خطبة وما أرسلناك الا رحمة للعالمين خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ: مُحَمَّدٌ ﷺ الرَّحْمَةُ المُهْدَاةُ
الإجابة هي
**((خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ: مُحَمَّدٌ ﷺ الرَّحْمَةُ المُهْدَاةُ )).**
**الحمد لله رب العالمين، الرحمـن الرحيم، سبحانه لايسأم من كثرة السؤال والطلب، وإذا سُئل أعطى وأجاب، نحمده تبارك وتعالى على كل ما منح أو سلب، ونعوذ بنور وجهه الكريم من العناء والنصب، ونسأله الخلود في دار السلام جَنَّاتِ عدنٍ حيث لا لغو ولا صخب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وإليه المنقلب، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وحبيبه، نطق بأفصح الكلام، وجآء بأعدل الأحكام، فيا رب صل على سيد الأعاجم والعرب،سيدنا محمد و على الأل الْكِـرامِ وكلِّ الأصحاب، ومن تبعهم وعلى كل من انحنى لك في الصلاة ظهره وانتصب.**
**أمـا بـعـد أيها المؤمنون: إتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.**
**عبـاد الله: لقد بعث الله نبيه محمدا ﷺ رحمة بالناس جميعاً، وكان من رحمته ﷺ أن هدى الله به من الضلالة، وبصر به من العمى، فبين للناس طريق الخير و حذرهم من طريق الشر، فكان مبعثه رحمة بالعالمين وكما قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) ،كانت بعثته رحمتة شاملة عامة عالمية إلى يوم الدين، ليست رحمة للعرب دون العجم، أو للمسلمين دون غيرهم، أو للشرق دون الغرب، ليست عنصرية تقوم على الأعراق أو الألوان أو المذاهب، بل رحمته ﷺ لكل البشر، رحمة عامة للعالمين جميعاً،, فكان ﷺ رحيما في دعوته، رحيما في سلوكه ومعاملته، رحيما وحتى في عتابه، رحيما في سلمه وحربه، فبرحمته هذه كسب القلوب وأحبته النفوس بأمر الله، قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ )، وَقال تعالى (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُوْلٌ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ غَزِيْزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيْصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِيْنَ رَؤُوْفٌ رَّحِيْمٌ).**
**ومن رحمته ﷺ أنه كان يحدث أصحابه عن رحمة الله وعن مظاهرها التي تتجلى في هذا الكون الفسيح، وذلك حتى يُهَذِّبَ نفوسهم ويزكيها، وإنه ليدعوهم برحمته إلى الأمل والتفاؤل وحسن الظن بخالقهم سبحانه وتعالى، وحتى يحسنوا العمل ويتراحموا فيما بينهم، كان يستغل الأحداث والمواقف ليذكرالناس بها، فقد قُدِمَ عليه ﷺ بسبي فإذا امرأة من السبي حملت صبيا ألصقته ببطنها وأرضعته ، فقال ﷺ: أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار ؟ قلنا : لا والله ! وهى تقدر على أن لا تطرحه، فقال ﷺ: لله أرحم بعباده من هذه بولدها .( متفق عليه ).**
**وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: ((إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة في الأرض، فبها يتراحم الخلق، حتى إن الفَرَسَ لترفع حافرها، والناقة لترفع خفها مخافة أن تصيب ولدها، فأمسك تسعة وتسعين رحمة عنده ليوم القيامة)) رواه البخاري.**
**هذا و قد تمثل رسول الله ﷺ خلق الرحمة واقعاً وسلوكاً في الحياة, وفي كل جوانب الحياة ،فذات يوم وصله الخبر، وأي خبر وصله، وصله ﷺ أن ابن جاره اليهودي على فراش الموت، فأسرع إليه ووقف عند صدره، لما؟؟ لينقذه من النار، ليُقْضَى على على كلمة لآ إله إلله، ففي الحديث:(( من كان آخر كلآمه لآإله إلا الله دخل الجنة))، نعم عباد الله، أسرع النبي ﷺ إلى هذا المحتضر اليهودي الغــلام الصغير رحمة به، ثم وقف عند صدره وقال له : قل لا إله إلا الله محمد رسول الله، فكان الولد ينظر تارةً إلى رسول الله وتارةً إلى أبيه، فقال اليهوديُّ لإبنه أطع أبا القاسم أطع أبا القاسم، فنطق الولد بالشهادة ففرح رسول الله ﷺ وقال: الحمدلله الذي أنقذه من النار.**
**وكان من رحمته ﷺ إذا دخل في الصلاة فسمع بكاء صبيّ، أسرع في أدائها وخفّفها، فيقول ﷺ: ( إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوز في صلاتي، كراهية أن أشقّ على أمّه)متفق عليه؛ وكان ﷺ يرحم المسكين واليتيم والكبير والصغير، فقد رخص للمسن أن يرسل من يحج عنه إن لم يستطع أن يمتطيَ وسيلة النقل،. فعَنْ الْفَضْلِ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ عَلَيْهِ فَرِيضَةُ اللَّهِ فِي الْحَجِّ، وَهُوَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى ظَهْرِ بَعِيرِهِ، فَقَالَ لها النَّبِيُّ ﷺ: "فَحُجِّي عَنْهُ"(رواه مسلم /2376)، وتعدت رحمته ﷺ إلى البهائم التي لا تعقل، فكان يحثّ الناس على الرفق بها، وعدم تحملها ما لا تطيق، فقد روى مسلم أنه ﷺ قال: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنواْ الذبح، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته ).ودخلﷺ حائط رجل من الأنصار فإذا بجمل لما رأى النبيَّ ﷺ حن وذرفت عيناه، فأتاه النبي ﷺ فمسح ذفراه فسكت فقال ﷺ وهو يسأل: من رب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال: إنه لي يارسول الله فقال : ( أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها، فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه ) (رواه أبوداود..).**
**وعن عبدالله بن مسعود قال: كنا مع رسول الله ﷺ في سفر، فانطلق لحاجته، فرأينا حمرة (طائر) معها فرخان، فأخذنا فرخيها فجاءت الحُمَّرة فجعلت تفرش،أي ترفرف حولهم وعليهم؛ فقال رسول الله ﷺ: ((مَن فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها))، ورأى ﷺ قرية نمل قد حرقناها، فقال: ((من حرق هذه؟))، قلنا: نحن، قال: ((إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار))؛ رواه أبو داود (2675)، وصحح إسناده الحاكم (4/239).**
**ألآ وقد وعى أصحاب رسول الله ﷺ رحمته بالعالمين، فوجهواْ غيرهم إليها وعلموهم إياها، وأمروهم بخلق الرحمة والتراحم في الدعوة والبلاغ وفي البيت بين الوالدين وأبنائهما ومع الأرحام وبين الجيران وفي العمل و في الحرب والسلم فقد وصى أبو بكر رضي الله عنه جيش أسامة فقال " لا تخونوا ولا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلا ولا شيخا ولا امرأة ولا تعقروا نخلا ولا تحرقوه ولا تقطعوا شجرة مثمرة " ... هذه هي الرحمة التي جاء بها الإسلام، وهذا غيض من فيض لندرك أهمية هذا الخلق وأثره في حياتنا ودوره في بناء المجتمعات وتشييد الحضارات، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)، وَقَالَ تَعَالَى: (وأَطِيعُواْ الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ). فاللهم ارحمنا برحمتك التي وسعت كل شيء يا أرحم الراحمين أمين يارب العالمين،.. قلت قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.إنه هو الغفور الرحيم والحمد لله رب العالمين.**
**.. الخطــــبة الثانــية :**
**الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وخاتم النبيين، محمد سيد الأولين والأخرين، وعلى آله وصحبـه أجمعين.**
**أما بعد:فاتقوا الله عباد الله واعلمواْ أن رحمة الله لا ينالها إلا المتراحمون، (فالراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) (رواه أبو داود والترمذي)، (ومن لا يرحم الناس لا يرحمه الله) (رواه البخاري ومسلم) ، ألآ وإن النجاة والفوز والفلاح في الدنيا والآخرة لن يناله إلا من امتلأت قلوبهم بالحب والتراحم ولين الجانب، قال تعالى: ((فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ)) .. وقال ﷺ (أهلُ الجنّة ثلاثة : إِمام عادِل، ورجلٌ رحيمُ القلب بالمساكين وبكلِّ ذِي قُرْبى، ورجلٌ فقير ذو عِيال متعفِّف))(رواه مسلم(2865) .**
**وقد وصف الله نبيه محمدا ﷺ بالرأفة والرحمة في قوله جل وعلا: بالمؤمنين رؤوف رحيم؛ وو صف أصحابه بالرحمة أيضا فقال تعالى ( محمدٌ رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ) (الفتح/29) ..**
**وقد جآء في الحديث أنه ﷺ قال: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)(البخاري في الأدب/6011)**
**والرحمة لا تنزع إلا من شقي، ففي الحديث: (لا تُنزع الرحمة إلا من شقي)( رواه الترمذي وقال: "حديث حسن) .. فكونوا أيها المؤمنون من الرحماء الذين تشملهم رحمة الله، مارسوا هذا الخلق، خلق الرحمة في واقع الحياة مع من حولكم من الإنسان والحيوان والطير، وانبذواْ العنف والقسوة والشدة والغلظة، لينواْ قلوبكم بذكر الله ومراقبته تعالى وبالمحافظة على العبادات، واعلموا أنكم غدا بين يدي الله موقوفون، وعلى أعمالكم محَاسَبون، .. وحافظوا على أخوتكم ومجتمعاتكم وأوطانكم، واجعلوا بأسكم على عدو الله وعدوكم إبليس اللعين، فإنه الرجيم لا شغل له إلا إغواءكم وصدكم عن السبيل، فلا رحمة معه أبداً، ألآ واقتدوا برسولكم ﷺ في سائر أعمالكم لعلكم ترحمون، أحييواْ سنته وأخلاقه, ﷺ، والتزمواْ توجيهاته ﷺ تسعدواْ في دنياكم وآخرتكم، قال تعالى: (وأَطِيعُواْ الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ). ...**
**فاللهم زينا بزينة الرحمة المهداة، اللهم حبب إلينا بالإيمان وزينه في قلوبنا وكره الينا الكفر والفسوق والعصيان، اللهم وارزقنا حسن الأخلاق واجعلنا من عبادك الرحماء، اللهم واشملنا برحمتك وبعفوك وبفضلك ووالدينا وجميع المسلمين، .. هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة؛ نبيِّنا وإمامِنا وقدوتِنا محمدِ بنِ عبدِ الله، فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه بقوله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56)اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين ...إلـخ الـدعـآء والحمد لله رب العالمين**