قصه غازان خان والمعركة الاخيره للمغول
في محرم سنة 699هـ بدأ سلطان المغول الجديد قازان بالهجوم على الشام، وكان عدد كبير من قواته من الأرمن النصارى، فخرجت الغزوة المغولية الصليبية تحصد في طريقها الأخضر واليابس، ووصل المغول إلى حمص وبعلبك وقتلوا الرجال وسبوا النساء والأطفال، وأرادوا استكمال غزو بلاد الشام كلها، فأصاب أهل الشام الرعب.
أخذ المغول يحشدون للاستيلاء على دمشق، فخشي شيخ الإسلام ابن تيمية أن يدهموها فجأة، فقام بتحريض أهل الشام في دمشق وحلب وحثهم على الثبات وتذكيرهم بآيات الجهاد. وانتدب وفداً للسفر إلى مصر لملاقاة سلطانها الناصر محمد بن قلاوون يدعونه للجهاد.
وسافر شيخ الإسلام ابن تيمية نفسه إلى أمير العرب مهنا بن عيسى الطائي ودعاه لملاقاة المغول والوقوف مع إخوانه فلبى النداء. وجمع الأموال من تجار دمشق لتمويل جيش الدفاع.
في رجب عام 702هـ / 1303م أتت الأخبار بأن قازان على وشك التحرك إلى الشام، وأقبل الناس من حلب وحماة إلى دمشق مذعورين، وتأهب أهل دمشق للفرار، فنودى أن من خرج منها حل ماله ودمه.
أرسل قازان قائده ونائبه قطلوشاه إلى الشام فتوجه مباشرة إلى حماة فلما أبصره عسكر حماة ولوا إلى دمشق هاربين، فاضطربت دمشق وراح أهلها يرحلون عنها.
ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية بنفسه إلى قازان وجها لوجه وقال للترجمان: "قل لغازان انك تزعم أنك مسلم ومعك قاض وإمام وشيخ ومؤذنون على مابدا لنا فغزوتنا، وأبوك وجدك كانا كافرين وماعملا الذي عملت، عاهدا فوفيا وأنت عاهدت فغدرت وقلت فما وفيت "
خرج ابن تيمية من دمشق صبيحة يوم الخميس من باب النصر بمشقّة كبيرة ومعه الأعداد الغفيرة من المجاهدين، كما خرجت العساكر الشامية. ووصلت البشائر بأن السلطان قلاوون قد اقترب من دمشق ومعه الجند المصرية.
دخل رمضان يوم الجمعة، والمغول يقتربون من البلد، والناس في خوف شديد، وبات الناس في الجامع يضجون بالدعاء إلى الله ويتضرعون إليه. وجلسوا يرتقبون الأخبار.
في هذه الأثناء كان الخوف قد عاود السلطان قلاوون الصغير السن، وأصابه وهن شديد عن لقاء المغول فأراد الرجوع لمصر فسار إليه شيخ الإسلام إبن تيمية وخاطبه وشد من أزره وصار يذكره بفضل الجهاد ووجوب حماية بلاد الإسلام، وصار أيضاً يهدده أنك إن عدت وتركتنا نصبنا لنا سلطاناً وخلعناك، ومازال به حتى وافق على المواصلة
نظّم المسلمون جيشهم أحسن تنظيم بسهل شقحب الذي يشرف على جبل غباغب وكان السلطان قلاوون قد أمر بأن يقيد فرسه حتى لا يهرب، وكتب وصيته، وعزم على إحدى الحسنيين. وهتف الخليفة : "يا مجاهدون لا تنظروا لسلطانكم، قاتلوا عن حريمكم وعن دين نبيكم صلى الله عليه وسلم ".
في هذا الوقت ظهرت مشكلة أخرى
حيث تكلم الناس في كيفية قتال هؤلاء التتر وهم يظهرون الإسلام
فتصدى ابن تيمية لهذه الفتنة قائلا: إن هؤلاء من جنس الخوارج الذين خرجوا على عليٍّ ومعاوية، ورأوا أنهم أحق بالأمر منهما. وهؤلاء يزعمون أنهم أحق بإقامة الحق من المسلمين، ويعيبون على المسلمين ما هم متلبسون به من المعاصى والظلم، وهم متلبسون بما هو أعظم منه بأضعاف مضاعفة وهو الكفر بالاحتكام الى الياسق القانون الوضعي وعدم الاحتكام لشرع الله ، فتفطن العلماء والناس لذلك، وكان يقول للناس: :إذا رأيتموني في جانب التتار وعلى رأسى مصحف فاقتلوني" فتشجع الناس في قتال التتار وقويت قلوبهم ونياتهم.
وقف السلطان قلاوون في القلب، ومعه الخليفة المستكفي بالله والقضاة والأمراء سلار وبيبرس الجاشنكير وعز الدين الخازندار وغيرهم من الأمراء، وفى الميمنة وقف حسام الدين الرومي وعدة من الأمراء، وعلى يمينهم الأمير قبجق بعساكر حماة والعرب، وفى الميسرة وقف عساكر حلب وعلى رأسهم الأمير بكتاش الفخري والأمير قرا سنقر.
واحتدمت المعركة، وحمي الوطيس، واستحرّ القتل، واستطاع المغول في بادئ الأمر أن ينزلوا بالمسلمين خسارة ضخمة فقتِل من قتِل من الأمراء.. ولكن الحال لم يلبث أن تحوّل بفضل الله عزّ وجلّ، وثبت المسلمون أمام المغول، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وتغيَّر وجه المعركة وأصبحت الغلبة للمسلمين، حتّى أقبل الليل فتوقّف القتال إلاّ قليلاً، وطلع المغول إلى أعلى جبل غباغِب، وبقوا هناك طول الليل، ولما طلع النهار نزلوا يبغون الفرار بعد أن ترك لهم المسلمون ثغرة في الميسرة ليمرّوا منها، وقد تتّبعهم الجنود المسلمون وقتلوا منهم عدداً كبيراً، كما أنهم مرّوا بأرض موحِلة، وهلك كثيرون منهم فيها، وقُبض على بعضهم.
قال ابن كثير: "فلما جاء الليل لجأ التتار إلى اقتحام التلول والجبال والآكام، فأحاط بهم المسلمون يحرسونهم من الهرب ويرمونهم عن قوس واحدة إلى وقت الفجر، فقتلوا منهم ما لا يعلم عدده إلاَّ الله عز وجل، وجعلوا يجيئون بهم من الجبال فتُضرب أعناقهم".
ثم لحق المسلمون أثر المنهزمين إلى القريتين يقتلون منهم ويأسرون.
ووصل التتار إلى الفرات وهو ملآن فلم يقدروا على العبور.. والذي عبر فيه هلك. فساروا على جانبه إلى بغداد، فانقطع أكثرهم على شاطئ الفرات وأخذ أهل العراق منهم جماعة كثيرة.
وفي يوم الاثنين الرابع من رمضان رجع الناس من الكسوة إلى دمشق فبشَّروا الناس بالنصر، وفيه دخل شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية البلد ومعه أصحابه من المجاهدين، ففرح الناس به، ودعوا له وهنّؤوه بما يسَّر الله على يديه من الخير.
وفي يوم الثلاثاء الخامس من رمضان دخل السلطان إلى دمشق وبين يديه الخليفة، وزُيِّنَتِ البلد، وبقِيا في دمشق إلى الثالث من شوّال إذ عادا إلى الديار المصرية.
وكان فرح السلطان الناصر محمد بن قلاوون والمسلمين بهذه المعركة فرحاً كبيراً، ودخل مصر دخول الظافر المنتصر، يتقدّم موكبَه الأسرى المغول يحملون في أعناقهم رؤوس زملائهم القتلى، واستُقبل استقبال الفاتحين.