مقالة استقصاء بالوضع حول الانظمة الاقتصادية
قيل الاقتصاد الحر يضمن الرفاهية و الازدهار دافع عن صحة هذه الأطروحة
الإجابة هي
مقالة استقصاء عن الأنظمة الاقتصادية
قيل الاقتصاد الحر يضمن الرفاهية و الازدهار دافع عن صحة هذه الأطروحة.
طرح المشكلة:
ان جميع المجتمعات البشرية تمتلك موارد وثروات تسعى الى استثمارها وتوظيفها في توفير جميع حاجياتها البيولوجية ، وهذا ما يتجلى لنا في مختلف النشاطات التي يقوم بها الناس في حياتهم اليومية ، ولذا ظهر ما يعرف بالاقتصاد وهو العلم الذي يدرس كل ما يتعلق بالنشاط الإنساني المؤدي إلى خلق المنافع و زيادتها ، حيث ان استمرارية ورقي أي دولة أو مجتمع بشري يقتضي انتهاج نظام اقتصادي معين ، يضمن تجنب مشاكل اقتصادية واجتماعية ويحقق الرفاهية والتوازن الاجتماعي لهم ، و لقد شاع ان النظام الاشتراكي القائم على الملكية الجماعية لوسائل الانتاج هو الأمثل لتحقيق ذلك ، غير انه هناك فكرة مناقضة لهذا ترى ان النظام الرأسمالي القائم على الحرية الفردية هو الأنسب لتحقيق الرفاهية و الازدهار والعدالة الاجتماعية، فكيف نثبت صحة هذه الأطروحة ؟ و ماهي الأدلة و الحجج المناسبة للدفاع عليها ؟
محاولة حل المشكلة:
عرض منطق الاطروحة:
يرى أنصار النظام الليبرالي الرأسمالي ـوهم العالم الاقتصادي آدم سميث في كتابه بحوث في طبيعة وأسباب رفاهية الأمم وبعده عدد من المفكرين الفرنسيين في القرن التاسع عشر أمثال ساي Jean Babtiste Say و دونوايي Dunoyer و باستيا Bastiat، وهم في الجملة يزعمون أن قوانين الاقتصاد السياسي تجري على أصول عامة وبصورة طبيعية كفيلة بسعادة المجتمع و حفظ التوازن الاقتصادي فيه و أن هذا الأخير كفيل بتحقيق حياة اقتصادية مزدهرة .
ما يميز هذا النظام أنه لا يتسامح مع الضعفاء و المتهاونين والمتكاسلين ، و الملكية الخاصة و حب الناس للثروة هو الحافز الأول و الأساسي للإنتاج ، لذلك فإن أكثر الناس حرصا على السير الحسن للعمل لأية وحدة إنتاجية هو مالكها، فلو يكون مالكها مجرد مسير و مراقب فهذا يقضي على حرصه و اجتهاده و حافزه للتطوير من انتاجه ، فلا يعقل ان يكون مدير الشركة و الحارس بنفس الحقوق و المهام ، كما ان الحرية تزيد من شدة المنافسة بين الشركات و المنتجين الأمر الذي يكون في صالح الفرد و المجتمع لينعم ب منتوجات ممتازة و اسعار في المتناول ، فمثلا في سوق الهواتف الذكية نحن نشهد تنافس كبير بين كبرى الشركات مثل آبل و سامسونغ و شاومي....الخ الأمر الذي جعل المستهلك يتمتع بمميزات الهواتف الممتازة على هواتف الفئة المتوسطة و هذا يشمل جميع المجالات و المنتوجات، بالإضافة إلى أن هذا النظام يحقق نوعا من العدالة الاجتماعية على أساس أنه ليس من المعقول ومن العدل أن يحرم الفرد حيازته على شيء شقى وتعب كثيراً من أجله ، فبأي حق نمنع فردا من امتلاك ثمرة عمله .
نقد خصوم الأطروحة :
وعلى عكس الرأي السابق نجد أنصار النظام الاشتراكي الذي ظهر على أنقاض الرأسمالية وأهم رواده كارل ماكس وزميله انجلز في كتابه ـ رأس المال ـ أن الاشتراكية هي التي تحقق الرخاء الاقتصادي و العدالة الاجتماعية و المساواة. حيث يرى ماركس ان المادية الجدلية هي المحرك الأساسي للتاريخ فالنظام الاشتراكي يسعى من خلال توطين الشروط المادية إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وحياة اقتصادية مزدهرة وهذا من خلال مبادئ و أسس أهمها : الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج أو ما اصطلح علية بتأميم وسائل الإنتاج مثلما فعل الزعيم المصري جمال عبد الناصر مع قناة السويس و الزعيم الجزائري هواري بومدين عندما أمم المحروقات وكل ذلك من أجل الحفاظ على الثروات الطبيعية الوطنية من النهب و الجشع و توجيهها نحو المصلحة الجماعية و إزالة الطبقية ـ فالأرض لمن يزرعها والمصانع للعمال ـ وهذا ما عبر عنه أول رئيس للاتحاد السوفياتي فلاديمير لينين 1870-1924 Vladimir Lenin في قوله :«يجب أن يكون كل طباخ قادرا على إدارة البلاد» و يقول منتقدا الحرية الرأسمالية المفرطة: «صحيح أن الحرية قيمة، إنها قيمة لدرجة أنه يجب تخصيصها »وكذلك التخطيط المركزي و يعني التخطيط الاقتصادي الذي ترسمه الدولة وتحاول التوفيق بين حاجة المجتمع والإنتاج في كميته وتوزيعه وتحديده لئلا يبتلي المجتمع بنفس الأمراض التي أصيب بها المجتمع الرأسمالي فتحدد الأسعار و الإنتاج و توفق بينه و بين الاستهلاك .
نقدهم:
لاشك أن النظام الاشتراكي استفاد من بعض عيوب الرأسمالية لكنه لم يستفد من نقاطه أو جوانبه الإيجابية بل رفضه جملة وتفصيلاً وهذا الخطأ الذي ارتكبه المنظرون الاشتراكيون ضف إلى ذلك أنه بالرغم من الغايات الإنسانية التي يسعى إليها النظام الاشتراكي فقد أوجد جملة من السلبيات أهمها أنه فشل في إيجاد حلول لظاهرة التسيب و الإهمال و اللامبالاة وروح الاتكال كذلك أنه أوجد نوعا من التسيير البيروقراطي الإداري الذي عرقل المشاريع الاقتصادية بالإضافة إلى ظهور المحسوبية والرشوة وضعف الإنتاج ورداءته ، في ظل غياب المنافسة ومصادرة حرية الفرد التي تعتبر حقا من حقوقه الطبيعية لأن الفرد لا يمتلك و هذا ما يتنافى مع طبيعة الانسان المفطورة على حب التملك. هذا بالإضافة إلى الخيال النظري الشيوعي الذي أدى إلى سوء تقدير الواقع و النتائج الاقتصادية ، كما أنه يرتكز على نظرة مادية و يهمل القيم الأخلاقية بحجة أن التطور الاقتصادي محكوم بقوانين ضرورية لا تحتاج مثل هذه القيم.
الدفاع عليها بحجج شخصية :
كما أن الاقتصاد الليبرالي مؤسس على تصور روماني للحقوق يجعل من الملكية حقا مطلقا لا تحده حدود . فهو يقوم على الإيمان بالفرد إيمانا لا حد له و بأن مصالحه الخاصة تكفل – بصورة طبيعية – مصلحة المجتمع في مختلف الميادين ، وأن الدولة ترمي في وظيفتها إلى حماية الأشخاص والدفاع عن مصالحهم الخاصة ولا يحق لها أن تتعدى حدود هذه الغاية في نشاطها ، كما أنه لا بد أن تقر بالحرية الاقتصادية وما يتبعها من حريات سياسية وفكرية و شخصية ، فتفتح الأبواب وتهيئ الميادين بحيث يجوز للفرد التملك والاستهلاك والإنتاج بكل حرية ،وانتهاج أي طريق لكسب المال و مضاعفته على ضوء مصالحه الشخصية . و ذلك ما تلخصه الملكية الفردية لوسائل الإنتاج فللفرد الحرية التامة في امتلاك الأراضي و المباني و الآلات و المصانع ووظيفة القانون في المجتمع الرأسمالي هي حماية الملكية الخاصة و تمكين الفرد من الاحتفاظ بها. و كذا المنافسة الحرة التي تضمن النوعية و الكمية و الجودة بالإضافة إلى عدم تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية من جهة تحديد الأسعار و الأجور و الإنتاج حتى لا تعيق النشاط الاقتصادي، فمتى تدخلت الدولة في تحديد الأسعار مثلا والأجور والمعاملات التجارية خلقت معظم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، فلا بد من أن تترك القوانين الاقتصادية تسير على مجراها الطبيعي و بذلك ينظم الاقتصاد نفسه ويهدف إلى خير المجتمع ،إن المصلحة الخاصة هي أحسن ضمان للمصلحة الاجتماعية العامة وأن التنافس يكفي وحده لتحقيق روح العدالة الاجتماعية ، فالقوانين الطبيعية للاقتصاد كفيلة بحفظ المستوى الطبيعي للثمن بصورة تكاد تكون ميكانيكية يلخصها قانون العرض و الطلب وهو القانون الطبيعي الذي ينظم الاقتصاد و يضبط حركة الأسعار و الأجور والذي من شأنه أن يقضي على الكسل و الاتكالية و التشجيع على العمل و المنافسة ففي مجال الإنتاج إذا زاد العرض قل الطلب فصاحب المصنع مثلا يخفض في الإنتاج لإعادة التوازن و ذلك ما يؤدي الى زيادة الطلب، و في مجال الأسعار إذا تعدى الثمن حدوده الطبيعية انخفض الطلب مما يؤدي الى كساد السلع بالتالي انخفاض الأسعار مرة أخرى. يقول آدم سميث :"إن كل بضاعة معروضة في السوق تتناسب من تلقاء نفسها بصفة طبيعية مع الطلب الفعلي" كذلك أجور العمال فإنها تخضع لنظام طبيعي مماثل ، لو كانت منخفضة في مهنة فإن الترشيح فيها ينقص وإذا هي ارتفعت ارتفع ، ولكنها إذا ارتفعت بصورة غير عادية قام تنافس بين عدد كبير من العمال طلبا للعمل ، وهذا التنافس يخفض الأجور ، إن القضاء على التنافس معناه إلغاء العقل كما يقول باستيا ، ومن نتائج هذا النظام المصلحة الشخصية تفترض البحث عن كيفية تنمية الإنتاج وتحسينه مع التقليل من المصاريف والنفقات ، وهذا يحقق في رأيهم الخير العام. ومن كل هذا نستنتج أن فلسفة النظام الرأسمالي تقوم على مسلمة واحدة و أساسية هي أن سبب كل المشاكل الاقتصادية يرجع إلى تدخل الدولة في تحديد الأسعار و الأجور و الإنتاج ، فلا يزدهر الاقتصاد إلاّ إذا تحرر من كل القيود و القوى التي تعيق تطوره وفي هذا يقول آدم سميث أحد منظري الليبرالي :" دعه يعمل أتركه يمر" ، و إذا كان تدخل الدولة يعمل على تجميد وشل حركة الاقتصاد فإن التنافس الحر بين المنتجين يعتبر الوقود المحرك للآلة الاقتصادية فالحرية الاقتصادية تفتح آفاقا واسعة للمبادرات الفردية الخلاقة بحيث أن كل المتعاملين يبذلون قصارى جهدهم لإنتاج ما هو أحسن وأفضل وبكمية أكبر و بتكلفة أقل ولا خوف في خضم هذا النشاط على حركة الأجور و الأسعار لأن قانون العرض و الطلب يقوم بتنظيم هاتين الحركتين و في هذا يرى آدم سميث أن سعر البضاعة يساوي ثمن التكلفة زائد ربح معقول ، لكن إذا حدث بسبب ندرة بضاعة معينة أن ارتفع سعر بضاعة ما فوق سعرها الطبيعي فإن هذه البضاعة تصبح مربحة في السوق الأمر الذي يؤدي بمنتجيها إلى المزيد من إنتاجها فيرتفع العرض و هذا يؤدي بدوره إلى انخفاض ثمنها و إذا زاد العرض عن الطلب بالنسبة لسلعة ما فإن منتجيها يتوقفون عن إنتاجها أو يقللون منه لأنها غير مربحة و هذا يؤدي آليا إلى انخفاض العرض ومن ثمة ارتفاع الأسعار من جديد.
حل المشكلة:
وفي الأخير نستنتج ان الأطروحة القائلة:"الاقتصاد الحر يضمن الرفاهية و الازدهار" اطروحة صحيحة في سياقها و نسقها الفكري و الفلسفي وجب تبنيها و الدفاع عليها، ذلك لان الواقع و التاريخ أثبتوا تفوق الرأسمالية على الاشتراكية التي اختفت و اختفى معها المعسكر الشرقي الشيوعي تاركا الساحة للاقتصاد الحر الذي يقود النظام الدولي بزعامة الغرب و خير دليل على نجاحه هو تسابق الدول النامية لتطبيقه في محاولة منها للحاق بالدول المتقدمة