0 تصويتات
في تصنيف ثقافة وعلوم اسلامية بواسطة (627ألف نقاط)

خطبة عن أدب الحبيب النبي  صلى الله عليه وسلم مع الله جل وعلا 23 من صفر 1445 هـ الموافق 8 سبتمبر 2023 م 

خطبة الجمعة القادمة بتاريخ 23 من صفر 1445 هـ الموافق 8 سبتمبر 2023 م تحت عنوان (أدب الحبيب النبي - صلى الله عليه وسلم- مع الله- جل وعلا ) حال النبي - صلى الله عليه وسلم- مع ربه جل وعلا - للشيخ ثروت سويف

مرحباً بكم زوارنا الكرام في موقعنا باك نت يسرنا بزيارتكم أن نقدم لكم خطبة الجمعة القادمة مكتوبة ومختصرة حول آداب الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم في وهي كالتالي اقرأ في هذه الخطبة

أولا : أهمية التعرف على الله تعالى. ثانيا ـ الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أعظم الناس معرفة بالله تعالى ثالثا - كثرة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لربه. رابعا - إتقان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عبادته. خامسا : اعرف ربك

خطبة عن أدب الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم مع الله جل وعلا 23 من صفر 1445 هـ الموافق 8 سبتمبر 2023 م 

الخطبة الأولى

الحمد لله رب العالمين يا رب.. يا عالم كل خفية يا من السماء بقدرته مبنية. ويا من الأرض بقدرته مدحية. ويا من الشمس والقمر بنور جلاله مشرقة مضيئة، ويا مقبلا على كل نفس زكية. ويا مسكن رعب الخائفين وأهل البلية ويا من نجى يوسف من العبودية ويا من ليس له بواب ينادي ولا صاحب يغشى، ولا وزير يؤتى ولا غيره رب يدعى. ولا يزداد على الحوائج إلا كرما وجودا عافنا واعف عنا وفرج همنا واجعل حوائج الخلق عندك مقضية.

يا ربي لك الحمد ليس غيرُك يُحمد *** يا من له كل الخلائق تصمدُ

أبوابُ كلُ الملوكِ قد أوصدت *** ورأيت بابك واسعاً لا يوصدُ

واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له هو الذي نشر بقدرته البشر، وصرَّف بحكمته وقدر، وابتعث محمدًا إلى كافة أهل البدو والحضر، فأحلَّ وحرَّم، وأباح وحظر...

سبحان ربي علا فقهر وبطن فجبر وملك فقدر وكانه ينادى عليك ويقول يا عبدى عرفتك قبل ان تعرفني وما عرفتني يا عبدى انا اقرب منك اليك وما رأيتني يا عبدى لا تتجرا عليا فانا الذى خلقتك واليا مرجعك فانا الواحد القهار..........

واشهد ان محمدا رسول الله ، أشرف الخلق عَجمًا وعَربًا، المبعوث في أم القُرى، صلوات الله عليه وسلامه ما تحركت الأَلْسن والشِّفا، اللهم صلي وسلم عليه وعلي اله وصحبه 

وعلى [أبي بكرٍ] الذي أنفق المال وبذل النفس وصاحبه في الدار والغار بلا مِرَا (ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا) وعلى [عمر] الذي من هيبته ولَّى الشَّيطان وهرب، من أغَصَّ [كسري] [وقيصر] بالرِّيق وما وَنَى، وعلى [عثمان] مجهز جيش العُسْرة زوجُ ابنتيه ما كان حديثًا يفتري، حيَّته الشهادة فقال: مرحبا، وعلى [عليٍّ] أَسد الشرى، ما فُلَّ سيف شجاعته قط ولا نبا، وعلى جميع الأَهل والآل والأصحاب والأتباع ما تعاقب صبح ومسا. 

صلَّى الإلهُ ومنْ يَحُف بِعْرشه *** والطَّيبُون على المُبَارك أحمَدا

 أما بعد :

فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن من أعظم وسائل وأسباب تحقيق التقوى معرفة العبد بربه فإنه من عرف الله تعالى اتقاه وأحبه ورجاه وتوكل عليه وأناب إليه واشتاق إلى لقائه وأنس بقربة وأجلّه وعظّمه 

فمعرفة الله تعالى منها تتفجر ينابيع الخيرات وعنها تصدر أحسن العبادات وأكمل المقامات : عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ رَجُلاً قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَي الْفَجْرِ، فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} حَتَّى انقَضَتِ السُّورَةُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «هَذَا عَبْدٌ عَرَفَ رَبَّهُ». وَقَرَأَ فِي الآخِرَة {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} حَتَّى انقَضَتِ السُّورَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «هَذَا عَبْدٌ آمَنَ بِرَبِّهِ». شعب الإيمان

أولا : - أهمية التعرف على الله تعالى.

عباد الله : لقد أمر الله سبحانه عباده بأن يتعرفوا عليه فقال تعالى: ?وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا? (الأعراف: آية (180). وقال: ?قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى? ((الإسراء: آية (110).

و من عرف ربه فقَدْ وجده منه قريباً، ومتي وجده منه قريباً قربه إليه وأجاب دعاءه «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ، أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ» } [البقرة: 186] فهَبْ لِله مِنْ قَلْبِكَ الْخُشُوعَ، وَمِنْ بَدَنِكَ الْخُضُوعَ، وَمِنْ عَيْنَيْكَ الدُّمُوعَ، وَادْعُه؛ فَإِنِّه قَرِيبٌ مُجِيبٌ .........

وهذا هو الوصول إلى الله في الدنيا

يقول ابن رجب الحنبلي في كتابه المحجة في سير الدلجة : الوصول إلى الله نوعان: أحدهما في الدنيا، والثاني في الآخرة.

فأما الوصول الدنيوي فالمراد به: أن القلوب تصل إلى معرفته، فإذا عرِفته أحبَّته وأنِست به، فوجدته منها قريبًا، ولدعائها مجيبًا كما روي فِي الأثر الإلهي " ابن آدم خلقتك لنفسي فلا تلعب و تكفلت برزقك فلا تتعب، ابن آدم اطلبني تجدني، فإن و جدتني و جدت كلّ شيء، و إن فُتَّك فاتك كلّ شيء، و أنا أحب إليك من كلّ شيء ".

وأما الوصول الأخروي: فدخول الجنة التي هي دار كرامة الله لأوليائه، ولكنهم في درجاتها متفاوتون في القرب بحسب تفاوت قلوبهم في القرب: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} [الواقعة: 10، 11].

ويروى أن عيسى عليه السلام مر بثلاثة نفر قد نحلت أبدانهم وتغيرت ألوانهم فقال لهم: ما الذي بلغ بكم ما أرى فقالوا الخوف من النار فقال: حق على الله أن يؤمن الخائف ثم جاوزهم إلى ثلاثة آخرين فإذا هم أشد نحولاً وتغيرا فقال: ما الذي بلغ بكم ما أرى قالوا: الشوق إلى الجنة فقال حق على الله أن يعطيكم ما ترجون ثم جاوزهم إلى ثلاثة آخرين فإذا هم أشد نحولاً وتغيراً كأن وجوههم المرائي من النور فقال: ما الذي بلغ بكم ما أرى قالوا: نحب الله عز وجل فقال أنتم المقربون أنتم المقربون . احياء علوم الدين ..

روي الامام احمد في مسنده عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «يَا غُلامُ، أَوْ يَا غُلَيِّمُ، أَلا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِنَّ؟» فَقُلْتُ: بَلَى. فَقَالَ: «احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ، يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ » .....

إن معرفة الله تعالى ثمارها عظيمة فإنه إذا ما عرف الانسان نفسه حق المعرفة علم أنه أذل من كل ذليل وأقل من كل قليل وأنه لا يليق به إلا التواضع والذلة والمهانة وإذا عرف ربه علم أنه لا تليق العظمة والكبرياء إلا بالله أما معرفته ربه وعظمته ومجده فالقول فيه يطول.....

روي الامام احمد في مسنده من حديث عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرِ: { وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ هَكَذَا بِيَدِهِ، وَيُحَرِّكُهَا، يُقْبِلُ بِهَا وَيُدْبِرُ: " يُمَجِّدُ الرَّبُّ نَفْسَهُ: أَنَا الْجَبَّارُ، أَنَا الْمُتَكَبِّرُ، أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الْعَزِيزُ، أَنَا الْكَرِيمُ " فَرَجَفَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرُ حَتَّى قُلْنَا : لَيَخِرَّنَّ بِهِ " أخرجه الإمام أحمد ......

ثانيا : الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم - أعظم الناس معرفة بالله تعالى

عباد الله : إن الباحث في نواحي العظمة المحمدية، لَيَبهرُه تعدُّدُ جوانبها، ويأخذ بقلبه سُموُّ مُقوماتها؛ فقد أرسل الله هذا النبي الأمي؛ ليَكشف للإنسانية الحائرةِ معالمَ التوحيد والعدل، ويَمحو الشِّرك والظلم، ويَنشر الأمان والمحبَّة، فبلَغ من ذلك حظًّا لم يدركه نبيٌّ قبله، وتَمَّ على يديه ما أراد الله أن تصل إليه الإنسانية من الكمال، فكان لذلك إمامَ الأنبياء وخاتم المرسلين، وبحسب الإنسان أن يذكر ذلك؛ ليُؤمنَ بأن هذا الرسول الأكرم كان منفردًا في عظَمته، ممتازًا في فِطرته.........

ولقد كان حياؤه من ربِّه مثلاً في أدب الأنبياء مع ربهم؛ فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- في حديثه عن المعراج وفرْض الصلاة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- راجَع ربَّه؛ نُزولاً على مشورة سيدنا موسى -عليه السلام- ثلاث مرات، حتى خفَّف فرْض الصلاة من خمسين إلى خمسٍ، فلمَّا أخبَر موسى بذلك، قال: ارجِع إلى ربك، واسْأَله التخفيف لأُمتك، فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((سألت ربي حتى اسْتَحْييتُ منه، ولكن أرضى وأُسلِّم)).......

وكان من أعظم أدب الرسول مع ربِّه، أن كان أحب ألقابه إلى نفسه أنه عبد الله، وكان يحب دائمًا أن يثبت ذلك في نفوس المسلمين جليًّا واضحًا، فتارة يُقرِّره بالقول عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، سَمِعَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ عَلَى المِنْبَرِ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لاَ تُطْرُونِي، كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ، وَرَسُولُهُ» البخاري .

وتارة يقرِّره تقريرًا عمليًّا؛ فقد ورد عنه أنه دخل على أصحابه، فقاموا إجلالاً له والحديث رواه احمد عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَكِّئٌ عَلَى عَصًا فَقُمْنَا إِلَيْهِ فَقَالَ: «لَا تَقُومُوا كَمَا تَقُومُ الْأَعَاجِمُ يُعَظِّمُ بَعْضُهَا بَعْضًا» . قَالَ: فَكَأَنَّا اشْتَهَيْنَا أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ لَنَا فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا، وَارْضَ عَنَّا وَتَقَبَّلْ مِنَّا وَأَدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَنَجِّنَا مِنَ النَّارِ، وَأَصْلِحْ لَنَا شَأْنَنَا كُلَّهُ» . فَكَأَنَّا اشْتَهَيْنَا أَنْ يَزِيدَنَا. فَقَالَ: «قَدْ جَمَعْتُ لَكُمُ الْأَمْرَ» ...

لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أكمل الأمة معرفة بالله تعالى وكان أتقاهم له وأخشاهم لله فعَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ نَاسًا كَانُوا يَتَعَبَّدُونَ عِبَادَةً شَدِيدَةً، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «وَاللَّهِ، إِنِّي لَأَعْلَمُكُمْ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَخْشَاكُمْ لَهُ» رواه احمد.....

وهو الذي عظم قدر ربه وعرف جلاله وعلم اصحابه روي البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَاءَ حَبْرٌ مِنَ الأَحْبَارِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّا نَجِدُ: أَنَّ اللَّهَ يَجْعَلُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الخَلاَئِقِ عَلَى إِصْبَعٍ، فَيَقُولُ أَنَا المَلِكُ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الحَبْرِ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ، وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} ...

عباد الله : لقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله تعالى هو الكريم العظيم, الذي هو أكبر من كل شيء، وأعظم من كل شيء، أجل وأعلى، هو وحده الخالق لهذا العالم، لا يقع شيء في الكون من حركة أو سكون, أو رفعٍ أو خفض, أو عز أو ذل, أو عطاءٍ أو منع إلا بإذنه سبحانه، يفعل ما يشاء, ولا يُمانع ولا يُغالب، ولما قال الأعرابي لرسول الله : فإنا نستشفع بك على الله، ونستشفع بالله عليك، قال رسول الله : ((ويحك! أتدري ما تقول؟!)) وسبّحَ رسول الله , فما زال يسبح حتى عُرف ذلك في وجوه أصحابه, ثم قال: ((ويحك! أنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه, شأن الله أعظم من ذلك)) أخرجه أبو داود

ثالثا - كثرة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لربه.

لقد كان الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم كثير الذكر لربه سبحانه، كثيراً الاستغفار يذكر الله قائمًا وقاعدًا وعلى جنب، يذكر الله وهو مستشعر لمن يذكر قال تعالي{وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ..}

-------------------------

تابع قراءة الخطبة كاملة على مربع الاجابة اسفل الصفحة التالية 

2 إجابة

0 تصويتات
بواسطة (627ألف نقاط)
 
أفضل إجابة
يتبع الخطبة الأولى

أدب الحبيب النبي - صلى الله عليه وسلم- مع الله- جل وعلا

ان رسول الله قد تغلغل وترسخ حب العبادة في قلبه، وأعظم مظهر لعبادته أنه كان مسلماً وجهه لله في جميع الحالات ,كان يخشى الله في جميع أحواله ويذكره دائماً ويستغفره قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً» رواه البخاري .

أتعجبون؟! فاسمعوا إذًا إلى ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنِ الْأَغَرِّ الْمُزَنِيِّ، وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ، فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ»

يقول الإمام ابن الأثير رحمه: "((ليغان على قلبي)) أي: ليغطّى ويغشى، والمراد السهو، لأنه كان لا يزال في مزيد من الذكر والقربة ودوام المراقبة، فإذا سها عن شيء منها في بعض الأوقات أو نسي عدّه ذنبًا على نفسه، ففزع إلى الاستغفار".

وبعد أن فُرِضت الصلاة، كان يأنَس إليها أُنس الرضيع إلى صدر أمه، ويَشتاق قلبه إلى وقتها شوقَ الظمآن إلى الماء، فيها سَلوته، وفيها مَسرَّته ((جُعِلت قرَّة عيني في الصلاة)) روي الامام احمد عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ " أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ " يُصَلِّي وَلِصَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ "

أيها المسلمون، طرف آخر من معرفة النبي لربه تفكُّره في آياته ومخلوقاته، أخرج البخاري رحمه الله عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ، فَتَحَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَهْلِهِ سَاعَةً، ثُمَّ رَقَدَ، فَلَمَّا كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، قَعَدَ فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ}، ثُمَّ «قَامَ فَتَوَضَّأَ وَاسْتَنَّ فَصَلَّى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً»، ثُمَّ أَذَّنَ بِلاَلٌ، «فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ».........

إنه ليس مُستغرَبًا من هذا الرسول الكريم؛ لأن الله قد ملأ صدره حكمة وإيمانًا، وإليك نوعًا آخر فريدًا في باب الأدب، كان -صلى الله عليه وسلم- كثيرًا ما تَفيض عيناه دمعًا، حين يجد أن لسانه وعمله لا يَفِيَان بالتعبير عن شكر الله على ما أنعَم به عليه ولقد كان يقرأ القرآن ويتدارسه مع جبريل عليه السلام، ويحب أن يسمعه من غيره، ثبت في الصحيحين وغيرهما عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْرَأْ عَلَيَّ»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آقْرَأُ عَلَيْكَ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ، قَالَ: «نَعَمْ» فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ الآيَةِ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ، وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا} [النساء: 41]، قَالَ: «حَسْبُكَ الآنَ» فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ، فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ .

رابعا : - إتقان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عبادته.

أيّها المسلم، إنَّ ربَّنا جلّ وعلا قال لنبيّنَا : وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99]، فمُحَمّد أَكملُ الخلقِ خَشيةً لله، وأكمَل الخَلق معرفةً بِالله، وأكمَلُ الخلقِ خَوفًا من الله، وأَكمَل الخلقِ رجاءً لله، ولذا قال الله له: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ، استَمِرَّ على العِبادَة واستقِم على الطاعة ولا تَدَعها إلى أن يوافِيَك الأجَل المحتوم، فليَكن المسلمُ كذلك، يعمُر حياتَه بطاعَةِ الله؛ لتَكونَ حياته لله وفي سبيل الله.

أُخيّ الكريم ، لقد خُيِّل إلى بعض الصحابة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد أن أجزَل له ربُّه في العطاء، حتى غفَر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، وبعد أن نصَره نصرًا عزيزًا، وفتَح له فتحًا مبينًا - خيِّل إلى هذا البعض أنه -صلى الله عليه وسلم- بعد أن بلَغ تلك المنزلة، سيُسَلِّم نفسه إلى شيءٍ من الدَّعة، ويَخلد إلى قليلٍ من الراحة، ولكنه -عليه السلام- يَغرق في العبادة، ويُكثر من الخَلوة، ويُبالغ في التهجُّد، فيَعجب لذلك هؤلاء الأصحابُ، ويسألون عن السر فيه؛ كما ورد في حديث عَائِشَةَ ،رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا صَلَّى قَامَ حَتَّى تَفَطَّرَ رِجْلَاهُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَتَصْنَعُ هَذَا، وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا» أخرجه مسلم في الصحيح.

لقد كانت عبادة الله تعالى عند رسول الله تعني السكينة والطمأنينة، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَا بِلَالُ، أَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ " وكان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة فمعرفة النبي بربه هي التي جعلته يتلذّذ بالعبادة ومناجاة ربه سبحانه وتعالى.

والعجب كل العجب عباد الله في عبادته ذلك الجمع الغريب بين أرقى مراتب التعبد وبين القيام بقيادة أمته، ولقد اختلط الأمر على بعض الصحابة، فظنُّوا أن من الأدب مع البارئ -عز وجل- أن يَنقطع الإنسان إلى العبادة، وأن يترك الدنيا إلى الآخرة، ولكنه -صلى الله عليه وسلم- ردَّهم إلى الصواب، وبيَّن لهم - في جَلاءٍ لا يَقبل التأويلَ - أن خشية الله لا تَستلزم الانقطاع عن الدنيا، فلقد أنس بن مالك رضي الله عنه : جاء ثلاثة رهطٍ إلى بيوت أزواج النبي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسألون عن عبادة النبي ، فلمّا أُخبِروا كأنهم تقالّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي ؟! قد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أمّا أنا فإنّي أصلّي الليل أبداً، وقال آخر: أما أنا أصوم الهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزلُ النساء فلا أتزوّج أبدا، فجاء رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليهم فقال: ((أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله، إنّي لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكنّي أصومُ وأفطر، وأصلّي أرقُد، وأتزوّج النساء، فمن رغِب عن سنّتي فليس منّي)) أخرجه البخاري

وهكذا كان أدبه -صلى الله عليه وسلم- مع ربِّه أثرًا من آثار خشيته له، وفَرْط حبِّه لذاته، وخضوعه لجلاله، فكان خاليًا عن المغالاة والتكلُّف، موسومًا بالعطف على الناس، بعيدًا عن الزِّراية بهم والنِّقمة عليهم، فلم يَدْعُ يومًا على قومه بالهلاك، بل كان يطلب لهم الهداية والمغفرة، قائلاً - في أشد المواقف إمعانًا في إيذائه والكفر به -: ((اللهمَّ اهْدِ قومي؛ فإنهم لا يعلمون)).

 ولقد كان من بالِغ أدبه -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يشعر أن فضائله قَبَسٌ من فضل الله عليه، فكان إذا صبَر على بلاءٍ، يشكر ربه على التوفيق، بل كان يستغفره؛ خوفًا من تَبِعة التقصير؛ فلقد جاء في سيرته الكريمة أنه ذهب يومًا إلى أهل الطائف يدعوهم إلى الإسلام، فردُّوه ردًّا غير جميلٍ، وأغروا به سُفهاءَهم وعبيدهم، يَعفِرونه بالتراب، ويَحصِبونه بالحجارة، وهو صابر مُحتسب، فما هو إلا أن جلَس إلى ظلِّ شجرة، حتى طفِق يَستعيذ بالله من غضبه، قائلاً: ((أعوذ بنور وجهك الذي أشرَقت به الظلمات، وصلَح به أمر الدنيا والآخرة، أن تُنزل عليَّ غضَبك، أو تُحِلَّ على سَخطك، إن لم يكن بك عليَّ غضبٌ، فلا أُبالي)).

ولقد بلَغ به الأدب مع ربه، أنه كان يظَلُّ صائمًا طاويًا، مواصلاً الصيام، سعيدًا بالجوع والعطش؛ لأن فيه قربًا من العلي الأعلى؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الوصال في الصوم، فقال له رجل من المسلمين: إنك تواصل يا رسول الله؟ قال: ((أيُّكم مثلي؟ أَبيت يُطعمني ربي ويَسقين)).

اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم

يتبع الخطبة الثانية في الأسفل
0 تصويتات
بواسطة (627ألف نقاط)

الخطبة الثانية

أدب الحبيب النبي - صلى الله عليه وسلم- مع الله- جل وعلا

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حقَّ التّقوى.

خامسا : اعرف ربك 

عبد الله اعرف ربك ولا تكن عمل كالسراب وقلب من التقوى خراب وذنوب بعدد الرمل والتراب ثم تطمع بالكواعب الأتراب والنظر إلى وجهه الكريم الوهاب هيهات هيهات أنت سكرات من عبر شراب 

يد من الذي امتدت إلى رأسك أيها الإنسان فجعلت ماء العين مالحا، وماء الأنف حامضاً، وماء الأذن مرّاً، وماء الفم حلواً وعذباً؟! مع أن أصل هذه المياه واحد، وهو رأسك أيها الإنسان؟ انه الله (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)الذاريات

قيل لأعرابي: ما الدليل على وجود الرب - جل جلاله -؟ فقال: يا سبحان الله إن البَعْرَ ليدل على البَعير، وإن آثار الأقدام لتدل على المسير، فسماءٌ ذات أبراج، وأرض ذات فجاج وبحار ذات أمواج، ألا يدل ذلك على وجود اللطيف الخبير؟

من هنا يأتي دور القرآن العظيم الذي أنزله الله عز وجل إلى الناس كدليل يدلهم عليه ويعرفهم به: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا} [النساء:174].

فآيات القرآن تعرفنا بالله عز وجل، وتدلنا كذلك على كيفية التطبيق العملي لهذه المعرفة في الكون .. ألم يقل سبحانه: {الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان:59]. وقد أورد ابن كثير عن شمر بن عطية أنه قال في تفسيره لهذه الآية: هذا القرآن خبير به ، وهذا ما أكده ابن عباس بقوله: "عرفت ربي بربي، ولولا ربي ما عرفت ربي"، أي: هو الذي عرفني بنفسه من خلال حديثه عن نفسه في كتابه، ولولا هذا الوحي الذي أنزله الله لما عرفت الله (أسماء الله الحسنى لعمر الأشقر، ص (11)).

يقول هرم بن حيان: المؤمن إذا عرف ربه عز وجل أحبه وإذا أحبه أقبل إليه وإذا وجد حلاوة الإقبال إليه لم ينظر إلى الدنيا بعين الشهوة ولم ينظر إلى الآخرة بعين الفترة وهي تحسره في الدنيا وتروحه في الآخرة .. احياء علوم الدين 

و سئل الإمام الشافعي - رحمه الله تعالى - عن الدليل على وجود الخالق، فقال: هذا ورق التوت، طعمه ولونه، وريحه، وطبعه واحد، تأكله دودة القز فيخرج منها الإبرسيم ( الحرير) وتأكله النحل فيخرج منها العسل، وتأكله الأنعام فتلقيه لبنا ولحما ، وتأكله الظباء فيخرج منها المسك، فمن الذي جعل هذه الأشياء كذلك مع أن الطبع واحدة.

يقول يحيى بن معاذ الرازي " من عرف نفسه عرف ربه"

فيا من تخاف الله عز وجل: تذكر قبل أن تعصي: أن الله سبحانه يراك ويعلم ما تخفي وما تعلن، فانه ( يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) غافر

حكي عن عبد الواحد بن زيد قال: كنت في مركب فطرحتنا الريح إلى جزيرة وإذا فيها رجل يعبد صنما فقلنا له: يا رجل! من تعبد؟ فأومأ إلى الصنم.

فقلنا: إن معنا في المركب من يسوى مثل هذا وليس هذا إله يعبد.

قال: فأنتم لمن تعبدون؟ قلنا: الله.

قال: وما الله؟ قلنا: الذي في السماء عرشه وفي الأرض سلطانه وفي الأحياء والأموات قضاؤه.

فقال: كيف علمتم له؟ قلنا: وجه إلينا هذا الملك رسولا كريما فأخبر بذلك.

قال: فما فعل الرسول؟ قلنا: أدى الرسالة ثم قبضه الله.

قال: فما ترك عندكم علامة؟ قلنا: بلى ترك عندنا كتاب الملك. 

فقال: أروني كتاب الملك فينبغي أن تكون كتب الملوك حسانا.

فأتيناه بالمصحف فقال: ما أعرف هذا فقرأنا عليه سورة من القرآن فلم نزل نقرأ ويبكي حتى ختمنا السورة فقال: ينبغي لصاحب هذا الكلام أن لا يعصى ثم أسلم.

وحملناه معنا وعلمناه شرائع الإسلام وسورا من القرآن وكنا حين جننا الليل وصلينا العشاء وأخذنا مضاجعنا قال: لنا يا قوم! هذا الإله الذي دللتموني عليه إذا جنه الليل ينام؟ قلنا: لا يا عبد الله هو عظيم قيوم لا ينام.

قال: بئس العبيد أنتم تنامون ومولاكم لا ينام؟ فأعجبنا كلامه.

فلما قدمنا عبادان قلت لأصحابي: هذا قريب عهد بالإسلام فجمعنا له دراهم وأعطيناه فقال: ما هذا؟ قلنا تنفقها فقال: لا إله إلا الله! دللتموني على طريق سلكتموها أنا كنت في جزائر البحر أعبد صنما من دونه ولم يضيعني يضيعني وأنا أعرفه!.

فلما كان بعد أيام قيل لي: إنه في الموت فأتيته فقلت له: هل من حاجة فقال: قضى حوائجي من جاء بكم إلى جزيرتي.

قال: عبد الواحد فحملتني عيني فنمت عنده فرأيت مقابر عبادان روضة وفيها قبة وفي القبة سرير عليه جارية لم ير أحسن منها فقالت: سألتك بالله إلا ما عجلت به فقد اشتد شوقي إليه فانتبهت وإذا به قد فارق الدنيا.

فقمت إليه فغسلته وكفنته وواريته.

فلما جن الليل نمت فرأيته في القبة مع الجارية وهو يقرأ: {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: 23 - 24] . التوابين لابن قدامة و صفة الصفوة لابن الجوزي

عباد الله :ان سبب تفريطنا هو جهلنا بالله وصفاته وعظيم قدره وللأثر عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَجْتَمِعُونَ فِي مَسَاجِدِهِمْ، لَيْسَ فِيهِمْ مُؤْمِنٌ» الشريعة للآجُرِّيُّ

ومن اسباب تفريطنا هو انحرافنا في حبنا ولمن يكون، فمنا المحب للمال وللنساء والمنصب وهي فتن على الطريق روي البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلاَ انْتَقَشَ، طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَشْعَثَ رَأْسُهُ، مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ، إِنْ كَانَ فِي الحِرَاسَةِ، كَانَ فِي الحِرَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ، إِنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ»

ومن اسباب تفريطنا ضعف اليقين والثقة بالله وما أخبر عنه فخسرنا أنفسنا وخسرنا ديننا.

نرقع دنيانا بتمزيق ديننا فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع

قال الحسن البصري: «من عرف ربه أحبه، ومن عرف الدنيا زهد فيها، والمؤمن لا يلهو حتى يغفل، فإذا تفكر حزن» كيف لا ومصدر النعمة هو الله: ((وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ)) النحل:53. ((وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ )) إبراهيم:34

وإليه شكواك ونجواك: ((إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ )) يوسف:86. وإليه وحده تلجأ عند بلواك: ((وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )) الأنعام:17. فأي حب ينبغي أن يكون.

ورحم الله عمر رضي الله عنه وقد سئل: أي شيء أحب إليك، قال: صوم في الصيف وضرب بالسيف.

وهذه رابعة تناجي ربها فتقول: إلهي غارت النجوم ونامت العيون وأنت الحي القيوم، إلهي خلا كل حبيب بحبيبه وأنت حبيب المستأنسين وأنيس المستوحشين، إلهي إن طردتني عن بابك فباب من أرتجي وإن قطعتني عن خدمتك فخدمة من أرتجي

ان قوما عرفوا ربهم وخافوه امتلأوا يقيناً واليقين عباد الله هو كمال التصديق والرسوخ بوجود الله والجنة والنار والحساب، يرى رسول الله أحد اصحابه وهو حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ فيسأله كيف اصبحت؟ روي البيهقي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا فَاسْتَقْبَلَهُ شَابٌّ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ: حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ، فَقَالَ لَهُ: " كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا حَارِثَةُ؟ " قَالَ: أَصْبَحْتُ مُؤْمِنًا حَقًّا، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " انْظُرْ مَا تَقُولُ، فَإِنَّ لِكُلِّ حَقٍّ حَقِيقَةً إِيمَانِكَ؟ " قَالَ: فَقَالَ: عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا، فَأَسْهَرْتُ لِيَلِي وَأَظْمَأْتُ نَهَارِي، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي بَارِزًا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ كَيْفَ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ النَّارِ كَيْفَ يَتَعَادَوْنَ فِيهَا، فَقَالَ: فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَبْصَرْتَ فَالْزَمْ، مَرَّتَيْنِ، عَبْدٌ نَوَّرَ اللهُ الْإِيمَانَ فِي قَلْبِهِ " شعب الإيمان

 تعالوا الي اولئك الثلاثة من بني إسرائيل الذين قص النبي عليه الصلاة السلام قصتهم, وأخبر خبرهم, يوم أن آواهم المبيت إلى غار فتدهدهت عليهم صخرة عظيمة أغلقت فم الغار, فإذا الغار صندوق مغلق محكم الإغلاق, مقفل موثق الإقفال.

والحديث رواه البخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: " خَرَجَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ يَمْشُونَ فَأَصَابَهُمُ المَطَرُ، فَدَخَلُوا فِي غَارٍ فِي جَبَلٍ، فَانْحَطَّتْ عَلَيْهِمْ صَخْرَةٌ،.. الخ الحديث 

إن نادوا فلن يسمع نداؤهم, وإن استنجدوا فلا أحد ينجدهم, وإن دفعوا فسواعدهم أضعف وأعجز من أن تدفع صخرة عظيمة سدت باب هذا الغار, وكانت كربة, وكانت شدة, فلم يجدوا وسيلة يتوسلون بها في هذه الشدة إلا أن يتذكروا معاملتهم في الرخاء, فدعوا الله في الشدة بصالح أعمالهم في الرخاء. ((اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا )).

اللهم أعز الإسلام والمسلمين...

هذا وصلّوا وسلِّموا على الهادِي البشير والسراج المنير، رسولِ الله محمدِ بنِ عبد الله الهاشميّ القرشيّ.

فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب:56].

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين...

خطبة عن أدب الحبيب النبي  صلى الله عليه وسلم مع الله جل وعلا 23 من صفر 1445 هـ الموافق 8 سبتمبر 2023 م  خطبة عن حياة النبي صلى الله عليه وسلم خطبة الجمعة مختصرة حال النبي

23 من صفر 1445 هـ الموافق 8 سبتمبر 2023 م 

اسئلة متعلقة

مرحبًا بك إلى موقع باك نت، حيث يمكنك طرح الأسئلة وانتظار الإجابة عليها من المستخدمين الآخرين.
...