكلة التالية : هل يحتمل أن يصل النطاق الأسري إلى أضيق مما هو عليه الآن ؟ أو بمعنى آخر ، ماذا بقي للأسرة من مهام بعد أن أزال عنها المجتمع أعباؤها ؟ أي هل يمكن أن نتنبأ لها بالزوال ؟
محاولة حل المشكلة :
الاطروحة الاولى :( الاسرة حقيقة معرضة للزوال ) : يرى العديد من المفكرين أن الأسرة في المستقبل ، ستنتهي إلى اللاوجود ، أي أنه مع مرور الزمن ، ستتقلص احتمالات البقاء بالنسبة لها ، وستفقد كامل مبررات وجودها ، إذ أن تغير الواقع فرض عليها أن تتجرد من مقوماتها ، لصالح هيئات اجتماعية أخرى ولذلك ، فليس من الغريب انطلاقا من هذا الطرح أن نرى المجتمعات مستقبلاً خالية من الأسر . و قد كان المنطلق في تبرير هذا الموقف المسلمة القائلة أن الضرورة صفة عرضية لا جوهرية في الأسرة ، ارتبطت بها نسقيا ، أي في ظروف اجتماعية معينة دون أخرى .وقد وُجد من المفكرين من تحمس لهذا التصور ، بالاعتماد على عدة حجج ، أهمها طغيان المجتمع على الأسرة وكذا تكوُّن روح عائلية قاهرة لتلقائية الفردإن وظائف الأسرة في أقدم أطوارها كانت واسعة كل السعة ، شاملة لمعظم شؤون الحياة الاجتماعية ، ولكن المجتمع أخذ ينتقص منها ويستلبها من الأسرة الواحدة تلوى الأخرى ، وينشئ لكل وظيفة هيئة خاصة مستقلة ، كالمجالس النيابية ، والحكومات ، والجمعيات الاقتصادية ،و المستشفيات والقوات المسلحة ، وغيرها ، وهكذا أصبح المجتمع هو الذي يشرف تقريبا على جميع الأشغال التي كانت على عاتق الأسرة القديمة .يعتقد أنصار النظرية التطورية أمثال "سبنسر" و"مورغان" ، أن طغيان المجتمع على الأسرة ، مقدمة حتمية لزوالها بصورة تدريجية . فكما أن الأسرة انتقلت من النظام العشائري إلى الحياة الزوجية ومن الشيوعية إلى العلاقات الحرة ، فكذلك تتطور الأسرة من الوجود إلى التلاشي . ومما يشهد على انتقاص أعباء الأسرة أن في المجتمعات الحديثة تضطر الأسر العاملة إلى أن تعهد بحضانة أبنائها إلى دور الحضانة ويؤكد من جهتهم ، أنصار النزعة الفردية ، أن الحياة في الأسرة تزرع في الفرد الروح العائلية التي تقيد حريته ، وتبث فيه العواطف التي تصنع منه كائنا لا يطيق تجاوز حدود الأسرة ، والتاريخ يشهد أن الأسرة قديما كان لها نوع من الطغيان على الفرد ، تستبد به ولا تتركه طليقا ، وبأن الروح العائلية في بعض الأسر الأستقراطية ، تتحول على عصبية ، الأمر الذي دفع أنصار النزعة الفردية وخاصة منهم "جيد" إلى انتقاد الطابع الاستبدادي الذي تتسم به الأسرة فهو يسعى إلى تحرير الإنسان وجعله متمتعا بشخصيته ، لأن الأسرة فيما يقول : « سجن اجتماعي يستولي على الفرد » ، ويقول أيضا : « الأسرة نظام السجن الانفرادي » . ولا يوجد سجن أسوأ من سجن تكون فيه القضبان أذرع الأشخاص المحبوبين.
النقد والمناقشة:لا يمكن بأي حال من الأحوال إنكار أن الأسرة الحديثة أصبحت تعاني أمام توسع المجتمع على حسابها ، لكن إذا كانت للأسرة مجموعة من الوظائف فقدتها كصفات عرضية يحكمها الراهن الاجتماعي ، ألا تملك وظائف أخرى دائمة ومطلقة فيها تمثل صفاتها الجوهرية ، ألا يجب الاعتقاد أن المجتمع مهما ناب عن الأسرة في عدد من أعمالها ، فإنه لا يستطيع أن يقوم مقامها في الوظائف العائلية المحضة . ثم إن النزعة الفردية قائمة على تحرر الفرد من الحتميات التربوية للأسرة مما يعني انتشار الرذيلة والآفات الاجتماعية.
الاطروحة الثانية : ( الاسرة كحقيقة لايمكن الاستغناء عليها ) يرى العديد من المفكرين ، أنصار النزعة الأسرية ، أن الأسرة كيان مهم وضروري وواجب البقاء ، يحمل في ذاته مبررات وأسباب بقائه كلبنة رئيسية ، لا يقوم المجتمع إلا بها ومهما سلبها المجتمع عددا من مهامها إلا أنها تبقى محافظة على وظائفها الجوهرية ، العائلية المحضة والتي هي ، البيولوجية والاجتماعية والسيكولوجية .إن الأسرة في منطق أنصار هذا الموقف ، تشبه المثلث . فهي تتألف من ثلاثة أضلاع متلازمة هي الزوجة والزوج والأولاد فالزوج والزوجة من دون ذرية لا يؤلفان أسرة كاملة ، مع العلم أن التناسل هو الذي يضمن المجتمع واستمراره . والزواج عندما شرع كان يرمي إلى استمرار النوع الإنساني بربط الأبناء بالآباء في حبل الولاية والعناية . إن الزواج إذن يذبا مع ابتعاد الأطفال ويزدهر مع إقبالهم ، والأسرة الخالية من الذرية لا تؤدي مهمتها الإنسانية ولا مهمتها الاجتماعية . إنها ناقصة ماديا وأخلاقيا . وفي هذا المعنى ، يقول "أوغست كونت" : « إن المجتمع الإنساني يتألف من الأُسر لا من الأفراد » . ومن أهم الوظائف الأساسية للأسرة تنشئة الأطفال وتربيتهم التربية الاجتماعية ، فالإنسان قبل أن يمارس الحياة الاجتماعية بنفسه ، يبقى منذ ولادته في أحضان عائلته التي تشتغل بتربيته مدة طويلة . فالطفل يولد وهو « لا حول له ولا قوة سوى قوة الضعف » ، ولذلك يقع القسط الأكبر من واجب التربية الدينية على الأبوين في جميع مراحل الطفولة ، ولا يمكن لروضة الأطفال مهما بلغ إتقانها ، أن تقوم مقام الأسرة في هذه الأمور لقد ظن الناس منذ أمد طويل أن أكبر مرض يمكن أن يصيب الطفل هو الميكروب البيولوجي ، غير أن الأبحاث السيكوسوماتية التي قام بها العالم "روني سبيتز" أحدثت ضجة ابتداءًا من سنة 1935 ، إذ أثبت أن أن الطفل يستطيع أن يعاني الآلام من الناحية الجسدية بسبب إبعاده عن أمه . ففي واحد وستين طفلا تربوا في مؤسسات حكومية للرعاية الصحية للأطفال منذ ولادتهم ، سُجل عليهم هبوط ملحوظ في النمو ابتداءًا من الشهر الرابع ، ويبلغ هذا الهبوط 50 \ في العام الأول ، أما عند إكمال العام الثاني فنموهم يعادل نمو المعتوهين . وفي نفس الوقت رأى "سبيتز" أن جميع الأطفال الذين تشتغل الأم بتربيتهم ، يكون نموهم سويا ، ذلك لأن الأم حين تغذي ابنها بالحليب ، تغذيه أيضا بالعواطف والحنان والعواطف "التغذية السيكولوجية". ولقد قيل في هذا المجال « أسوأ بيت خير من أجمل روضة أطفال » .
النقد والمناقشة : لا يمكن أن ننكر أن الأسرة ، مهما تغير الزمان والمكان ، فهي تبقى الدعامة الأساسية للمجتمع والمحرك الضروري له ، لكن هذا المحرك قد تترتب عليه عواقب وخيمة لأن الأسرة إذا دبَّ فيها التفكك أنتجت لا محالة أفرادا ضعاف النفس والشخصية ، ومنحرفين اجتماعيا لذلك فالأسرة نفسها تكون في كثير من الأحيان مهدمة المجتمع إذا لم تلتزم بضوابط أخلاقية معينة
التركيب : بالنظر لما ذهب إليه أنصار الموقفين السابقين ، فإننا بالبداهة سنميل إلى الموقف الذي يعتبر الأسرة دعامة أساسية للمجتمع ، وكيانا سيحافظ ـ ما بقيت البشرية ـ على وجوده غير انه من واجب المجتمع أن يعززها فالدولة يجب أن تلعب دورها وتمنع الآباء من ممارسة سلطتهم كاملة على أبنائهم ، إذ يجب أن تقدم لهم يد المساعدة وتمدهم بتوجيهات وإرشادات تسمح لهم بأن يصنعوا أجيالا صالحة ، فمثلا الدولة تفرض على الأسرة التزامات شتى ، منها النظام التعليمي الإلزامي والتطعيم و غيرها ، كي تبقى مقر الأخلاقية والحيوية ، ومدرسة الواجب والحب والعمل والحياة ومهما كانت الأخطار التي تهدد عرى أسرنا في وقتنا الحاضر وفي أمتنا الإسلامية على وجه الخصوص ، فإن الأسرة قاومت الأخطار وتكيفت مع الأوضاع الجديدة العامة . وهي لابد أمتن من أية أسرة أخرى في الحضارة الغربية .
حل المشكلة : في الأخير نستنتج أن الأسرة بالغة الأهمية ، وعليها يتوقف إلى حد بعيد ، قوة المجتمع ومناعته ولذلك أكد أحد المربين على أن أهميتها الخطيرة ودورها الإيجابي قائلا : « لقد نال النوع البشري حضارته بفضل الأسرة ، وإن مستقبله يتوقف على هذه المؤسسة أكثر من أية مؤسسة » ، والأسرة الصحيحة هي التي تعمل على الاحتفاظ بنجاعتها الأخلاقية والاجتماعية ، مع العلم أن التربية لا بد أن تتطور ولا تبقى ساكنة . وإذا فقدت الأسرة الكثير من وظائفها فذلك من أجل التفرغ لوظائفها الجوهرية الذي لا يستطيع منطق التغير أن يقضي عليها .يقول العالم الإنجليزي "ماك إيفر" : « فبمقدار ما تفتقد الأسرة من وظائفها ، الواحدة تلوى الأخرى ، بمقدار ماتعثر على وظيفتها الخاصة »